بسيارته القديمة المتهالكة يعمل السبعيني محمد سالم العياصرة (71 عاما) على جمع المصاحف القديمة والممزقة؛ ليقوم بتنظيفها وصيانتها وترتيبها، ثم إعادة استخدامها عبر توزيعها على المساجد ومراكز تحفيظ القرآن، أو تصديرها لدول أفريقية.
نحو 50 عاما قضاها العياصرة على ذات المنوال، يجوب محافظات ومدن المملكة بحثا عن المصاحف الممزقة، يحملها بين يديه ويعيد إكرامها، ويساعده في ذلك أبناؤه وعمال يستعين بهم في جولاته بمدن الأردن بعدما تقدم به العمر، ودافعه في ذلك حب كتاب الله وحرصه عليه، وصيانة تلك المصاحف وتقديمها لمحتاجيها.
وينفق شهريا على عمله التطوعي أكثر من 300 دينار (420 دولارا) من جيبه الخاص وتبرعات المحسنين، ولا يقف عمله على جمع المصاحف فقط، بل يجمع الكتب المدرسية والثقافية والعلمية المختلفة، ويحملها إلى مكتبته في مدينة ساكب التابعة لمحافظة جرش شمال الأردن، ثم يرتبها على رفوف خاصة بانتظار من يحتاجها.
توضيب وتصدير
يزور العياصرة في مكتبته الخاصة أساتذة جامعات وطلبة ومدرسين في مراكز تحفيظ القرآن، يبحثون عن كتب قيمة علمية أو أدبية أو معاجم أو تفاسير، ويصطحبون معهم ما يريدون منها عند مغادرتهم المكتبة دون مقابل.
يقول العياصرة -للجزيرة نت- "خلال الفترة الماضية تمكنّا من تصدير أكثر من 6 آلاف نسخة من القرآن الكريم إلى دول أفريقية، مثل غانا ونيجيريا والنيجر ومالي وغيرها، وذلك بمساعدة من جمعيات خيرية تعمل هناك".
ويتابع "المصاحف المصدرة لأفريقيا هي من المصاحف التي أقوم بجمعها من حاويات القمامة، وأكياس الأوراق الملقاة على جنبات الطرق، أقوم بصيانتها وتنظيفها وعمل الضروري لها، وإذا كان الغلاف ممزقا أقوم بإرسالها للمكتبة الوطنية لصيانتها هناك".
ويساهم العياصرة -من خلال نسخ القرآن المتوفرة لديه- في تزويد المساجد المنشأة حديثا بحاجتها من المصاحف، وكذلك جمعيات تحفيظ القرآن، ومكتبات المدارس الحكومية والخاصة، ولا يبخل بتزويد أي منشأة تربوية أو تعليمية حاجتها من المصاحف المتوفرة لديه.
وتقدم المكتبة الوطنية الأردنية (مؤسسة حكومية) -وفق العياصرة- جملة من المساعدات أهمها صيانة المصاحف القديمة وإعادة تدويرها لتكون صالحة للاستخدام، إضافة لتزويد المكتبة بنسخ من الكتب المتوفرة بمكتبته الخاصة.
محرقة خاصة
في سيارة النقل الخاصة به عشرات الأكياس، منها ما تحتوي على مصاحف صالحة للاستخدام، ومنها ما تعرض للحرق والتلف أو طاله الضرر، يقوم بجمعها في أكياس خاصة ويتلفها بطريقة الحرق.
يقول العياصرة إنه تمكّن -بمساعدة من المحسنين- من إنشاء محرقة خاصة للمصاحف والكتب الدينية والمدرسية. ويضيف "كلما تجمّع كمية كبيرة منها قمت بوضعها في المحرقة وإشعال النار بها، وما تبقى من الرماد أقوم بجمعه ودفنه في مكب خاص للرماد حفاظا على البيئة واحتراما لكتاب الله وأسماء الجلالة المكتوبة على الورق".
التقدم بالعمر وذهاب القوة وانحناءة الظهر ونحالة الجسم؛ لم تمنع العياصرة من الاستمرار بعمله، وبات يستعين بعمال في جولاته على مدن المملكة لجمع المصاحف والكتب، وشغله الشاغل إنقاذ ما يمكن إنقاذه منها، وإرسالها لمحتاجيها من المسلمين حول العالم.
كتب بالمجان
يفتح العياصرة أبواب مكتبته لأي محتاج للمعرفة، يقول إنه زارته الشهر الماضي أستاذة بإحدى الجامعات الخاصة مصطحبة معها عددا من الطلبة الأجانب الدارسين هناك، تبحث عن كتب دراسية تلزمهم، وحصلت الأستاذة وطلبتها على ما يريدون بشكل مجاني ودون مقابل.
وفي حديثه الممتد حول عمله يتذكر حادثة جميلة، ففي إحدى المرات عندما همّ بدخول إحدى حاويات النفايات الكبيرة لاستخراج كيس من المصاحف والكتب الدينية، سقط على يده بالحاوية، وبقي فيها مدة من الزمن وهو يصرخ ويصيح لحين حضور الإسعاف وإخراجه من هناك، ورفض الخروج من الحاوية إلا وأكياس المصاحف معه.
المحافظة على كتاب الله
يختم العياصرة حديثه بمناشدته للأردنيين بالمحافظة على كتاب الله وتوقيره واحترامه وعدم إلقائه في حاويات القمامة، وتزويده بأي نسخ من القرآن زائدة عن حاجة العائلات لصيانتها وانتفاع الآخرين بها.
مبادرة العياصرة الخيرية حظيت بإعجاب واهتمام من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وجرى لقاء تكريمي من لدن الملك للعياصرة في الديوان الملكي الأردني قبل أيام، والثناء على عمله.