استعرض موقع ديلي بيست (Daily Beast) الأميركي جانبا من كتاب صدر حديثا لاثنين من الصحفيين الدوليين حول بروز نجم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، واستغلاله الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو/أيار 2017 إلى الرياض في انفراده بالسلطة.
وبحسب ديلي بيست، فقد كان من المفترض أن تُظهر تلك الزيارة الأولى لترامب إلى خارج الولايات المتحدة عقب تسلمه زمام السلطة بمظهر الزعيم المستقل الذي أعاد صياغة قواعد الدبلوماسية، لكن بدلا من ذلك انتهى به المطاف ليبدو مثل "كلب سعودي مدلل".
وقد أبرز الموقع الإخباري ذلك التوصيف في صدر تقريره نقلا عن كتاب جديد لاثنين من مراسلي صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية تحت عنوان "الدم والنفط: بحث محمد بن سلمان الدؤوب عن نفوذ عالمي" (Blood and Oil: Mohammed Bin Salman's Ruthless Quest for Global Power).
والكتاب الذي صدر أمس الثلاثاء، من تأليف الصحفيين برادلي هوب وجاستن شيك.
مفاتيح المملكة
واكتفى موقع ديلي بيست بتناول ما كشف عنه الكتاب من تفاصيل سبقت زيارة الرئيس الأميركي للسعودية، وكيف أن بن سلمان تلاعب بترامب الذي كان حديث عهد بالرئاسة، وحصل عبره على "مفاتيح المملكة".
واستهل الموقع تقريره بالتذكير بأن الزيارة جاءت بعد 4 أشهر فقط من تولي ترامب الرئاسة، والتي تزامنت مع انعقاد مؤتمر قمة إسلامي بحضور نحو 40 زعيما من دول من أفغانستان إلى اليمن.
وجاءت زيارة ترامب الأولى إلى خارج الولايات المتحدة، وتحديدا إلى السعودية، خلافا لما جرت عليه عادة الرؤساء الذين سبقوه. فقد كانت كندا هي الوجهة الأولى للرئيسين باراك أوباما وبيل كلينتون. أما الرئيس جورج دبليو بوش فقد اختار أن تكون رحلته الخارجية الأولى إلى المكسيك.
وقد أراد كل من مستشار ترامب حينها ستيف بانون وصهر الرئيس جاريد كوشنر أن تكشف رحلة الرئيس الأولى عن مدى اختلاف ساكن البيت الأبيض الجديد عن سابقيه.
ملك عضوض وحليف قديم
وكانت علاقات الولايات المتحدة مع السعودية -التي يصفها التقرير بأنها ملك عضوض وحليف قديم لواشنطن- قد تدهورت إبان حكم باراك أوباما، الذي انتقد سجل المملكة لحقوق الإنسان وأبرم اتفاقا نوويا مع إيران حتى من دون موافقة الرياض وجارتها الصغرى الإمارات.
لكن الأمور في عهد إدارة ترامب تغيرت بين عشية وضحاها، كما يزعم تقرير ديلي بيست. فالولايات المتحدة سوف تتراجع عن الاتفاق النووي مع إيران، وسوف تتعهد بالقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية بمساعدة من أصدقائها "الصقور" في الشرق الأوسط.
ويراهن مستشارو ترامب على أنهم بإعادتهم السعودية إلى الحظيرة الأميركية فإنهم بذلك يستطيعون الحصول على دعم دول المنطقة لاتفاق سلام مع إسرائيل.
وقد اتضح جليا بعد 3 أيام من الاحتفالات التي تخللتها زيارة الرئيس الأميركي وانعقاد القمة الإسلامية، أن الرابح الحقيقي منها لم يكن هو دونالد ترامب بل محمد بن سلمان، الذي لم يتجاوز حينها 31 عاما من العمر.
ثناء وصفقات الكبرى
ووفق ديلي بيست، لم تمر سوى بضعة أشهر حتى اكتشف الأمير بالضبط الطريقة التي يستطيع من خلالها جذب انتباه ترامب إليه ألا وهي "الصفقات الكبرى، وإسباغ الثناء العطر عليه، ومعاملة رئيس الجمهورية المنتخب كأنه ملك زائر".
ولعل الهدف من اللقاء المشترك بين زعماء الدول الإسلامية والعربية وترامب في الرياض كان جليا لكل الحضور، وهو أن السعودية أظهرت أنها عادت لتكون حليف الولايات المتحدة الرئيسي في العالم الإسلامي، وأن الرجل الذي يعود إليه الفضل في إحياء العلاقة من جديد هو محمد بن سلمان.
كان ذلك اللقاء محورا رئيسيا في زيارة ترامب وفي أجندة السياسة الخارجية للرئيس الأميركي الجديد الذي كان يمضي حثيثا في سعيه لتحقيق انتصارات على الصعيد الدولي متجاهلا نصائح الدبلوماسيين المحترفين.
لكن ما حصل عليه بدلا من ذلك كانت عناوين بارزة في الصحف عن مبيعات أسلحة وصعود نجم "أمير سعودي مستبد مدفوع بطموحات بألا يتلقى أوامر من أحد حوله بما في ذلك الولايات المتحدة".
وتطرق الكتاب الجديد كذلك إلى الدور الذي اضطلع به ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في تقديم محمد بن سلمان إلى الأميركيين.
لقاء برج ترامب
وورد في الكتاب أن أصل زيارة ترامب إلى السعودية يعود إلى اجتماع عقده حاكم الإمارات الفعلي بن زايد مع مسؤولين أميركيين في برج ترامب في نيويورك حيث كان يرتدي "ملابس قصيرة ونظارة شمسية فضية اللون من طراز أفياتور" التي يرتديها عادة الطيارون العسكريون حيث بدا أشبه ما يكون بـ"جيمس بوند العربي".
وضم ذلك الاجتماع من الجانب الأميركي كلا من ستيف بانون وكوشنر ومستشار الأمن القومي الأميركي السابق مايكل فلين. واقترح محمد بن زايد -في ذلك اللقاء الذي امتد لأكثر من ساعة- على بانون الالتقاء بمحمد بن سلمان الذي وصفه بأنه "مفتاح خططكم في المنطقة".
كانت علاقة بن زايد ببن سلمان حينذاك جديدة نسبيا، لكن الأميركيين الذين اجتمعوا به أدركوا أن زعيما "بنفس العقلية في المملكة السعودية الأكبر حجما والأكثر ثراءً والأوسع نفوذا" يعد شخصا محوريا في تشكيل مستقبل المنطقة.
وبنظر محمد بن زايد، لطالما كانت السعودية جزءا من المشكلة لعقود بنشرها مفهومها المتشدد للإسلام حول العالم حيث رفض أمراؤها "المسنون" أي إصلاح أو الاضطلاع بدور القيادة في ما يتعلق بقضايا المنطقة.
المشترك بين بن زايد وبن سلمان
غير أن محمد بن سلمان -كما يقول التقرير- كان على النقيض من ذلك، فهو "عنيد ومستعد لإجراء تعديلات جذرية لكل شيء تقريبا واتخاذ قرارات حاسمة". ثم إنه يشاطر الإمارات "بغضها للدعاة ذوي النفوذ القوي الذين يفرضون إراداتهم على المجتمع".
وذكر مؤلفا الكتاب أن كل شيء يخص زيارة ترامب في ذلك الوقت جرى الإعداد له بحرص شديد من أجل دعم محمد بن سلمان، حتى إن أبسط الهنات تم إصلاحها بسرعة.
وسرد الكتاب تفاصيل المحادثة الهاتفية بين ترامب والملك سلمان بن عبد العزيز والتي سبقت الزيارة. فقد قال العاهل السعودي للرئيس الأميركي "أنا من أشد المعجبين بك يا سيادة الرئيس"، فرد عليه ترامب "حسنا أيها الملك"، مضيفا أن صهره كوشنر سيتولى الإشراف على برنامج الزيارة.
وبالمقابل، أبلغ الملك سلمان الرئيس الأميركي بأنه كلف ابنه محمد ليكون مسؤولا عن الجانب السعودي المناط به تنسيق الزيارة، قائلا: إذا كنت ترى أنه (محمد) لا يؤدي واجبه جيدا فبإمكانك أن تقول له "أنت مطرود!".
ترتيبات مكلفة
ويورد التقرير أن المنظمين السعوديين قدموا الدعوة لمغني الريف (كونتري) الأميركي توبي كيث الذي اشتهر بأغانيه عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ودفعوا له ملايين الدولارات لإقامة حفل على شرف زيارة ترامب.
غير أن أحد أفراد فريق الأمن المصاحب للرئيس الأميركي أبلغ المنظمين أن ترامب يكره توبي كيث، فما كان من السعوديين إلا أن طلبوا من المغني إقامة حفلة في مكان آخر بالرياض.
وقدم السعوديون لترامب مجموعة من الهدايا الفخمة اشتملت على تماثيل وسيوف وخناجر مرصعة بالجواهر وقلنسوات وأوشحة رأس ومعاطف بيضاء مصنوعة من فراء الفهود والنمور.
وختم الموقع بالإشارة إلى أن بن سلمان أقدم على إحكام قبضته على السلطة بشن حملات اعتقال لأبناء عمومته وأعمامه وعدد من المليارديرات بمزاعم تتعلق بالفساد. كما أعاد ترتيب أوراق حكومته، وأطاح بابن عمه ولي العهد السابق محمد بن نايف من وراثة العرش.