يدرك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن علاقات بلاده مع الولايات المتحدة دخلت منعطفا "غير مريح" مع انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومجيء جو بايدن إلى البيت الأبيض.
كما يدرك أنه على السعودية تقديم تنازلات "مؤلمة" في ملفات عدة، منها ما يتعلق بملف حقوق الإنسان، ومآلات الحرب الأهلية في اليمن، وغير ذلك مما أثاره بايدن خلال حملته الانتخابية، وتأكيدات مسؤولين أمريكيين في إدارته على ضرورة "إعادة تقييم" العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية.
يميل مراقبون إلى ترجيح اتخاذ السعودية خطوات استباقية لتخفيف توترات متوقعة مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
فبعد أكثر من ثلاثة أعوام على قطع جميع أشكال العلاقات مع دولة قطر، ورفض السعودية للوساطة الكويتية وعدم استجابتها لعدد من المبادرات الأمريكية، قررت المملكة والدول الشريكة فتح الأجواء والمنافذ البرية واستئناف العلاقات مع الدوحة وإنهاء المقاطعة.
وفي ما بدا أنها محاولة منها لتجنب أي مسار تصادمي مع الإدارة الأمريكية، سارعت السعودية إلى إجراء عدد من المحاكمات لمعتقلي الرأي وناشطات حقوق الإنسان، بمن فيهم الطبيب وليد فتيحي الأمريكي من أصول سعودية.
وسبق للرئيس الأمريكي جو بايدن أن وصف السعودية في عام 2019 بأنها دولة "منبوذة".
كما دعا إلى مساءلة المسؤولين السعوديين عن حادثة اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين أول 2018، وتعهد بوقف بيع الأسلحة للسعودية التي تقود تحالفا يضمها إلى جانب الإمارات ودول أخرى في اليمن منذ مارس/ آذار 2015.
وأوقفت الولايات المتحدة "مؤقتا" مبيعات الأسلحة إلى كل من السعودية والإمارات لإعطاء الفرصة للإدارة الجديدة لمراجعة القرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية السابقة.
وقال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين إن بايدن وعد بإنهاء الدعم للحملة العسكرية السعودية في اليمن في وقت قصير للغاية.
لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية وصف قرار الإيقاف المؤقت بأنه "إجراء إداري روتيني" يُظهر التزام الإدارة الأمريكية بالشفافية، بالإضافة إلى ضمان أن تفي مبيعات الأسلحة بالأهداف الاستراتيجية الأمريكية المتمثلة في بناء شراكات أمنية على أسس المصالح المتبادلة.
غير أن مسؤولين سعوديين، مثل وزير الخارجية فيصل بن فرحان آل سعود، يبدون تفاؤلا بأن تكون العلاقات مع الإدارة الجديدة بالولايات المتحدة "علاقات ممتازة"، وأنهم سيواصلون محادثاتهم مع واشنطن بشأن الملف النووي والصواريخ البالستية الإيرانية.
وترفض طهران العودة إلى الاتفاق النووي قبل رفع عقوبات "الضغط الأقصى" التي فرضتها الإدارة السابقة بعد الانسحاب من الاتفاق في مايو/ أيار 2018، وهو القرار الذي اتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب ورحبت به السعودية والإمارات وإسرائيل وغيرهم من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها بالمنطقة.
ومؤخرا وجّه عشرة من المشرعين الديمقراطيين رسالة إلى وزير الخارجية بلينكين لإعادة تقييم أوسع للعلاقة مع السعودية، بما في ذلك رفع السرية عن تقرير مخابراتي حول اغتيال جمال خاشقجي.
وتنفي السعودية أي دور لولي العهد في اغتيال خاشقجي، وتُحمّل مجموعة "مارقة" المسؤولية عن الاغتيال والقيام به دون علم أو موافقة قادة المملكة أو ولي العهد.
وحجب ترامب نتائج توصلت إليها المخابرات الأمريكية حول الحادثة، على الرغم من طلبات الكونغرس بتقديم تقرير مفصل عنها، وهو ما وعدت بتقديمه المديرة الجديدة للاستخبارات الوطنية، أفريل هينز، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ سيحدد موعدها لاحقا.
ومن الملفات الأخرى التي طالب بها المشرعون الأمريكيون، الإفراج عن مواطنين أمريكيين محتجزين في السعودية، وتجميد صفقات تسليم أسلحة هجومية تستخدمها الرياض في الحرب باليمن، إضافة إلى إلغاء تصنيف جماعة الحوثي على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو القرار الذي اتخذته إدارة ترامب قبل يوم واحد من تسليم السلطة للإدارة الجديدة.
وطيلة أربع سنوات واجه دونالد ترامب الكثير من الضغوط لوقوفه إلى جانب حليفيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، واستخدامه حق النقض ضد مشاريع قرارات توصي بوقف مبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات، ودفاعه عن السعودية وولي عهدها في قضية اغتيال خاشقجي واعتبارها شريكا في مواجهة التهديدات الإيرانية بالمنطقة.
ومع حقيقة المصالح الأمريكية في السعودية والدور السعودي في تأمين المزيد من تلك المصالح، إلا أن هناك قلقا واضحا لدى المسؤولين السعوديين من تخلي الولايات المتحدة عن مصالحها المشتركة مع السعودية، والعودة إلى الاتفاق النووي مع ايران، ووقف مبيعات الأسلحة، والتشديد على سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان.
في مقابل ذلك، أشار وزير الخارجية الأمريكي بلينكين أن السعودية بلد "شريك"، كما أن وزارة الدفاع الأمريكية تنوي استخدام قاعدتين جويتين سعوديتين وميناء واحد على البحر الأحمر لتعزيز قدراتها في مواجهة التوترات مع إيران.
وتسعى السعودية للتعاقد مع شركات الدعاية ومجموعات الضغط لتحسين صورتها لدى الإدارة الأمريكية الجديدة، واستعادة بعض نفوذها الذي خسرته في أعقاب اتهامات صريحة لولي العهد محمد بن سلمان بالمسؤولية المباشرة عن اغتيال جمال خاشقجي، وتوقيف المعارضين والناشطين والمفكرين، والحرب في اليمن.
وكشفت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عن تعاقد السعودية مع 16 شركة على الأقل للاستفادة من خدماتها بتعزيز المصالح السعودية في الولايات المتحدة.
وتزامنا مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، كشفت وسائل إعلام أمريكية مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن السعودية بدأت حملات ضغط داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكي تحسبا لمواقف أكثر صرامة قد يتخذها بايدن ضد المملكة.
ووفقا لوسائل إعلام أمريكية، فإن السعودية أنفقت على الشركات ومجموعات الضغط ما لا يقل عن 30 مليون دولار منذ اغتيال جمال خاشقجي.
من المحتمل أن تؤدي جماعات الضغط إلى بعض النجاحات في استمرار الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس على مواقفهم الإيجابية من السعودية.
كما يتوقع أن توظف إسرائيل علاقاتها في مراكز اتخاذ القرار الأمريكي لصالح السعودية، حيث تشير تقارير أمريكية أن السعودية دعمت وشجعت الخطوات التطبيعية لدول حليفة لها، مثل الإمارات والبحرين وكذلك المغرب والسودان.
وتعتقد إسرائيل أن التحولات المتوقعة في سياسات بايدن تجاه السعودية يمكن أن تلحق ضررا في الاستراتيجيات الإسرائيلية المناهضة لتعميق النفوذ الإيراني، والحريصة على الحفاظ على التنسيق والتعاون الإقليمي في المنطقة لمواجهة التهديدات الإيرانية المحتملة.