[ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (يسار) وعمه الأمير أحمد بن عبد العزيز (الأوروبية) ]
كشفت مجلة ميدل إيست آي البريطانية عن أن الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود شقيق الملك السعودي، متمسك بالتصريحات التي أطلقها خلال حواره مع متظاهرين خارج مسكنه في العاصمة البريطانية لندن، بضرورة تحميل الملك وولي عهده مسؤولية ما يجري في المنطقة.
ويقول الكاتب ديفد هيرست في مقاله بالمجلة إن الأمير أحمد بن عبد العزيز يفكر في عدم العودة إلى بلاده، بعد التصريحات التي أطلقها وأظهر فيها أنه ينأى بنفسه وببقية أفراد عائلة آل سعود عن الأعمال التي يقوم بها ابن شقيقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحسب مصدر مقرب من الأمير.
وقد كان محتجون يرددون أمام منزل الأمير أحمد في لندن هتافات تقول "يسقط يسقط آل سعود، العائلة المجرمة"، وهو ما جعل الأمير يقبل عليهم ويسألهم "لماذا تقولون ذلك عن آل سعود؟ وما شأن كل عائلة آل سعود بهذا؟ هناك أفراد معينون هم الذين يتحملون المسؤولية، ولا ينبغي أن تحملوا ذلك لأي شخص آخر".
وعندما سأله المتظاهرون عمن يتحمل المسؤولية، أجاب الأمير أحمد: "الملك وولي العهد، وآخرون في الدولة".
وسرعان ما انتشر الفيديو كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية تقريرا ادعت فيه أنها تنقل عن الأمير أحمد القول إن "التأويل" الذي يفيد بأنه كان ينتقد الملك، يعتبر "غير صحيح".
وقالت وكالة الأنباء السعودية إن الأمير أحمد قصد أن يقول إن العائلة الملكية هي المسؤولة بسبب مواقعها داخل الحكومة، غير أن المصدر المقرب من الأمير قال للمجلة إن الأمير "ملتزم بما قاله بادئ ذي بدء"، مشيرا إلى أن التقرير الصادر عن وكالة الأنباء -التي تتحكم بها الدولة في السعودية- كان مزورا، وأن الكلمات التي نقلتها الوكالة لم تكن كلماته.
كما انتشر وسم على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، يقول: "نبايع أحمد بن عبد العزيز ملكا".
ويشير هيرست إلى أن هذه الحادثة تعد الأولى التي يخالف فيها عضو في عائلة آل سعود بهذه المرتبة والأقدمية ما كان معروفا عن العائلة من التزام الصمت والنأي بشكل متعمد عن حكم الملك سلمان.
ويضيف أنه إذا أكّد الأمير أحمد عدم عودته إلى بلاده السعودية، فإن خطوته ستشكل أكبر تحد علني لحكم الملك سلمان.
ويقول الكاتب إن تصريحات الأمير أحمد للمحتجين اليمنيين إزاء موقف العائلة الملكية، تشير بوضوح إلى تلك الأيام التي كانت فيها القرارات الكبيرة -مثل قرار شن الهجمات الجوية على اليمن- تتخذ بشكل جماعي من خلال التشاور بين كبار أعضاء العائلة، غير أن هذا الأمر لم يعد معمولا به في عهد الملك سلمان ونجله محمد.
ويضيف أنه لم يعد خافيا أن الأمير أحمد مستاء من السلطات والصلاحيات الواسعة التي باتت في يد ابن شقيقه ولي العهد، فقد كان الأمير أحمد واحدا من ثلاثة أعضاء من هيئة البيعة عارضوا تعيين ابن سلمان، بل امتنع الأمير أحمد عن مبايعة ابن شقيقه عندما جرى تنصيبه وليا للعهد.
وسبق للأمير أحمد أن رفض حضور حفلات استقبال رسمية دعا إليها شقيقه الملك سلمان، وعندما توفي شقيقهما عبد الرحمن بن عبد العزيز لم تُرفع سوى صورتين في حفل التأبين الذي دعا إليه الأمير أحمد، هما صورة مؤسس المملكة عبد العزيز وصورة الملك الحالي سلمان، وكان واضحا غياب صورة ولي العهد محمد بن سلمان لدرجة أنه عندما انتشرت على نطاق واسع لقطة فيديو صوّرت بهاتف نقال لتلك المناسبة، بذل مدونو الحكومة جهدا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي للادعاء أن اللقطة كانت مزورة.
ويرى الكاتب أن الشقاق بين الأخوين بلغ درجة أن الأمير أحمد عندما بعث بتهنئة إلى الملك سلمان بمناسبة عيد الفطر الماضي في حزيران/يونيو، علق مراقبون بأن المبادرة "تشير إلى حدوث تغير في معارضته" لولي العهد.
كما تجنب الأمير أحمد حتى الآن الخوض في مصير أبناء أشقائه الذين ألقي القبض عليهم واحتجزوا في الريتز كارلتون، وكان بعضهم قد تعرض للتعذيب والمعاملة المهينة. ولعله حظي بدرجة من الحماية الشخصية لكونه شقيق الملك، وهذا ما منحه حتى الآن الحرية في السفر إلى خارج المملكة إلى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، ولكن ربما أن وضعه الآن قد تغير بعد ما صرح به في لندن الأسبوع الجاري.
ويشير الكاتب إلى أن لدى الأمير أحمد أسباب شخصية للاستياء، فهو أصغر الأشقاء السديريين، وقد تم تجاوزه في مناسبتين اثنتين، إحداهما عندما شغر منصب ولي العهد، رغم أنه كان الأحق بذلك المنصب.
وكانت المرة الأولى عندما نصّب الملك عبد الله أخاه مقرن نائبا لولي العهد، ولم يبادر الملك سلمان إلى إصلاح ذلك عندما جاء إلى الحكم، بل قام هو الآخر بتجاوز شقيقه الأصغر عندما عين محمد بن نايف وليا للعهد وعين نجله محمدا نائبا لولي العهد".
ويشير الكاتب إلى أن أحد أقرباء الأمير أحمد الأباعد -وهو الأمير خالد بن فرحان- طالب عميه الأمير أحمد والأمير مقرن في يوليو/تموز من منفاه في دوسلدورف غربي ألمانيا، بالإطاحة بالملك سلمان باعتبار أن حكمه "غير منطقي وأرعن وأحمق".
ويقول هيرست: "لو كان ثمة سبيل إلى إصلاح الوضع الحالي، فإن عائلة آل سعود يمكن أن تتطلع بشكل طبيعي إلى الأمير أحمد -الذي شغل في السابق منصب وزير الداخلية- ليقودها".
ويشير الكاتب إلى أن هناك حدثا آخر هزّ المملكة، تمثل "في ثلاث مطالبات متعاقبة من جانب النائب العام بإصدار أحكام بالإعدام".
ويقول هيرست إن ذلك "لم يكن لأن الأشخاص المعنيين مارسوا العنف، فالمعتقلون ليسوا جهاديين وإنما ثلاثة دعاة معتدلين من أهل السنة، هم: سلمان العودة وعلي العمري وعوض القرني، وإن جريمتهم أنهم دعوا في تغريدات عبر تويتر إلى إصلاح العلاقات بين السعودية ودولة قطر".
وعلى الرغم من "مضي وقت على اعتقال هؤلاء جميعا، فإن أحدا لم يكن يتوقع أن يصل الأمر بما يسمى بالزمرة الليبرالية المحيطة بمحمد بن سلمان، إلى أن تهدد بقطع رؤوس هؤلاء العلماء".
ونسب الكاتب إلى عبد الله بن سلمان العودة قوله إن والده أحيط علما بالتهم الموجهة إليه في جلسة محاكمة سرية جرت داخل محكمة الجنايات في الرياض، مشددا على أن جريمته الوحيدة هي "حمل آراء مستقلة وأنه يرفض أن يصبح بوقا للحكومة".
ومن هؤلاء العلماء الثلاثة من هو عضو في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي المقيم حاليا في دولة قطر.
وكان صدر قرار بحظر الاتحاد في عهد الملك عبد الله، ولكن حينما استلم سلمان الحكم دُعي القرضاوي نفسه لزيارة المملكة وأداء مناسك العمرة في مكة.
ويشير هيرست إلى أن الأحداث المجتمعة في السعودية من شأنها إحداث هزات عنيفة تجرد المملكة من استقرارها.
ويرى أن أحكام الإعدام تلك لو نفذت، فإنها ستكون بمثابة إعلان حرب من قبل ما يسمى بالتيار الليبرالي المحيط بولي العهد على قطاع عريض من المجتمع المتدين والمحافظ.
ويضيف أنه عندها سيكون هذا القطاع أمام واحد من خيارين، إما أن يخضع للعلمانية تحت تهديد السلاح أو ينخرط بأعداد كبيرة في صفوف الجماعات الدينية المتطرفة بحق، والتي ما من شك في أنها موجودة على شكل خلايا سرية تنتشر في مختلف أنحاء البلاد.
ويشير الكاتب إلى أن الملك سلمان يعتبر في حالة حرب ضد آل سعود أنفسهم، علما بأن المؤسسة الدينية المحافظة وعائلة آل سعود يعدان دعامتا الدولة السعودية، مضيفا أن الهجوم عليهما معا يرقى إلى الإطاحة بالأعمدة التي تقوم عليها شرعية الملك..