كشف الجيش السوداني عن أنه عرض على رئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك تشكيل حكومة جديدة، في حين تواصلت الضغوط الخارجية للعودة إلى المسار السابق وسط دعوات داخلية لتنظيم مسيرات جديدة.
وقال قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان إن هياكل السلطة التي سيتم تشكيلها ستضم ممثلين من الولايات كافة من دون تحزب، مشيرا إلى استكمال تشكيل البرلمان والانتخابات، على حد تعبيره.
وأضاف البرهان أن المشاورات تشمل رئيس الحكومة المعزول عبد الله حمدوك نفسه لتكوين حكومة كفاءات مدنية حال موافقته على التكليف.
وقال إنهم أرسلوا له الليلة الماضية وفدا للتفاوض معه، وإنهم عرضوا عليه تشكيل الحكومة من دون تدخل منهم في تحديد أسمائها وعناصرها.
وأوضح أنهم كانوا قد اتفقوا مع رئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك لقيادة إجراءات التصحيح، ولكن تدخل بعض الأطراف جعل حمدوك يتردد.
ووصف القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان التعديلات التي اتخذها بشأن الوثيقة الدستورية بأنها لم تمس الحريات، واكتفت بإسقاط المواد التي تتعلق بالشراكة مع الحرية والتغيير.
ووصف البرهان نفسه بأنه الأكثر حرصا على نتائج لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة.
من ناحية أخرى، قالت السفارة الأميركية في السودان إنها ما زالت تتلقى تقارير عن احتجاجات متفرقة في الخرطوم وما حولها، كما أفادت التقارير بإغلاق الطريق الذي يربط مصر بالسودان من قبل المتظاهرين، مؤكدة أن الطرق المؤدية إلى بورتسودان شرقي البلاد قطعت بشكل كامل.
وذكرت السفارة الأميركية في بيان أنها تلقت معلومات عن اعتقال متظاهرين، بينما لم تتلق أي تقارير عن إصابات أو مواجهات.
وأوضحت أن المتظاهرين يواصلون نصب الحواجز، بينما يستحدث الجيش السوداني نقاط تفتيش حول مدينة الخرطوم.
ونبّهت السفارة إلى أن الطرق المؤدية إلى المطار قد لا تكون آمنة، خصوصا مع توارد أنباء عن إضراب عام بين عمال المطار والطيارين السودانيين.
وكان المبعوث الأميركي الخاص بالقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، اتّهم البرهان بخيانة روح ثورة 2019.
وتوقع الدبلوماسي الأميركي -في حوار مع شبكة "بي بي إس" (PBS)- أن يكتشف البرهان وقواته أن إعادة السودان إلى ماضيه المظلم ليس بالأمر السهل.
وجزم المبعوث بأن الناشطين السودانيين ملتزمون بعدم السماح للجيش بالسيطرة على البلاد، مشيرا إلى أن الفريق أول البرهان يواجه -إضافة إلى ضغط الشارع السوداني- ضغوطا إقليمية ودولية كبيرة.
وتحدث المبعوث الأميركي عن قلق من احتمال اندلاع أعمال عنف، خاصة غدا السبت مع خروج مظاهرات شعبية.
وكشف فيلتمان أن البرهان وحميدتي لم يلمحا له أبدا إلى أنهما سيتسلمان زمام الأمور، ويفرضان حل مجلس الوزراء بالوسائل العسكرية.
ورجح الدبلوماسي الأميركي أن الدول التي تشعر بالارتياح لفكرة حكم عسكري قوي، لا تستطيع أن تحل محل المجتمع الدولي والمؤسسات المالية العالمية في التعامل مع قضايا اقتصادية يواجهها السودان.
بدوره، قال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتيس إنه التقى قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، ودعا إلى الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين السياسيين.
وعرض فولكر مساعيه لتسهيل التوصل إلى تسوية سياسية من أجل استعادة الشراكة الانتقالية.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن حث القادة العسكريين السودانيين على إعادة الحكومة الانتقالية المدنية والإفراج عن جميع المعتقلين.
وقال بايدن أمس الخميس -في بيان- إن الأحداث الأخيرة في السودان "انتكاسة خطيرة"، وأكد أن بلاده ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوداني ونضاله السلمي لتحقيق أهداف الثورة.
كما أصدر مجلس الأمن الدولي بيانا بإجماع أعضائه يعرب فيه عن قلقه الشديد بشأن استيلاء الجيش على السلطة في السودان.
وطالب المجلس -في بيانه الصادر أمس الخميس- بإعادة إرساء حكومة انتقالية بقيادة المدنيين على أساس الوثيقة الدستورية، كما دعا إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين.
وبينما تكثف الولايات المتحدة والأمم المتحدة الضغط على القادة العسكريين في السودان، دعا عدد من الأحزاب والكيانات السياسية للخروج في تظاهرات شعبية مليونية يوم السبت المقبل، لمعارضة الإجراءات التي اتخذها القائد العام للجيش السوداني وقضت بحل الحكومة الانتقالية وإعلان حالة الطوارئ في البلاد.
وظهرت هذه الدعوات عبر منشورات مطبوعة تدعو إلى "مسيرة مليونية" غدا السبت احتجاجا على الحكم العسكري، وذلك بالاعتماد على وسائل قديمة للحشد الشعبي، بعد أن قلصت السلطات استخدام الإنترنت والهواتف.
وقد خرجت الليلة الماضية مظاهرات متفرقة في عدد من مناطق مدينة الخرطوم، وذلك في إطار التحشيد لما يطلق عليها مليونية 30 أكتوبر/تشرين الأول، وهتف المتظاهرون بسقوط الحكم العسكري وطالبوا بعودة الحكم المدني.
وقال مراسل الجزيرة بابا ولد حرمة إن الدعوات على المستوى الشعبي للمظاهرات المليونية، دعت لها قوى الحرية والتغيير-اللجنة المركزية وتجمع المهنيين وغيرها من اللجان الفرعية في أحياء ومدن العاصمة.
وذكر أن قوى الحرية والتغيير-اللجنة المركزية، تعول على هذه التظاهرات لإثبات ما تسميه التفافا شعبيا على خيارها الرافض للإجراءات التي اتخذها العسكر.
وأضاف أنه يتواصل أيضا إغلاق عدة شوارع بعضها في أم درمان وبعضها في الخرطوم، وأن الجيش تدخل أمس لإزالة المتاريس وفتح عدد من الشوارع.
وقال إن الدعوات الخارجية بضرورة العودة عن حل المجلسين، والعودة إلى المسار السابق، تلقتها القوى السياسية المحلية المناهضة للإجراءات العسكرية بكثير من الترحيب.
وقد ارتفع عدد قتلى المواجهات بين المتظاهرين وقوى الأمن إلى 11 شخصا على الأقل منذ الاثنين الماضي، بحسب وكالة رويترز.
ولا تزال شوارع العاصمة السودانية تشهد انتشارا أمنيا مكثفا للجيش وقوات الدعم السريع، لكن السلطات حاولت إعادة بعض مظاهر الحياة الطبيعية وفتح بعض الطرق والجسور، كما استؤنفت أول أمس الأربعاء الرحلات الجوية عبر مطار الخرطوم للمرة الأولى منذ الاثنين الماضي.