تمرُّ، الثلاثاء، الذكرى الأولى للحرب التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة في 10 مايو/أيار 2021، واستمرت 11 يوما، وخلّفت أكثر من مئتي قتيل فلسطيني وآلاف الجرحى.
ورغم مرور عام على هذه الحرب، إلا أن القطاع لم يتعافَ بعد من تداعياتها التي دمّرت مئات المباني والبُنى التحتية وعشرات المنشآت الاقتصادية.
وفاقمت الحرب من تردّي الظروف الاقتصادية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني يقطنون في القطاع المُحاصر إسرائيليا لأكثر من 15 عاما، والذي شَهد على مدار السنوات الماضية 3 حروب، تخللتها جولات عسكرية مُتكررة.
وبحسب اللجنة الحكومية العُليا لإعمار غزة، فإن إجمالي خسائر قطاع غزة جرّاء تلك الحرب، بلغت نحو 479 مليون دولار.
بداية الحرب
اندلعت شرارة هذه الحرب، جرّاء الأحداث التي كانت جارية في حيّ الشيخ جراح والمسجد الأقصى منذ أبريل/ نيسان لعام 2021.
وأطلقت الفصائل الفلسطينية صواريخ باتجاه المستوطنات المحاذية للقطاع مطلع مايو 2021، ردا على "الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية بالقدس"، وأغلقت إسرائيل على إثرها بحر القطاع بشكل كامل ومعبر بيت حانون "إيرز" (شمال).
ومع تزايد الهجمات ضد الفلسطينيين والمسجد الأقصى الذي اقتحمته الشرطة الإسرائيلية واعتقلت عشرات داخله، أمهلت الغرفة المشتركة للفصائل (تقودها حركة "حماس")، عصر يوم 10 مايو، إسرائيل، مدة ساعتين تقريبا، لسحب جنودها من المسجد الأقصى وحيّ "الشيخ جراح" والإفراج عن الفلسطينيين الذين اعتقلتهم بالقدس.
وبعد انقضاء المُهلة، نفّذت كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلّح لحركة "حماس"، تهديدها بتوجيه ضربة صاروخية لمدينة القدس الغربية، صادقت إسرائيل على إثرها - مساءً - على توجيه ضربة جوية لغزة.
وبعد ساعات، أعلن الجيش الإسرائيلي عن إطلاق عملية عسكرية، حمَلت اسم "حارس الأسوار"، بينما أطلقت عليها الفصائل الفلسطينية اسم "سيف القدس".
وخلال الحرب، أطلقت الفصائل بغزة ما يزيد عن 4 آلاف صاروخ تجاه مدن جنوب ووسط إسرائيل، أسفرت عن مقتل 12 إسرائيليا وإصابة نحو 330 آخرين؛ وفق مصادر إسرائيلية.
ووصف سكان القطاع، ومسؤولون حقوقيون فلسطينيون ودوليون، الغارات التي نفّذتها إسرائيل على القطاع، بـ "الأكثر عنف ووحشية"، على مدار السنوات الماضية.
واستمرت الغارات على القطاع، حتّى ساعة متأخرة من مساء 20 مايو، حينما أعلنت وكالة الأنباء الرسمية في مصر التوصل لوقف إطلاق النار في بين إسرائيل والفصائل برعاية مصرية، ابتداءً من فجر يوم 21 مايو؛ في حين قالت إسرائيل إن وقف إطلاق النار تم دون شروط.
وفجر 21 مايو، بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، حيث خرجت مسيرات شعبية بغزة، احتفالا بما اعتبروه انتصارا للمقاومة في هذه الحرب.
ضحايا ومجازر
شنّت إسرائيل خلال هذه الحرب التي استمرت لمدة 11 يوما، مئات الغارات الجوية والمدفعية والبحرية، باتجاه مواقع ومبانٍ سكنية ومدنية في أنحاء متفرقة من قطاع غزة.
وأدت هذه الهجمات، وفق تقرير صدر عن المكتب الإعلامي الحكومي بعد الحرب، إلى نزوح أكثر من 120 ألف مواطن، من منازلهم الواقعة في المناطق الساخنة، بحثا عن ملجأ أقل خطرا، في مراكز الإيواء (مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا")، أو لدى أقاربهم وأصدقائهم.
وأسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل 248 فلسطينيا، بينهم 66 طفلا، و39 سيدة، و17 مسنّا، و5 أشخاص من ذوي الإعاقة، فضلا عن إصابة 1948 فلسطينيا بجراح مختلفة.
وخلال هذه الحرب، ارتكبت إسرائيل، بحسب بيان صدر عن وزارة الصحة الفلسطينية نهاية مايو الماضي، مجازر بحق 19 عائلة فلسطينية، راح ضحيتها 91 فردا (من إجمالي أعداد القتلى)؛ بينهم 41 طفلا، و25 سيدة.
ووفق الوزارة، فإن عائلة "الكولك" الفلسطينية، شهدت مجزرة راح ضحيتها العدد الأكبر من القتلى، وبلغ 21، بينهم 8 أطفال و6 سيدات.
بينما فقدت عائلة "أبو عوف"، وفق الوزارة، 9 أفراد بينهم طفل و5 سيدات، جرّاء استهداف مباشر لمنزلهم.
ووثّقت الوزارة مقتل 6 فلسطينيين بينهم 4 أطفال وسيدة، من عائلة الطناني، شمالي القطاع، في استهداف إسرائيلي لمنزلهم.
ورصدت الوزارة مقتل 5 أفراد من كل عائلة من عوائل المصري، والعطّار، والحديدي، وأبو حطب، واشكنتنا، والإفرنجي.
أضرار مادية
وقال المكتب الإعلامي الحكومي، في تقرير أصدره بعنوان "جريمة الاحتلال في غزة"، عقب الحرب، إن إسرائيل دمّرت 303 مبانٍ سكنية بشكل كامل، خلال عدوان مايو.
وأضاف إن الحرب أدت إلى تدمير 2075 وحدة سكنية بشكل كامل أو بليغ، بحيث لم تعد صالحة للسكن، و15 ألف وحدة سكنية بشكل جزئي.
كما تضرر جراء الغارات الإسرائيلية نحو 24 مركزا صحيا، و46 مدرسة، وفق المكتب.
وبيّن أن 42 مؤسسة إعلامية تم تدمير مقراتها، أبرزها مكتبي قناة الجزيرة القطرية، ووكالة الأنباء الأمريكية "أسوشيتد برس".
وفي السياق، أدت الحرب الأخيرة إلى تضرر 490 منشأة زراعية، و300 منشأة اقتصادية من بينهم هدم 7 مصانع، وفق المكتب.
أوضاع كارثية
يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، مصطفى إبراهيم، إن سكان قطاع غزة، وبعد مرور عام على الحرب الأخيرة، يعيشون أوضاعا اقتصادية واجتماعية سيئة.
وأضاف في حديث لوكالة الأناضول، إن آثار العدوان الأخير، من دمار، ما زالت قائمة، في ظل سير عملية إعادة الإعمار ببطء شديد.
ويُرجع إبراهيم تباطؤ عملية الإعمار إلى "عدم التزام الدول المانحة بتعهداتها، فضلا عن تراجع دور بعض الدول العربية في دعم هذه العملية".
وأردف: "كما ينعكس استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي، بشكل كبير وسلبي على الحالة الفلسطينية، خاصة بغزة".
وعدّ إبراهيم عدم الالتزام بعملية إعمار غزة "جزءا من الحصار والقيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع، و جزءا من الضغط المُمارس على الفصائل بغزة، حيث سبق وأن رهنت إسرائيل بدء الإعمار الحقيقي بعودة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة بغزة".
واعتبر إبراهيم التأخر في الإعمار بمثابة "عقوبات جماعية على سكان القطاع".
ويزيد معاناة الفلسطينيين بغزة، وفق إبراهيم، وقف التمويل الحكومي المُخصص للعائلات الفقيرة بغزة.
واعتادت العائلات المنتفعة من "الشؤون الاجتماعية"، الذين تزيد أعدادهم عن 80 ألف (يبلغ عدد أفرادها نحو نصف مليون)، استلام مخصصات مالية من قبل الحكومة (برام الله)، بشكل دوري، مرة واحدة كل 3 شهور، في حين أرجعت الحكومة التأخر إلى "عدم توفّر التمويل".
كما يُشكّل الارتفاع العالمي في أسعار السلع الأساسية الغذائية أو الخام، جراء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، عبئا إضافيا على الشعب الفقير بغزة، وفق إبراهيم.
وأردف قائلا: "هذه الأزمة أثّرت على الدول الكبيرة والغنيّة، فما بالنا بمنطقة مُحاصرة باقتصاد هش، وشعب فقير!"، فيما حذّر من أوضاع أكثر كارثية قد يمرّ بها سكان القطاع جرّاء استمرار الأزمة الإنسانية التي يعيشها.
ويعتبر إبراهيم أن استمرار الأزمة الإنسانية بغزة، وتداخل عوامل اشتداد حالة الفقر والبطالة، التي يعيشها الشعب، مؤشرات من شأنها أن تدفع القطاع نحو "الانفجار".
ووفق آخر تقارير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نسبة البطالة في قطاع غزة وصلت إلى 47 بالمئة، لأسباب يرجعها خبراء اقتصاديون إلى الحصار وتداعيات الانقسام.