[ الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس ]
يحيي الفلسطينيون اليوم الاثنين الذكرى السنوية الـ17 لاغتيال إسرائيل الشيخ أحمد ياسين زعيم ومؤسس حركة حماس، مما أحدث هزة كبيرة على مختلف الأصعدة الفلسطينية والعربية والدولية، فضلا عن حماس التي ترك فيها استشهاده فراغا قياديا كبيرا سرعان ما تم ملؤه تنظيميا، لكن ليس بحجم الشيخ ووزنه وتأثيره.
تسعى السطور التالية للإجابة عن تساؤلات مهمة حول أسباب اغتيال الشيخ وتجرؤ إسرائيل على ذلك، وأبرز ردود الفعل، وأهم الظروف الزمنية المواكبة للاغتيال، وكيفية تأثر حماس بفقدانه، ومدى تعافيها التنظيمي من غيابه.
لماذا أقدمت إسرائيل على اغتيال الشيخ؟
نال الشيخ أحمد ياسين جرعات دسمة من التحريض الإسرائيلي ضده، وتحميله مسؤولية العمليات الاستشهادية التي هزت الجبهة الداخلية الإسرائيلية، مما هيأ الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي لجريمة اغتياله.
تبنى الإسرائيليون مسألة اغتيال الشيخ منذ أواسط انتفاضة الأقصى (2000-2005) بدعوى أنه الرأس المدبر للعديد من الهجمات المسلحة التي قتلت مئات الإسرائيليين، وأنه يرسل الاستشهاديين، ورغم أنها اتهامات تعتريها مغالطات أمنية وسياسية فإن الماكينة الدعائية الإسرائيلية مضت في هذا النهج حتى وقوع جريمة الاغتيال.
ارتفعت التهديدات الإسرائيلية ضد الشيخ مع بداية 2004، وذلك حين نفذت حماس هجمات استشهادية ناجحة، وجاء على لسان زئيف بويم نائب وزير الأمن أن "الشيخ يستحق الموت، وتم إدراجه ضمن قائمة المستهدفين بالقتل"، وبررت إسرائيل قتله انطلاقا من قاعدة "من يرد قتلك اقتله".
وكانت هناك أسباب غير مباشرة تقف خلف الاغتيال، أهمها: إحداث هزة أرضية داخل حماس، وتجاوز كل الخطوط الحمراء مع الحركة، وإرسال رسائل ردع لكل التنظيمات الفلسطينية.
ما أسباب التضخيم الإسرائيلي لجريمة الاغتيال؟
تحدث العسكريون الإسرائيليون عن جريمة اغتيال الشيخ وكأنها واحدة من "بطولات" الجيش، وقدرته على الوصول لكل فلسطيني مطلوب، وسردوا مصطلحات بوليسية درامية لتوصيف الاغتيال، مثل "التصويت الدراماتيكي، الفرصة المفوتة، الانتظار المتوتر"، وكأن الحديث يدور عن مطلوب متخف ينتقل من نفق إلى آخر، وليس شيخا مقعدا وشبه ضرير وفاقدا لـ3 أرباع سمعه، ويعاني من أمراض يصعب حصرها، وتقتصر تحركاته على التنقل لبضع خطوات على كرسيه المتحرك بين منزله المتواضع ومسجده القريب.
مع العلم أن الأطباء توقعوا وفاة الشيخ الطبيعية قبل 36 ساعة على اغتياله، فقد سقط عن كرسيه المتحرك بعد إصابته بالتهاب رئوي حاد نجم عنه عجز عن الكلام، وضيق شديد في التنفس، وحشرجة وصفير في الصدر.
متى بدأ العد التنازلي لاغتيال الشيخ؟
شكلت عملية ميناء أسدود -التي نفذها شابان من غزة ينتميان لكتائب القسام وأودت بحياة 10 إسرائيليين وجرح 20 بتاريخ 14 مارس/آذار 2004- بداية العد التنازلي لتوقيت الاغتيال، وحملت إسرائيل الشيخ شخصيا مسؤولية تنفيذها، ووصفت الهجوم بـ"الضربة الإستراتيجية والعملية النوعية".
أعقب العملية تسلسل للأحداث الميدانية أدت في النهاية إلى اغتيال الشيخ، ففي اليوم التالي لعملية ميناء أسدود قطع وزير الأمن شاؤول موفاز زيارته لواشنطن واجتمع بقيادات أمنية وعسكرية، وقرر "إلغاء الفروقات في الاستهدافات بين القيادة العسكرية والروحية لحماس".
وفي 16 مارس/آذار التأم المجلس الوزاري المصغر لاتخاذ قرار بتنفيذ عملية دراماتيكية اتضح لاحقا أنها اغتيال الشيخ، وبين 17 و21 من الشهر نفسه نفذ الجيش حملات عسكرية على مدن رفح وخان يونس وغزة قتل خلالها أكثر من 15 فلسطينيا.
عند الساعة الرابعة والنصف من فجر 22 مارس/آذار رصدت الطائرات وصول الشيخ إلى أحد المساجد لتأدية صلاة الفجر، حيث أشرف على تنفيذ الاغتيال قائد هيئة أركان الجيش موشيه يعلون ووزير الأمن شاؤول موفاز، وحصلا على ضوء أخضر من رئيس الوزراء أرييل شارون بإطلاق عدة صواريخ نحو السيارة التي أقلت الشيخ.
ما هي أبرز ردود الفعل الإسرائيلية على الاغتيال؟
تجلت المواقف الإسرائيلية بمختلف مسمياتها -الرسمية والسياسية والإعلامية- بين مرحبة بالاغتيال، ومتحفظة، ومعارضة، مع أن الكفة مالت في النهاية لصالح المؤيدين، فيما بقي الخوف سيد الموقف، وتمثل بإلغاء الإجازات ودورات الشرطة، وفرض حالة التهيؤ القصوى في الجيش والقيادة الداخلية والمطافئ وخدمات الإنقاذ، وإغلاق الأراضي الفلسطينية.
جاء رد الفعل الإسرائيلي الأسرع على لسان شارون بزعمه أن "إسرائيل قامت بالمس بأول أوائل القاتلين الفلسطينيين، من تمحورت أيديولوجيته في قتلها وتدميرها، لقد تزعم الشيخ ياسين قائمة كارهي إسرائيل".
وأبدى الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كتساف تأييده للاغتيال، زاعما أن "ياسين يقف خلف عدد كبير من العمليات المؤلمة داخل إسرائيل، وعمل طوال حياته لتدميرها".
وزعمت الناطقة العسكرية باسم الجيش ميري ريغيف أن "ياسين كان أبا "للانتحاريين"، ومسؤولا عن العديد من العمليات الدامية، وبهذا الاغتيال منعناه من الاستمرار فيما يقوم به"، وأثنى وزير الزراعة يسرائيل كاتس على الاغتيال، لأنه "أعاد ترميم قوة الردع، وبذلك قضينا على "بن لادننا".
كيف حرض الإعلام الإسرائيلي على اغتيال الشيخ؟
سبق اغتيال الشيخ أجواء إسرائيلية تحرض ليلا ونهارا على ضرورة المس بقادة المقاومة الفلسطينية، مما جعل أغلبية العاملين في وسائل الإعلام الإسرائيلية يكتبون تقاريرهم ويرسلون أخبارهم على وقع أصوات الصواريخ.
ودلت التصريحات والتحليلات التي أعقبت الاغتيال على أن الإسرائيليين في معظمهم يدورون في فلك شرعية الاغتيال، وهناك من وجه اللوم للجيش على تأخره بتنفيذ الاغتيال، كما تجلى هذا التحريض بإبراز عدم الحياد في تغطية الجريمة، وتغييب الرواية الفلسطينية، وانتهاج سياسة لوم الضحية الفلسطيني المتمثل بالشيخ، وتسويق الأكاذيب والأضاليل بحقه.
لقد ظهر اصطفاف إعلامي إسرائيلي منقطع النظير خلف المؤسستين العسكرية والسياسية عقب الاغتيال، وغاب فيها الخيط الأبيض عن الخيط الأسود، وبات صعبا التفريق بين الناطق باسم الجيش والمراسل العسكري.
هل خاف الإسرائيليون من تبعات الاغتيال؟
رغم التأييد الجارف الذي حظي به اغتيال الشيخ من الإسرائيليين فإن خوفهم تصاعد على الفور، لما قد يجره من ضغوط أمنية على إسرائيل، فضلا عن الغضب لدى بعض المعلقين نظرا لوضع الشيخ الصحي أو لمكانته الدينية.
كما أوجدت تهديدات حماس حالة غير مسبوقة من الرعب في إسرائيل، خاصة مع تعود الإسرائيليين أن تبر المقاومة بقسمها بالانتقام لقادتها، وكان يكفي في السابق أن يقتل قائد ميداني هنا أو هناك حتى تنتشر العمليات في المدن الإسرائيلية، فماذا لو كان الاغتيال استهدف قائدا بمكانة الشيخ ياسين؟
لماذا لجأ الإسرائيليون للتعتيم على أصوات معارضي الاغتيال؟
لم تحظ الآراء المعارضة للاغتيال بذات الاستضافة والحضور في الإعلام الإسرائيلي، وحين أتيحت الفرصة لها تمت مهاجمتها، ليس من قبل الخصوم السياسيين فقط، بل ومن مذيعي نشرات الأخبار والمحللين.
فقد عبرت عضوة الكنيست عن حزب العمل يولي تامير عن معارضتها للاغتيال بقولها إن "شارون خطر على إسرائيل، عملية الاغتيال غبية"، فيما عبر رئيس المعارضة آنذاك شمعون بيريس بقوله إن "الاغتيال خطأ، وسيسيء لمكانة إسرائيل، ولا أعتقد أننا سنقضي على "الإرهاب" بتصفية القياديين".
وقال عضو الكنيست عن حزب العمل الجنرال عمرام متسناع إننا "استيقظنا على شرق أوسط حزين، أمننا سيكون أسوأ، أنا لا أبكي على ياسين، لكن اغتياله لن يقلل عمليات حماس، هذا صباح تعيس".
من جهته، أكد رئيس جهاز الموساد الأسبق أفرايم هاليفي أن "اغتيال ياسين خطأ فاحش للسياسة وللمصالح الإسرائيلية".
وانتقد المستشرق غاي باخور الاغتيال لأن "غزة بفضله تحولت برمتها إلى حماس، ومن سعى لتقزيمها منحها بهذا الاغتيال أبعادا وطنية ودينية وتاريخية هائلة".
ما مدى تأثر حماس باغتيال الشيخ؟
ليس سرا أن الشيخ مؤسس حماس وزعيمها الروحي ليس قائدا عاديا أو رئيسا تقليديا، وهو ما أدركته إسرائيل ولذلك اغتالته بهدف إحداث إرباك في صفوف الحركة القيادية، والتسبب بخلخلة مفاصلها التنظيمية، أملا منها بأن يسفر غيابه عن انشقاقات في حماس أو اقتتال بين قادتها على تزعمها لوراثة الشيخ.
لكن البروفيسور الإسرائيلي رئيس مشروع دراسة الحركات الإسلامية في المركز المتعدد المجالات رؤوبين باز أكد أن "تصفية ياسين لن تعود على إسرائيل بفائدة، فالتجربة أثبتت قدرة حماس على "تفريخ" قيادات بديلة، ولو اغتالت إسرائيل العديد من قادتها فإن لديها رصيدا كافيا من الكوادر في المراتب الوسطى لملء فراغ الصفوف القيادية".
صحيح أن حماس أصيبت بهزة أرضية بفقدان الشيخ، لأنه كان أبا لكل قياداتها، لكنها سرعان ما تعافت، وتم انتخاب عبد العزيز الرنتيسي خلفا لقيادة الحركة، مما دفع إسرائيل لاغتياله خلال أقل من شهر من ذلك.