[ عبد المهدي (يسار) في ضيافة خامنئي في أبريل/نيسان الماضي (الأناضول) ]
في ظل التنافس الحاد بين السعودية وإيران في المنطقة، يعد العراق هدفا رئيسيا بينهما. غير أن هذا البلد -وهو في خضم مرحلة إعادة البناء- لا يمكنه بأي حال من الأحوال الانحياز إلى جانب دون الآخر.
وفي مقال موسع نشره موقع أوريان 21 الفرنسي، ذكر الكاتبان كليهان تيرم وشفاء الصيرفي أن العراق كان من القوى الإقليمية الكبرى قبل عام 1991، لكنه يجد نفسه اليوم مقحما في التنافس بين إيران والسعودية على الزعامة الإقليمية، وقد وازدادت الوضعية تعقيدا مع تصاعد التوترات العسكرية بين إيران وأميركا.
ويعتمد مستقبل العراق إلى حد بعيد في مرحلة إعادة الإعمار على مساعدة القوى الإقليمية. وإذا كانت إيران قد تمكنت من نسج روابط معه منذ 2003، فإن السعودية كانت غائبة بشكل كبير، لكن المملكة تحاول الآن العودة إلى العراق عن طريق دبلوماسية اقتصادية تهدف -على الخصوص- إلى مواجهة النفوذ الإيراني.
إهمال سعودي
قطعت السعودية علاقاتها مع العراق عام 1990 بسبب الغزو العراقي للكويت، ولم يدفعها الغزو الأميركي للعراق عام 2003 إلى تطوير حوار دبلوماسي مع الدولة الجديدة، بل تدهورت العلاقات أكثر خلال عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي (2006-2014)، لأن السعوديين كانوا يرون أنه "رجل إيران".
وعوض التركيز على تحسين العلاقات الدبلوماسية الثنائية، حاولت الرياض تعزيز نفوذها لدى منظمات وسياسيين من السنة، قصد مواجهة التأثير الإيراني المتزايد.
طموحات بن سلمان
تغير كل شيء في 2014، عندما اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية مناطق واسعة من العراق وبات يهدد استقرار المنطقة والأمن الدولي. فتكثفت جهود الرياض في التعامل مع العراق بعد فتح سفارة لها ببغداد في نهاية 2016، وتعيين محمد بن سلمان وليا للعهد في حزيران/يونيو 2017.
انتهج بن سلمان سياسة أكثر طموحا حيال العراق مستغلا نقاط القوة السعودية والمصالح المشتركة بين البلدين، ومع ذلك يبقى الطموح السعودي الأساسي متمثلا في احتواء النفوذ الإيراني.
من جهتها بنت إيران علاقة متميزة مع العراق بفضل جهود متصلة منذ 2003، وتمكنت من نسج شبكة من العلاقات الرسمية مع نخبها السياسية، السنية والشيعية على حد سواء، كما تضاعفت التجارة الثنائية بين البلدين لتصل إلى 12 مليار دولار في 2018.
ويعتمد العراق على إيران في مجال الطاقة خاصة لتجنب انقطاع الكهرباء، حتى أن بغداد حصلت على استثناء لاستيراد الطاقة من إيران في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على طهران.
تناقض
واعتبر التقرير أن النفوذ الإيراني في العراق غالبا ما يكون مبالغا فيه أو مقللا من شأنه، وفقا للتقييمات المتناقضة للقوى الإقليمية؛ لكن الحقيقة تكمن في مكان ما بين هذا وذاك.
وتظل إيران والعراق جارتين عليهما الحفاظ على علاقات ودية، ولا يمنع ذلك من وجود بعض الخلافات أحيانا وشيء من الريبة المتبادلة.
ولا يريد العراق أن يكون ساحة معركة للتنافس بين القوى الإقليمية أو الدولية، ولا يريد المشاركة في تحالف ضد إيران.
وحتى إن كان العراق يريد تكاملا اقتصاديا أكبر مع جيرانه العرب قصد الحد من تبعيته الاقتصادية لتركيا وإيران، فإنه لا يريد تغذية الطائفية وانعدام التوازن الإقليمي عبر إعادة توجيه دبلوماسيته الاقتصادية.
فرص للرياض
أمام السعودية فرصة مثلى للتعاون مع العراق، وقد اتخذت قرارات بالاستثمار في هذا الاتجاه، ولكن عليها أن تتنبه إلى ضرورة عدم تأليب العراق ضد إيران، أو جر السلطات العراقية إلى الانحياز إلى أحد الأطراف في التنافس من أجل الزعامة الإقليمية.
كما لا يمكن للسعوديين تعويض التجارة غير النفطية، لأن البضائع الإيرانية ليست من نفس المنتجات التي تصدرها السعودية. في المقابل، يمكن للسعودية أن تفتح أمام العراق فرصا اقتصادية جديدة من شأنها تنويع الاقتصاد العراقي، وذلك من خلال قنوات مؤسساتية بدلا من الروابط مع شخصيات، كما يمكنها التركيز على سوق الغاز والنفط للتخفيف من تبعية العراق لإيران في هذا المجال.
وقد بدأت السعودية فتح الفرص الجديدة المشار إليها، وذلك عبر مشاريع تهدف إلى زيادة تبادلاتها عبر الحدود وتطوير البنى التحتية العراقية، وأيضا بتشجيع الاستثمار الخاص في السوق العراقية، كما فتحت معبر عرعر الحدودي، وأعلنت عن إنشاء مجلس تنسيق للتجارة السعودية العراقية.
وقد وعدت الرياض بمليار دولار من خلال الصندوق السعودي للتنمية، وقرض للتصدير بخمسمئة مليون دولار خلال المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق الذي انعقد بالكويت في فبراير/شباط 2018، وقدمت منحة بمليار دولار من أجل بناء مدينة رياضية كاملة.
إلا أن النشاط الاقتصادي السعودي مع العراق يواجه تعقيدات بسبب الوضع المالي والسياسي الصعب للأخير.
فعلى الرغم من وجود مشاريع تعاون طموحة، لم تتخذ خطوات ملموسة كثيرة، فالشركات الخاصة والعمومية السعودية لا تستثمر كثيرا في العراق، بسبب تفشي الفساد والظروف الأمنية غير المستقرة.
طويلة الأمد
هذه لحظة مفصلية في تاريخ العراق، ولدى السعودية ودول الخليج الأخرى فرصة سانحة اليوم للتعامل مع الحكومة العراقية الجديدة وبناء الثقة بين مؤسساتها ومؤسسات العراق.
لن تتمكن هذه الدول تماما من الحلول مكان إيران ونفوذها داخل العراق، ولكن بإمكانها الحد من تأثيرها الاقتصادي من خلال انتهاج سياسة خارجية نشطة ومدروسة، تقيم علاقات مؤسساتية مع العراق من خلال قنوات الدولة الشرعية والاتفاقات الثنائية، دون أن تهدف إلى معارضة إيران بصفة مباشرة.
تتطلب إقامة هذه العلاقة البناءة بين العراق والسعودية وغيرها من دول الخليج سياسة طويلة الأمد، يمكن أن تمنح العراق استقلالية أكبر، مما يسمح له بالحفاظ على استقراره وتحسين وضع الأمن فيه وذلك في المنطقة بأسرها.