لم تخل حملة الانتخابات النيابية بالجزائر، المقررة في 12 يونيو/ حزيران الجاري، من الغضب والسخرية، بسبب تصدر مرشحات بلا وجوه و"حسناوات"، واجهة الملصقات الانتخابية.
وفي 20 مايو/ أيار الماضي، شرع 28 حزبا سياسيا وقوائم حرة في خوض الحملة الانتخابية على أن تنتهي قبل موعد الاقتراع بثلاثة أيام.
ويتنافس المرشحون، في 58 ولاية على 407 مقاعد في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان).
ويتوزع المرشحون على 1483 قائمة انتخابية، بينها 646 تمثل 28 حزبا سياسيا، و837 مستقلة، وفق سلطة الانتخابات.
وفي الجزائر تحسب الولاية (58 ولاية) بمثابة دائرة انتخابية واحدة، وتمنح عدد مقاعد متوافقا مع عدد السكان، حيث يخصص مقعد واحد لكل 120 ألف نسمة.
** فراولة وحسناوات
رافق الدعاية الانتخابية، موجة غضب بعد تداول تصريحات غريبة وملصقات تصدرتها "حسناوات" لاستمالة الناخبين، وأخرى تضم مرشحات بلا وجوه.
ومع بداية الحملة تزينت ملصقات قوائم انتخابية حزبية ومستقلة، بصور نساء حسناوات تصدرن واجهتها.
وفي 25 مايو الماضي، أثار عيسى بلهادي، رئيس حزب "جبهة الحكم الراشد"، في تصريح وصف فيه مرشحات حزبه بـ"الفراولة المنتقاة"، حفيظة ناشطين الذين اعتبروه إهانة للمرأة.
بلهادي قال خلال تجمع شعبي بالعاصمة الجزائر: "بالنسبة لحسناوات قائمتنا أحضرنا لكم الفراولة المختارة، وبينهن الطبيبة والمهندسة والمديرة".
وخلفت هذه التصريحات موجة غضب وسخرية في الشارع تجلت عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط مطالب لمرشحات هذا الحزب بالانسحاب، ردا على ما وصف بـ"تصريحات مهينة لهن".
في اليوم الموالي، أعلن السياسي الجزائري عبر "فيسبوك"، استعداده للاعتذار إذا كان ما صرح به عن مرشحات حزبه "يحمل إهانة للجزائريات".
وأضاف: "تصريحنا كان واضحا ولا لبس فيه ولا يخدش حياء المرأة الجزائرية (..) فهي الأم والأخت والبنت والزوجة والجدة والعمة والخالة".
** ردود فعل غاضبة
المرشحة في الانتخابات عن الحزب، أسرار ستي، علقت على تصريح بلهادي، قائلةً: "المرأة الجزائرية أصيلة أصالة الجزائر".
وأضافت في تدوينة عبر فيسبوك: "المرأة نصف المجتمع ومن الضروري تغيير الصور النمطية حولها وتجنب التمسك بالتوصيف والشكليات".
واستطردت: "لا أقبل توصيفنا كمترشحات بالحسناوات على حساب الحكم على برامجنا وأفكارنا".
بدورها، انتقدت البرلمانية السابقة أميرة سليم، تصريح "الحسناوات والفراولة"، معتبرة أنه "أمر مؤسف، إذا وصلنا لتشبيه المرأة بالفراولة، إنها إهانة".
وأردفت في تصريح لقناة "الشروق نيوز" (خاصة): "لو كنت ضمن حزبه، لقدمت استقالتي، لأنها إساءة للجزائريات".
بدوره، أعلن محمد شرفي، رئيس السلطة العليا للانتخابات، بمؤتمر صحفي في 27 مايو، أن هيئته مستعدة للتحرك ضد هذه التصريحات في حال تلقت احتجاجا من إحدى المرشحات.
** مرشحات دون صور
بعض القوائم أغلبها لمستقلين، شهدت إخفاء وجوه مرشحات في ملصقات الدعاية الانتخابية، المعروضة في الأماكن العامة، وعبر منصات التواصل الاجتماعي.
ومع بداية الحملة الدعائية، أعلنت السلطة العليا للانتخابات، أنها نزولا عند طلب ممثلين عن الأحزاب والقوائم المستقلة، ستجيز إخفاء وجوه مترشحات بالملصقات الدعائية، وحتى في أوراق التصويت دون ذكر سبب هذا الطلب.
ومن بين ملصقات القوائم المستقلة، التي تخفي فيها مرشحات وجوههن، قائمة "الغد المشرق" بمحافظة المنيعة (جنوب).
وعلى الملصق 6 مرشحين بينهم امرأتان بلا صور (لحباكي فاطمة الزهراء وبلمهربت كريمة).
كما لم يتضمن ملصق قائمة "البديل" بمحافظة برج بوعريريج (شرقي العاصمة)، صور مترشحين اثنين رجل وامرأة.
وبرر الخثير عدالة، المترشح في قائمة "البديل"، إخفاء بعض المرشحات وجوههن، بأن "الأمر مرتبط بإكمال الملف الإداري فقط ومراعاة شروط الترشح".
واعتبر في حديث للأناضول: "أن وجودهن في القائمة شكلي من أجل إتمام عدد المرشحين المطلوب في القائمة".
واستطرد: "الغالب أن من حجبت صورتها لا نشاط لها في الميدان ولا يهمها النجاح في الانتخابات".
** عزوف عن الترشح
من جهته، ربط الهادي سعدي، المختص في علم الاجتماع، ظهور مترشحات بلا صور في ملصقات الدعاية الانتخابية، بالحراك الشعبي والوضع في البلاد.
وفي حديث للأناضول، قال سعدي، إن "الوضع السياسي والاجتماعي يشهد حالة احتقان، أدى إلى عدم اقتناع البعض بالترشح للبرلمان".
وأضاف أن "مطالب الحراك دفعت بالبعض أيضا إلى تفضيل عدم الظهور سواء خجلا أو خوفا".
وزاد: "حسب بعضهم أصبحت الانتخابات دون جدوى وأصبح الفرد يخجل من إظهار ترشحه أمام أبناء مجتمعه".
وبيّن أن "السياقات الثقافية والتربوية تتحكم نسبيا في لجوء مترشحات إلى إخفاء وجوههن".
كما ذكر سعدي، أن "أصحاب قوائم انتخابية لم يجدوا مترشحين، لذلك عملوا على إقناع أسماء غير معروفة بالترشح مقابل وعود معينة"، دو توضيح.
واستدرك: "كأن هناك مجرد ملء للقوائم فقط لإعطاء صورة تبدو صادقة بأن هناك قائمة حرة ونزيهة".
** غضب وسخرية بالمنصات الاجتماعية
وعبر "فيسبوك"، تفاعل ناشطون بالسخرية تارة والغضب تارة أخرى، حول "الحسناوات" والمرشحات بلا صور.
وأفادت الصحفية نرجس كرميش: "من تطمح لدخول البرلمان فهي ملزمة بالظهور في جلساته المنقولة تلفزيونيا ومخاطبة الشعب والحكومة".
وتساءلت: "كيف تريد فعل كل هذا دون وجه؟ غير منطقي أن نجد مترشحات يحجبن صورهن".
وتابعت: "ما العيب في أن يعرف الناس من تكون وهي أصلا مقبلة على أن تصبح شخصية عمومية".
وساخرا، كتب الناشط عمار تويسات: "أريد أن أسألكم، لماذا لا تضع النساء المترشحات صورهن، هل حتى لا نعرفهن؟".
وتساءل قائلا: "لو فُزن في الانتخابات هل سيستقبلن الشعب وسيظهرن في الإعلام أم لا؟".
وبغضب، علقت الصحفية فريدة حمدي: "بخصوص الحسناوات، لو كنت مكانكن، لانسحبت وتركت الحزب".
وذكر الناشط سليم يحيى ساخرا: "قالت زوجتي لا تنسى، أحضر معك الفراولة".
وأضاف: "قلت أي فراولة، لأن هناك أنواعا كثيرة من الفراولة عند الحكم الراشد (حزب)".
وسيشهد هذه الاستحقاق قواعد جديدة بعد تعديل قانون الانتخاب، حيث يُمنع كل من سبق ومارس عهدتين برلمانيتين من الترشح.
كما تم إقرار نمط انتخابي يعتمد على القائمة المفتوحة التي تسمح للناخب بترتيب المترشحين داخل القائمة الواحدة حسب رغبته.