[ واشنطن تبدو غير راضية عن تحركات تركيا واليونان في شرق المتوسط (الأناضول) ]
على وقع التوتر الكبير شرق البحر المتوسط، وطبول الحرب التي تقرع في كل من أنقرة وأثينا، اضطر الرئيس دونالد ترامب للحديث لقادة تركيا واليونان، وسط جدوله المزدحم أثناء انعقاد المؤتمر القومي العام للحزب الجهوري قبل أيام، ليطالب الطرفين بالتهدئة.
وتُطرح في واشنطن تساؤلات مشروعة حول منطقة شرق البحر المتوسط، وإن كانت تحتمل توترا وحربا جديدة، في ظل صورة تعج بالتعقيدات الإستراتيجية المتشابكة، والمتضاربة أحيانا بالنسبة للمصالح الأميركية.
ولم تدخل واشنطن بقوة بعد على خط الأزمة المتصاعدة، إذ يرى كثير من المعلقين الأميركيين أن الولايات المتحدة تركت القيادة لألمانيا، الدولة ذات الوزن الأكبر في أوروبا للتوسط بين الطرفين الأعضاء في حلف الناتو.
ومن ناحية أخرى، عبرت وزارة الدفاع الأميركية عن قلقها من الانتشار العسكري الفرنسي في شرق المتوسط، الذي جاء دعما لليونان في مواجهة التحركات التركية.
ونشرت مجلة تايم تقريرا أشار إلى أن وقوع حرب في شرق المتوسط بين اليونان وتركيا، العضوتين في حلف الناتو، سيكون بمثابة كارثة كبيرة للولايات المتحدة.
منع وقوع صدام بين الحلفاء
اعتبر هاورد أيزنشتات الخبير في الشؤون التركية بمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط أن هناك بعض الإشارات المتناقضة التي تخرج من واشنطن، إلا أن جوهر موقف واشنطن يرى أن مصلحتها الأساسية تكمن في الحل السلمي للصراع.
وذكر أيزنشتات في حديث مع الجزيرة نت أن واشنطن تدرك أن عليها التواصل مع أطراف النزاع، وتفهم المصالح التركية ومحركاتها. وفي الوقت نفسه، أصدرت واشنطن بيانات تأييد لقبرص، "ويستند هذا بصورة أساسية إلى قوة وقانونية المطالبة القبرصية القانونية".
وعن رغبة إدارة ترامب في عدم التدخل في النزاع، عبر أيزنشتات عن قناعته بأن أهم شيء يمكن فهمه بشأن رد الولايات المتحدة هو أنها لم تتورط في النزاع إلى حد كبير. وفي ظل إدارة مختلفة، ربما بادرت واشنطن ولعبت دورا أكثر مباشرة في التوسط بين الطرفين من أجل التوصل إلى اتفاق.
واتفق ديفيد دي روش الأستاذ بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون مع الرأي السابق، وحذر من مغبة اندلاع نزاع عسكري لا يستفيد منه أحد.
وقال روش للجزيرة نت إن واشنطن تعرف قلقا بالغا إزاء احتمال نشوب صراع بين عضوين في حلف شمال الأطلسي، ومما يزيد من تفاقم هذا الأمر تعزيز الوجود العسكري الفرنسي الداعم للطرف اليوناني، وبالتالي يجمع الصراع بين 3 أعضاء في حلف الناتو.
وحذر أطراف النزاع من الوقوع في فخ صراع عسكري لا يمكن لأي من الطرفين أن يكسبه من دون وقوع خسائر فادحة في المصالح الأمنية لمنظومة الحلف والمصالح الأمنية الغربية.
واشنطن غير راضية
وأشار روش إلى أن واشنطن غير راضية عن تحركات تركيا أو اليونان في شرق المتوسط، وقال إن تركيا كانت تعتبر واشنطن حليفا موثوقا يمكن دعمه. "ومنذ أن عزز أردوغان السلطة، أصبح يُنظر إليها على أنها سلسلة من المشاكل التي يتعين حلها".
ولكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب اليونان -كما يضيف روش- ويبدو أن السياسة العامة هي الأمل في ألا تتصاعد المواجهة بين اليونان وتركيا، وأن تنتظر الانتخابات، ثم تقرر ما ينبغي القيام به.
الحفاظ على وحدة الناتو
لا ترغب واشنطن في وقوع صدام بين قوتين عسكريتين عضوتين في تحالف عسكري تشرف عليه الولايات المتحدة، ولا ترغب في رؤية جيشين يستخدمان نفس طائرات إف-16 في مواجهة عسكرية بينهما.
وذكر روش للجزيرة نت أنه لا يوجد اهتمام داخل واشنطن أكبر من ضرورة الحفاظ على حلف شمال الأطلسي.
ويأمل كثيرون في إدارة الرئيس ترامب أن يؤدي استغلال حقول الطاقة في شرق البحر المتوسط إلى تأسيس علاقات تعاون بين جميع دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل ولبنان والحكومتين في قبرص.
ولكن يبدو الآن أن التنافس على السيطرة على البحار يزيد حدة التوترات القائمة، والمفارقة في كل هذا تأتي في وقت تشهد فيه أسعار النفط والغار انخفاضات نسبية.
واعتبر هاورد أيزنشتات في حديثه للجزيرة نت أن الاهتمام الرئيسي للولايات المتحدة هنا هو تجنب أزمة حقيقية، ومن الواضح أن هناك خطرا كبيرا في حسابات أطراف النزاع.
ورأى أن غياب الدور الأميركي مثّل لغزا في صراع خطير بين حليفين بحلف الناتو، خاصة أن المنطقة تعج بالمصالح الحيوية والمتشابكة بين أطراف مهمة لواشنطن.