[ مديرة سي آي أيه جينا هاسبل ستقدم اليوم إفادة أمام الكونغرس وفي جلسة مغلقة بشأن قضية خاشقجي ]
يرى مقال في صحيفة لوريان 21 الفرنسية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجد في حملته للضغط على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حليفا غير متوقع، متمثلا في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) التي لم تتردد يوما في تسريب معلومات تتعلق باحتمال تورط ولي العهد السعودي في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
ووفقا للصحيفة، فإن آخر هذه التسريبات ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال السبت الماضي من احتمال قوي بمسؤولية ولي العهد في اغتيال مراسل واشنطن بوست، وينضم الكونغرس إلى هذا الموقف الذي يعارضه الرئيس دونالد ترامب.
وركز معظم المراقبين حسب مقال بموقع لوريان 21 على رفض إدارة ترامب لموقف الوكالة التي تعتبر أن وجود محمد بن سلمان ليس ضروريا للحفاظ على المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، وقد يكون شخص آخر غيره أكثر ملاءمة لها.
وقال إيف أسيزات الذي كتب المقال إن السرعة التي اتهمت بها وكالة الاستخبارات المركزية محمد بن سلمان تشير إلى أن لديها شكوكا جدية في قدرة ولي العهد على الدفاع عن المصالح الإستراتيجية الأميركية.
المصالح الأميركية
وأشار الكاتب إلى أن تلك المصالح تتمثل أساسا في "احتواء" إيران التي ألقي لها الحبل على الغارب في ظل رئاسة باراك أوباما، وحماية أمن إسرائيل قائلا إن الأمران مرتبطان.
وحسب الكاتب فإن سياسة محاصرة إيران قد فشلت على أرض الواقع وهو ما يزرع الشكوك في نجاعة المنهج الذي يتبعه ولي العهد، خاصة أن ولي العهد قام بأمرين من أسوأ ما يمكن القيام به، الحرب على اليمن والهجوم الدبلوماسي على قطر.
بالنسبة لحرب اليمن، سرعان ما أصبح واضحا لـ "سي آي أي" والدوائر الأمنية الأميركية أن تبرير حرب اليمن بدعم إيران المزعوم للمتمردين الحوثيين، ليس إلا ذريعة، لأن دعم طهران للمتمردين في بداية الثورة كان محدودا للغاية.
ويري الكاتب أن التدخل السعودي الإماراتي (بدعم من الدول الغربية على الأرض) قد أتاح فرصة ذهبية لإيران لزيادة نفوذها على حدود السعودية بأقل تكلفة.
وترى الوكالة -حسب الكاتب- أن الولايات المتحدة دفعت ثمنا غاليا لتظهر ولي العهد كأمير حرب في المنطقة، كما أن تلك الحرب أدت إلى ظهور جديد لـ تنظيم القاعدة في المنطقة.
وبالنسبة للأمر الثاني وهو حصار قطر، فقد أشار العديد من المراقبين إلى أن العزلة الدبلوماسية لقطر لن تؤدي إلا إلى إضعاف التحالف العربي ضد إيران، وعلى وجه الخصوص مجلس التعاون، الذي بدا في حالة موت سريري منذ ذلك الحين.
المصالحة مع موسكو
هناك عنصر ثالث قد يؤدي إلى إبراز تشنج الوكالة ضد ولي العهد، ألا وهو تكرار محاولاته إبرام عقود تسلح مع روسيا بما في ذلك شراء أنظمة أس 400 العالية الكفاءة.
وبالإضافة إلى زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو عام 2017، عندما جرى توقيع العقد الأول ثم ألغي في وقت لاحق، تقول رسالة مؤرخة في مايو/أيار الماضي إلى وزارة الدفاع السعودية إن محمد بن سلمان يركز على تدريب القوات على أنظمة أسلحة معينة تشمل أس 400، بحسب المقال.
كذلك قد يكون موقف "سي آي أي" مبنيا على اعتبار أن خروج بن سلمان من ولاية العهد أمر وارد، وإلا لما تجرأت على مضايقة شخص يمكن أن يكون شريكا رئيسيا لها في الشرق الأوسط على مدى السنوات الخمسين القادمة، ولكنها تعتقد أن رحيله محتمل جدا على المدى القصير.
دعم قوي من الملك
ولاختبار هذا التحليل، يقول الكاتب إن هناك عاملين رئيسيين يلعبان لصالح الأمير، الأول هو سيطرته على الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى دوره وزيرا للدفاع، وقد استفاد محم بن سلمان من الإطاحة العام الماضي بولي العهد السابق محمد بن نايف، فقام بمراجعة شاملة لأجهزة مكافحة الإرهاب والاستخبارات وإدراجهما داخل وكالة واحدة، هي رئاسة أمن الدولة، التي تتبع بشكل رسمي للملك، لكنها في الواقع تخضع له، كما استبدل كبار ضباط الجيش بضباط شبان يدينون له بكل شيء، وبالتالي يظهرون له ولاءهم الكبير.
والعامل الثاني هو دعم الملك سلمان المطلق لابنه المفضل، رغم أخطائه المتكررة وعنجهيته ووحشيته، فهو لا يزال صاحب السيادة، وخلافاته مع أبيه حول بعض القضايا خاصة القضية الفلسطينية ليست كافية لجعل الأب يراجع قراره، وفق الكاتب.
ويستبعد الكاتب أيضا القيام بأي عمل لإجبار الملك على إلغاء قراره، ومع ذلك يقول لا شيء يضمن استمرار الابن في ولاية العهد بعد أن تسبب في معاناة العديد من أفراد الأسرة الحاكمة، خاصة محمد بن نايف والأمير أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك.
وقال الكاتب إن الأمير أحمد عضو في هيئة البيعة وهو أحد الأعضاء القليلين الذين صوتوا ضد ولاية محمد بن سلمان للعهد، وقد يؤهله موقفه هذا لتولي منصب ولي العهد في حال التغيير في خط الخلافة.
ضمانات متبادلة
ونقل الكاتب عن رويترز أن مناقشات مكثفة جرت بين المسؤولين الأميركيين وأحمد بن عبد العزيز، حيث جرى تقديم ضمانات متبادلة مثل دعم ترشيح محتمل لمنصب ولي العهد من جهة، والحفاظ على عقود الأسلحة والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي بدأها محمد بن سلمان من جهة أخرى.
وأشار الكاتب إلى ما أسماه شطحات محمد بن سلمان قائلا إنها أضعفت عائلة آل سعود، خاصة سجن وابتزاز نحو 30 عضوا بفندق ريتز كارلتون، مما خلق له أعداء كثيرين داخل عائلته.
مؤيدوه أقلية
ويرى الكاتب أن بعض المصادر السعودية ترى أن أفراد قوات الأمن الموالين لبن سلمان ليسوا سوى أقلية، وإن العائلة إذا توصلت بإجماع لرفضه، وهو أمر محتمل وفقا للكاتب، فستتبعها في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية وغيرها من السلطات الأميركية.
وقد ولدت قضية خاشقجي خلافات حول مصير محمد بن سلمان، إذ ترى الإدارة الأميركية أن موقفه المعادي لإيران وصداقته الحميمة مع جاريد كوشنر تجعله حليفا مميزا، في حين ترى "سي آي أي" والكونغرس أن وجوده يهدد المصالح الأميركية الإستراتيجية في المنطقة، وبدأ هذا الخلاف يظهر جليا للعلن وهو بالتأكيد أمر سيئ بالنسبة للأمير، بحسب المقال.
ويخلص الكاتب إلى أن استمرار محمد بن سلمان في ولاية العهد رهن بعوامل عدة، إلا أن معارضة الاستخبارات المركزية لا يمكن الاستهانة بها.
ومن المؤكد أن قضية خاشقجي ستنتهي في نهاية المطاف، وأن فرصة الإطاحة بمحمد بن سلمان لن تبقى متاحة دائما، فقد يأتي حدث آخر يطغى على هذه الجريمة، وقد يموت الملك قبل تعيين وريث آخر، وبالتالي تنتهي محنة ولي العهد، فاتحة بابا جديدا من القلق في تاريخ المملكة المضطرب بل وتاريخ الشرق الأوسط كله، وفق كاتب المقال.