استبعد خبيران أن تنجح أي مبادرة لإجراء حوار وطني في تونس لحلحلة الأزمة السياسية الحالية، في ظل ضعف المعارضة وتشتتها.
إلا أن الخبيرين لم يستبعدا في حديث للأناضول، وقف مشروع الرئيس قيس سعيد، في إقامة حكم فردي، إذا تفاقمت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، ونزلت الجماهير الغاضبة إلى الشارع.
والأسبوع الماضي، طرحت "تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية"، مبادرة سياسية تمثلت في العمل على إجراء حوار وطني دون مشاركة الرئيس سعيد.
وتنسيقية الأحزاب الاجتماعية تضم أحزاب التيار الديمقراطي (22 نائبا/ 217 في البرلمان المجمدة أعماله) والجمهوري (لا نواب له) والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (لا نواب له).
وفي هذا الصدد، قال الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، لـ"العربي الجديد"، إنه لم تبقَ حلول أخرى اليوم، فقد كانوا يأملون "إطلاق حوار وطني بإشراف الرئيس، باعتباره صاحب شرعية شعبية، وغير محسوب على أي طرف سياسي، وربما قادر على التعالي على التجاذبات الحزبية، وليساعد على رسم خريطة طريق للإنقاذ".
واستدرك الشواشي، لكن "في ظل رفضه المستمر، وهذا ثابت لدى الرأي العام في الداخل والخارج، فإن تنسيقية الأحزاب الديمقراطية، قررت إطلاق حوار وطني دون الرئيس".
** إقصاء أو فقدان للثقة
الرئيس الأسبق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (يتبع الرئاسة)، طارق الكحلاوي، اعتبر أن "الهدف من مبادرة الحوار الوطني دون الرئيس قيس سعيد، يتمثل في أن الأحزاب التي طرحتها تريد التحرك لخلق مجال مناورة سياسية لمحاولة تغيير موازين القوى وتعديلها من خلال المبادرة السياسية".
وأضاف الكحلاوي، في حديث للأناضول، "الهدف من المبادرة ليس الحوار الوطني، فالحوار حتى تكون له جدوى، لابد من مشاركة الرئيس".
وتابع "هذه الأحزاب تريد تغيير موازين القوى من خلال المبادرة السياسية، بالتلويح بحوار دون مشاركة الرئيس".
المحلل السياسي بولبابة سالم، من جهته، اعتبر فكرة الحوار جيدة، وقال "سنصل إلى حوار في القريب العاجل أو المتوسط، والتصعيد لن يفيد أحدا".
إلا أن سالم، لفت في حديث للأناضول، أن "فكرة الحوار التي طرحتها الأحزاب الاجتماعية الوسطية الديمقراطية، لم تستثن الرئيس فقط، فالرئيس يرفض الحوار بالصيغ المعروفة".
وأوضح أن "مبادرة تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية، استثنت الرئيس، والحزب الدستوري الحر (16 نائبا) وحركة النهضة (53 نائبا) وائتلاف الكرامة (18 نائبا)".
وتابع "الحوار لن يكون شاملا حتى يمكن اعتباره ورقة ضغط سياسي، لأن قوى المعارضة مجتمعة مع بعض المنظمات عندما تقدم ورقة عمل قد تمثل حرجا (للرئيس)، ولا يجد الرئيس حجة لعدم الحوار وإيجاد حلول".
ولفت سالم، إلى أن "الوضع خطير، لذلك لا يمكن استبعاد أحزاب لها قاعدة شعبية هامة".
وتساءل "عندما يقع استثناء الدستوري الحر، أو ائتلاف الكرامة، أو النهضة، أو الرئيس، فالحوار مع من سيكون؟"
ونبّه إلى أن "أحزاب التنسيقية صحيح موجودة، وفيها مناضلين، لكنها غير قادرة على تعبئة الشارع، ولا التأثير في الرأي العام".
واعتبر سالم، أن "فكرة الحوار طرح جيد، لكن تقديمها كان سيئا، فإذا اتهمنا الرئيس برفض الحوار، فإن أحزاب التنسيقية تمارس الإقصاء".
واستبعد الكحلاوي، "الحديث عن عمل جماعي، فقيادات في تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية تقول إنه لا يمكن التحالف مع طرف ساهم بشكل أساسي في الوصول إلى 25 يوليو/تموز، بسياساته ودوره في الحكومات المتعاقبة، الذي هو حركة النهضة".
وتابع أن هذا الموقف "ليس له علاقة بالإقصاء بل بفقدان الثقة بين المجموعتين؛ النهضة من جهة، وتنسيقية الأحزاب الاجتماعية من جهة أخرى".
وفسّر الكحلاوي، فقدان الثقة بأن "هذه الأطراف تعتبر أن النهضة كانت مسؤولة، وليست مسألة استئصال".
** اختلال موازين القوى
بولبابة سالم، يرى أن تشتت المعارضة سبب ضعف أدائها، وقال "على المعارضة العمل في كيان سياسي واحد، إذا كانوا (قادة المعارضة) حقا يتحدثون عن خطر انهيار الدولة".
وأضاف "لكن رغم اشتراكهم في التشخيص لم يستطيعوا التوحد في جسم سياسي واحد لأسباب عديدة تتعلق بصراع الزعامات والحسابات، مما ترك موقفهم ضعيفا، لأن المعارضة غير موحدة ومشتتة".
ولفت سالم، إلى أن الأقوى كجسم سياسي هم "مواطنون ضد الانقلاب"، الذي تحول لورقة ضغط قوية، ولهم أكثر تأثير في الشارع، فهم تنظيم أفقي، لا صراع زعامات ولا حسابات".
وتابع "الأحزاب في التنسيقية غير قادرة على التأثير، والرئيس ينتقدهم بقسوة، ويعتبر أنهم انتهازيون ويريدون المناصب".
واستدرك سالم، "ربما بعض هذه المكونات قد تكون لها مصداقية، لكن المصداقية تتجسد في السلوك، وهذ غير موجود، فما الذي يمنع دعوة الجميع للحوار، لكن أن تعجز عن الاندماج فيما بينها يطرح تساؤلات حول جدية هذه التحركات السياسية".
** عجز عن مواجهة الرئيس
وخلص سالم، إلى أن "المشهد الحالي غير قادر على إجبار الرئيس على التراجع لأن المعارضة غير فاعلة في الشارع".
وأوضح "رغم أن قواعد هذه الأحزاب مع التجميع، فـ(مواطنون ضد الانقلاب) جمّعت خلال تحركاتها كثيرا من مناصري هذه الأحزاب، لكن القيادات لها حسابات أخرى".
وبيّن أن "الوضع التونسي لم يعد وضعا محليا، بل أصبح دوليا، مما قد يشكّل ورقة ضغط قوية، لكن طبيعة شخصية الرئيس تجعل احتمالات التراجع صعبة".
بينما يذهب الكحلاوي، إلى أبعد من ذلك ويقول "حتى وإن تجمعت القوى المعارضة للرئيس فلن يستطيعوا أن يشكلوا خطرا على مشروعه".
وأضاف "المعارضة مرفوضة شعبيا، خاصة مع تواصل نفس الوجوه في تصدر الساحة السياسية، هذا لا يساعد في تغيير نظرة الناس إليهم".
** الاحتجاج الاجتماعي قادر على تغيير الموازين
واعتبر الكحلاوي، أن "المجال الوحيد الذي يمكن أن يغير الوضع ويجبر الرئيس على التراجع عن مشروعه.. حركات الاحتجاج الاجتماعي".
وقال "ربما وقتها يمكن للقوى السياسية أن تبني على ذلك، وهذا مطروح في المدة القادمة، لأن الوضع الاجتماعي صعب".
وأشار إلى أنه "رغم وجود نزعة لتجنب الاحتجاج، وتقلص التحركات الاجتماعية حاليا لإعطاء سعيد فرصة، لكن هذا لن يستمر".
واعتبر أن التحركات الاجتماعية (وحدها) "القادرة فعليا على الحد من الاتجاه نحو الحكم الفردي، وليس النخبة السياسية حتى وإن تجمعت، فالحضور الاجتماعي للنخبة السياسية ضعيف".
وعلى عكس سالم، اعتبر الكحلاوي، أن تحركات مواطنون ضد الانقلاب، "حزام حركة النهضة، وليس من الصدفة التوجه إلى الجنوب، ويمكن أن تعد كإحراج سياسي، ولكن السؤال الأهم: هل هي قادرة على عكس الموجة في الشارع؟ أعتقد أنها غير قادرة".
** الرئيس في وجه الأزمة
من جانبه، وافق سالم، الكحلاوي، في توقعاته ويقول "الاحتمال الوحيد لإجبار سعيّد على التراجع عن تركيز (تثبيت) الحكم الفردي، أن تكون هناك موجة احتجاجات شعبية مرتبطة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي".
وأوضح سالم، "المواطن البسيط لا تعنيه الصراعات حول الدستور والقضاء، ولا يهتم بالمسائل السياسية، بل يهتم بعيشه".
وتابع "لما يتحرك الشارع بصورة تلقائية بعيدا عن الأحزاب يمكنه إجبار سعيد على التراجع، لأن الشعب العميق القادر على التغيير والتأثير في أي نظام".
وتوقع سالم، أنه "حتى من يؤيد الرئيس في الانقلاب الدستوري، بعد أشهر من 25 يوليو، سيحاسبونه، لأنه امتلك كل السلطة التنفيذية، وأي أزمة هو مسؤول عنها، وهو الآن أمام هذه التحديات الاقتصادية والاجتماعية".
وشدّد على أن "الناس لن تصدق إلقاء المسؤولية على الآخرين والعشرية السوداء (فترة الحكم من ثورة 2011 إلى 25 يوليو 2021) لأنه بالنسبة له من يمتلك السلطة يملك الحلول".
وأوضح أن "السلطة اليوم تريد تسويق المسألة على أساس قضية مسالك توزيع واحتكار لكننا نرى الواقع يكذب هذا".
وقال سالم "هناك بواخر محملة بمواد أساسية لم تتمكن من إفراغ حمولتها ورجعت، ومشكلة تأخير صرف الأجور لا تتحمل مسؤوليتها وزيرة المالية، التي نفسها كانت موظفة".
وأضاف "نحن نواجه هذا في يناير/كانون الثاني، وعادة ما يكون تسديد الأجور سلسا في الأشهر الأولى من العام".
وتابع "سياسة الهروب إلى الأمام لن تنفع لأنه لا توجد برامج للإنقاذ، يوجد فقط كلام وشعارات لإلهاء الرأي العام".
وأشار سالم، إلى أن "منتدى دافوس، تحدث عن انهيار الدولة، والإفلاس، وخطر السوق الموازية، التي تقارب أكثر من نصف ميزانية الدولة، وهجرة أصحاب المؤسسات، وهذا سيخلق التوتر، وإلقاء التهم على الآخرين لم يعد يصدقه أحد".