[ قبل 18 عاما.. يوم عينت أميركا بول بريمر حاكما على العراق ]
شهدت حقبة الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر والتي دامت أكثر من عام، سلسلة تحولات مصيرية تركت آثارها الواضحة على حاضر البلاد ومستقبلها.
ومنذ أن عيّنته الإدارة الأميركية في 6 مايو/أيار 2003، أصدر بريمر عشرات القرارات والقوانين المثيرة للجدل والتي ما يزال بعضها ساريا حتى اليوم.
رؤية منقوصة
كانت معظم معلومات بريمر عن العراق هي معلومات مترجمة وأشبه بالمعلومات السياحية، كونه حصل عليها من مصادر أميركية وبعض المصادر العراقية غير المحايدة، لذلك لم تكن الصورة مكتملة لديه عن البلد الذي أوكلت إليه مهمة حكمه، بحسب المحلل السياسي جبار المشهداني.
ويبيّن المشهداني للجزيرة نت أن ذلك جعل سياسات بريمر في العراق قاصرة وفيها نوع من العدائية الواضحة، رغم أن الكثير يعتقدون بأن قراراته الحاسمة اتخذت بضغوط من قوى عراقية، ومن تلك القرارات حل الجيش واجتثاث البعث وغيرهما.
ويرجح أن أحد أسباب عدم اتزان سياسة بريمر في العراق هو عدم معرفته الدقيقة بأوضاع البلد، مقدّرا بأن 80% من قرارات بريمر كانت ارتجالية، ومعظمها كانت ردود أفعال لما يجري، وهو ما يذكره بريمر في كتابه (عام أمضيته في العراق).
ويعرب المحلل السياسي عن اعتقاده بأن سياسات بريمر تغيرت بمرور الوقت وفق ما كان يحصل في العراق، كما حاولت الأحزاب العراقية المعارضة للنظام السابق والتي جاءت مع الغزو التأثير على قرارات بريمر واستخدمت كل الطرق، بما في ذلك القوة الناعمة عن طريق الولائم والهدايا وغيرها، وهذا ينطبق على تعاملهم مع المنظمات الدولية.
المحاصصة الطائفية
ورغم إقرار بريمر بنظام المحاصصة الطائفية من خلال مجلس الحكم وغيره، فإنه لم يؤسس ذلك النظام -كما يقول المشهداني- مؤكدا أن مؤتمرات المعارضة العراقية قبل غزو العراق هي التي كرست المحاصصة من خلال اللجان وتوزيع المهام وحتى الجلوس على المنصة والاتفاقات السياسية المبرمة حول تقاسم السلطات.
ويرى أن "المحاصصة لم تكن خيارا اضطراريا وإنما سياسة متعمدة، حيث إن إيران التي احتضنت المعارضة العراقية كانت تخطط منذ البداية للهيمنة الطائفية على العراق".
ويشير إلى أن تداعيات نظام المحاصصة جعلت العراق يتقدم دول الفساد في العالم، مع تخلفه في كافة المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية، حيث استبعد هذا النظام كفاءات كثيرة لا تنطبق عليها المواصفات الطائفية، وتحولت الدولة إلى كانتونات متناحرة.
لا نجاحات
من جانبه، يقول الكاتب والباحث السياسي الكردي كفاح محمود إن بريمر لم يكن مؤهلا من ناحية دراسة واقع المجتمع العراقي وتاريخه، لذلك اصطدم بكثير من الجدران ولم يستطع تجاوزها، فاتخذ قرارات كانت لها تداعيات خطيرة، مثل حل الجيش وحل وزارات الثقافة والداخلية والأوقاف.
ويضيف محمود للجزيرة نت، لم نر نجاحات خلال فترة تولي بريمر إدارة العراق، والدليل على ذلك أن بعد إدارته بدأ انحدار دولة العراق، مبينا ذلك بـ"أننا ما زلنا نعاني منذ 2005 حتى اليوم، من الإجراءات التي اتخذها بريمر".
ولا يعتقد أن جميع الأطراف العراقية تنظر إلى أن فترة حكم بريمر كانت سيئة، مؤكدا أن هناك الكثير من الأطراف استفادت من بريمر وينظرون لفترة حكمه بشكل إيجابي.
ويضيف محمود أن بريمر كان له تصور سلبي عن إقليم كردستان العراق، لافتا إلى أنه أراد إلغاء المؤسسة العسكرية والأمنية في الإقليم، وتدخل في شؤون أخرى خاصة بالإقليم.
حل الجيش
وحول الظروف التي دفعت بريمر لحل الجيش العراقي السابق يقول الباحث والخبير الأمني مؤيد سالم الجحيشي، إن قرار حل الجيش جاء باتفاق كل شخصيات العملية السياسية التي على أساسها تشكل مجلس الحكم آنذاك، وبالتوافق مع الأميركيين والبريطانيين.
وفي حديثه للجزيرة نت يعزو الجحيشي سبب حل الجيش إلى المعارضة العراقية التي اجتمعت في لندن وأوصلت رسالة بأن الجيش العراقي السابق هو جيش البعث، واتهموا جميع عناصره بالإجرام، وكان حل الجيش العراقي جزءا من عملية إسقاط النظام السابق.
ويرى أن الحل الأمثل كان باتخاذ الإجراءات المعمول بها في كل الدول، والمتمثلة بتشكيل حكومة انتقالية تقصي فقط من ارتكب الجرائم، وأصحاب الدرجات العالية في الحزب، وتعيين ضباط آخرين من داخل الجيش ممن ليست عليهم شبهات، وهذا الإجراء يبقي ثلاثة أرباع الجيش العراقي في عمله بدلا من حل جيش كامل والمجيء بعناصر جديدة والطلب من الدول تدريبهم.
ويلفت الجحيشي إلى أن قرار حل الجيش جاء بنتائج عكسية، حيث دفع ضباط وعناصر الجيش المنحل من استخبارات وقوات خاصة وغيرها، إلى تشكيل نواة المقاومة المسلحة.
ويردف بأن حل الاستخبارات العسكرية والأمن العام والمخابرات سمح للأطراف الخارجية التدخل في العراق، وأدى إلى تقوية الإرهاب الذي استقطب بعض ضباط الاستخبارات السابقين وأصبحت استخباراتهم أقوى من استخبارات الحكومة، بحسب الجحيشي.
الاجتثاث
أصدرت إدارة بريمر قوانين اجتثاث البعث وحل المؤسسات بهدف تصفية الجو السياسي والاجتماعي لصعود أحزاب وحركات سياسية جاءت مع دخول القوات الأميركية إلى العراق، بحسب أستاذ العلوم السياسية الدكتور أسعد كاظم شبيب.
ويضيف للجزيرة نت أنه بعد إصدار قانون اجتثاث البعث بدأت أحزاب سياسية وتنظيمات شبه عسكرية في تصفية خصومها بشتى الطرق، منها عمليات الاغتيال أو الاعتقالات أو الطرد من الوظائف، وهذه المسائل كان من المفترض أن يبت بها القضاء وحده.
ويبيّن شبيب أن عمليات التصفية تلك تسببت في هجرة الكثير من العراقيين إلى بلدان أخرى، وشمل ذلك شرائح مختلفة، منها الطيارون والأطباء والمهندسون وذوو الاختصاصات النادرة.
وشدد على أن حالات الولاء للنظام السياسي السابق كانت سياسة اضطر الكثير من العراقيين للخضوع لها، فكان من المفترض على القوى السياسية ومجمل الحكومات من عهد بريمر إلى اليوم ألا تتعامل بانتقائية في إصدار مثل هذه القوانين.
ويؤكد شبيب أن قرارات بريمر -ومن ضمنها قانون اجتثاث البعث- أسست لدولة المكونات السياسية والاجتماعية، وأصبح هناك فرز واضح في كل المحافظات على أساس طائفي أو على أساس قومي، إذ ولّد شرخا اجتماعيا كبيرا وخطيرا.
تدهور اقتصادي
ما يزال القسم الأعظم من قرارات بريمر ساريا، ورغم تعديل بعض القوانين فإن الجزء الأكبر لم يتم الاقتراب منه، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، كما يفيد الخبير الاقتصادي والأكاديمي الدكتور عبدالرحمن المشهداني.
ويضيف للجزيرة نت أن واحدة من الأمور التي كان يعمل عليها بريمر هي إشاعة ثقافة الفساد، فعندما هدم المؤسسات المدنية وأعاد بناءها سلّمها لأشخاص عليهم مؤشرات كثيرة، ولذلك استشرى الفساد بشكل كبير.
ويبيّن أنه رغم تشكيل هيئات لمكافحة الفساد مثل المفتش العام وهيئة النزاهة، فلم يكن لها دور فاعل في الحد من الفساد الذي تأسس في معظم مفاصل الدولة العراقية، وهذا لم يأت من فراغ وإنما هو جزء من سياسة تدمير العراق والمنطقة، على حد قوله.
وحول مظاهر الفساد المستشري، يذكر المشهداني قانون إلغاء التعرفة الجمركية، وإلغاء قيود التحويل الخارجي والذي سمح بتحويل أموال العراق إلى الخارج دون مساءلة، عن طريق مزاد العملة الذي أدى إلى تهريب مليارات الدولارات من العراق بطريقة رسمية.
ويتابع قوله، إن القطاع الزراعي قبل الغزو كان يسهم في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 16%، واليوم انخفض إلى أقل من 4.5%، وكذلك الصناعة انخفضت مساهمتها من 22% إلى 1.5%، فقط لأنها لا تمتلك القدرة لمنافسة البضائع المستوردة من الخارج وسياسة إغراق السوق العراقي، وهكذا تحطمت الزراعة والصناعة تحت أنظار بريمر.
وفي معرض حديثه، اعتبر المشهداني (قرار 81) أحد أسباب تدمير الزراعة عندما قام بريمر بتفكيك مركز إباء، الذي كان يضم المخزن العراقي للبذور التي يمتلكها منذ أيام البابليين، وأصبح العراق خاضعا إلى شروط المنظمات العالمية التي تزوده بالبذور.
قوانين سارية
فترة سلطة الحاكم المدني والسلطة العسكرية التي قبلها شرعت الكثير من القوانيين التي ما زالت نافذة حتى يومنا هذا، كما يقول عضو اللجنة القانونية النيابية حسين العقابي.
ويوضح للجزيرة نت أن سلطة بريمر التي امتدت حتى يونيو/حزيران 2004، كانت سلطة فعلية وفق القانون الدولي وقراراتها تحظى بشيء من الشرعية حتى وإن كانت سلطة احتلال.
ويكشف عضو اللجنة القانونية عن وجود تشريعات متعددة متناقضة، وأول هذه التشريعات هي تشريعات سلطة الاحتلال التي يجب أن تعدل وفق السياقات الدستورية النافذة، وكذلك تشريعات النظام السابق، لأن أغلبها لا تنسجم مع الدستور الحالي.
ويتحدث العقابي عن تعديل الكثير من التشريعات ومنها قانون بريمر للإدارة المالية الذي تم إلغاؤه وتشريع قانون جديد، وكذلك القوانين التي تنظم قطاع الاتصالات وقوانين أخرى على جدول الأعمال.
ويرجع سبب تلكؤ إصدار تشريعات بديلة إلى المشاكل السياسية والبرلمانية التي تعصف بالبلد وتعيق عملية التشريع بشكل عام، وتشريعات سلطة الاحتلال بشكل خاص.