على عكس الأبهة والاحتفاء الملكي اللذين استُقبِل بهما الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المملكة العربية السعودية على مدار عُطلة نهاية الأسبوع، تحوَّلت الخُطط المُتعلِّقة باستعدادت وصول ترامب الإثنين، 22 مايو/أيار 2017، لإسرائيل إلى مشاحناتٍ سياسية غير لائقة قبل أن تحط طائرته الرئاسية أرض المطار، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
هل يقاطع الوزراء الإسرائيليون الزيارة؟
وكشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية أن عدداً كبيراً من وزراء حكومة نتنياهو كانوا رافضين أن يكونوا في استقبال ترامب خاصة أنهم غير مسموح لهم بمصافحة الرئيس الأميركي، ولكن تمت مطالبتهم بالحضور إلى المطار في الساعة العاشرة تفادياً للحواجز المرورية المتوقعة بمناسبة وصول الرئيس الأميركي للبلاد.
ونقل موقع صحيفة الشرق القطرية عن "يديعوت أحرنوت" قولها "الوزراء الإسرائيليون شعروا بالإهانة وأعلنوا أنهم لن يأتوا"، إلا أن تدخلات نتنياهو وإعلانه عن غضبه من موقفهم خلال اجتماعه برؤساء الأحزاب وتأكيده على ضرورة حضورهم مراسم الاستقبال، حسمت الأمر.
وقام مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بالضغط على الوزراء، إلا أن أحد الوزراء قال: "في مكتب رئيس الحكومة قالوا لنا كيف سيتم النظر إلينا.. سيكون عاراً علينا عدم حضور الوزراء".
ويضيف الوزير: قلنا لهم إنه خطأ الأميركيين الذين رفضوا مصافحة الأيدي. كيف نكون رجال دولة ونقف في المدرجات ونلوح له (ترامب) بأيدينا؟"
تنازلات للفلسطينيين
وأشارت تقرير صحيفة نيويورك تايمز إلى أنه كان على نتنياهو كذلك أن يكافح معظم يوم الأحد، 21 مايو/أيار 2017، مع الوزراء اليمينيين بائتلافه الحكومي في أثناء جلسةٍ مُغلَقة لمجلس الوزراء حتى يتمكَّن من الحصول على موافقةٍ على اتخاذ خطواتٍ متواضعة للغاية تهدف إلى تشجيع الاقتصاد الفلسطيني وتخفيف الأوضاع في الضفة الغربية ومناطق أخرى.
وتتضمَّن الإجراءات التي وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية للفلسطينيين توسيع منطقةٍ صناعية بالضفة الغربية، والتمديد التدريجي لساعات العمل في جسر اللنبي الذي يربط الضفة الغربية بالأردن؛ والتصريح للفلسطينيين بالبناء في مساحة الـ60% التي تسيطر عليها إسرائيل بالكامل في الضفة الغربية، والمعروفة بـ"المنطقة (ج)". ويتعلَّق هذا التصريح في معظمه بالمباني المُشيَّدة بالفعل على أطراف البلدات الفسطينية القائمة وتقرر هدمها.
وقلَّل مسؤولون إسرائيليون من هذه الإجراءات الخاصة بالفلسطينيين بعد الموافقة عليها. وإذعاناً للمُتشدِّدين داخل الحكومة، أعلنت الحكومة كذلك إنشاء لجنة للدفع بأثرٍ رجعي بشرعية البؤر والمنازل الاستيطانية التي بُنِيَت في الضفة الغربية دون تصريحٍ من الحكومة.
ويبدو أنَّ تلك الحوافز المُقدَّمة للفلسطينيين هي حوافز مُكرَّرة. ففي اجتماعٍ في الأمم المتحدة سبتمبر/أيلول 2016، عرض مسؤولون إسرائيليون حوافز تتضمَّن تطويراً لجسر اللنبي وخططاً رئيسية للسماح بالبناء في المنطقة (ج).
وكانت إجراءات بناء الثقة تلك تهدف إلى إقناع ترامب بالتزام الإسرائيليين بالسعي إلى التوصُّل إلى اتفاقٍ تماماً كما كانت مُوجَّهةً للفلسطينيين.
وكان ترامب قد قال إنَّه يرغب في التوصُّل إلى "صفقةٍ نهائية" لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المُمتَد منذ عقود، وهو هدفٌ طموح استعصى حتى الآن على جيلين من الرؤساء الأميركيين والعديد من الوسطاء الدوليين.
ويعد سقف التوقُّعات المُتعلِّق بالتوصُّل إلى أي اختراقاتٍ جوهرية في أثناء زيارة ترامب التي تستمر 36 ساعة إلى إسرائيل والضفة الغربية منخفضاً، لكنَّ أيَّاً من نتنياهو أو الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يرغب في المخاطرة بإغضاب الرئيس الأميركي، أو أن يُصوَّر على أنَّه الطرف الرافِض لاستئناف محادثات السلام المتوقفة منذ فترةٍ طويلة، حسب نيويورك تايمز.
ومن المُقرَّر أن يلتقي ترامب عباس الثلاثاء، 23 مايو/أيار، في بيت لحم بالضفة الغربية. وتشهد المناطق الفلسطينية حالةً من الغليان، وذلك مع دخول الإضراب العام عن الطعام للأسرى داخل السجون الإسرائيليين أسبوعه السادس، إلى جانب تحوُّل الاحتجاجات العنيفة الداعِمة للإضراب إلى احتجاجاتٍ مميتة.
وفي الجانب الإسرائيلي، قال نتنياهو في بداية اجتماع حكومته الأحد إنَّه سيبحث مع ترامب سُبُل تعزيز التحالف الأميركي – الإسرائيلي، وأضاف مُتحدِّثاً باللغة الإنكليزية: "سيدي الرئيس، إنَّنا نتطلَّع إلى زيارتك. سيستقبلك المواطنون الإسرائيليون بأذرعٍ مفتوحة".
غير أنَّ التحضيرات للزيارة كانت مشحونة لوجيستياً بسبب التغييرات الكبيرة في جدول الزيارة الذي أدَّى إلى تغيير خطط الشرطة في القدس، فضلاً عن بعض القضايا الدبلوماسية والوجدانية ذات الأهمية الكبيرة لكلٍ من الإسرائيليين والفلسطينيين.
زيارة هستيرية وليست تاريخية
وقد وصف البعض في الصحافة الإسرائيلية بالفعل الزيارة بأنَّها "هستيرية"، بدلاً من كونها "تاريخية". وشوَّهت المشاحنات داخل ائتلاف نتنياهو الحكومي كثيراً من الأجواء الاحتفائية المحيطة بزيارة ترامب: إذ يشعر الساسة اليمينيون بالإحباط لأنَّ إدارة ترامب يبدو أنَّها ستلتزم بالسياسة الأميركية طويلة الأمد إزاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ويُحرِّضون نتنياهو على اتخاذ موقفٍ أكثر صرامة.
وقال مسؤولون إسرائيليون سابقون إنَّ الحكومة الإسرائيلية على أي الأحوال يُرجَّح أن تكون أكثر تركيزاً على المساعدة الأميركية في احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة.
وقال دوري غولد، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، والذي كان مستشاراً لنتنياهو لفترةٍ طويلة: "على مدى وقتٍ طويل، كانت أولوية إسرائيل تتمثَّل في التهديد الإيراني. ويُعَد التحوُّل الذي أحدثته إدارة ترامب فيما يتعلَّق بالرغبة في التصدي للهيمنة الإيرانية أمراً مهماً بالنسبة لإسرائيل".
ومع ذلك، يقول العديد من الخبراء إنَّ أي تعاونٍ بين إسرائيل وتحالفٍ من الدول العربية السُنّيّة تقوده الولايات المتحدة لمواجهة إيران من شأنه أن يتطلَّب إحراز تقدُّمٍ على الصعيد الإسرائيلي – الفلسطيني.
وفي مقابلةٍ نُشِرَت الأحد في صحيفة يسرائيل هايوم، وهي صحيفةٌ داعِمةٌ إلى حدٍ كبير لنتنياهو، قال ترامب: "أعتقد أنَّ لدينا فرصةً جيدةً للغاية للتوصُّل إلى اتفاق". وجرت المقابلة في واشنطن الخميس، 18 مايو/أيار،2017 قبل وقتٍ قصير من مغادرة ترامب إلى الشرق الأوسط.
حائط البراق
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن ترامب سيتوجه إلى كنيسة القيامة في القدس في زيارة شخصية دينية تستمر 45 دقيقة وبعد ذلك يزور حائط البراق (الحائط الغربي)، في البلدة القديمة بالقدس (الذي أخذ تسميته من ربط النبي محمد دابته ليلة الإسراء به)، ما يجعل منه أول رئيسٍ أميركي يزور هذا المكان الذي يزعم اليهود أنه أقدس موقعٍ يمكن لهم الصلاة فيه.
وقالت "يديعوت أحرونوت": لم يتضح حتى الآن إذا كان نتنياهو سيرافق ترامب خلال زيارته بحائط البراق، حتى يتم إصلاح الخسائر التي حدثت بعد تصريحات المسؤولين الأميركيين والتي قالوا خلالها إن الجدار الغربي (الملاصق للمسجد الأقصى) لا يتبع إسرائيل ولكنه يقع في الضفة الغربية.
وذكرت نيويورك تايمز أن هذا الموضوع قد تسبَّب في خِلافٍ سياسي. فبحسب التقارير الصحفية الإسرائيلية، كان نتنياهو يرغب في مرافقة ترامب وأسرته إلى الحائط للتأكيد على ملكية إسرائيل للمنطقة المتنازع عليها، غير أنَّ المسؤولين الأميركيين رفضوا تلك الفكرة، قائلين إنَّها زيارةٌ خاصة.
وقال ترامب لصحيفة يسرائيل هايوم إنَّه لا يستبعد احتمالية مرافقة نتنياهو له. ولكنه قال: "إنَّ الذهاب مع الحاخام أمرٌ أكثر تقليدية"، مشيراً على ما يبدو إلى حاخام الحائط الغربي، شموئيل رابينوفيتش، وأضاف: "لكنَّ ذلك قد يتغيَّر".
ويقع الحائط في القدس الشرقية، وهي منطقةٌ احتلتها إسرائيل من الأردن في حرب 1967، وضمَّتها بعد ذلك في خطوةٍ لم تحظ باعترافٍ دولي أبداً.
صدمة إسرائيلية
وقبل نحو أسبوع على موعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إسرائيل، بدأت بوادر أزمة دبلوماسية بين البلدين تظهر خلال الاستعدادات للزيارة، حيث أعلن مسؤول إسرائيلي، أن بلاده تريد من البيت الأبيض توضيحاً لتصريح دبلوماسيين أميركيين بأن حائط البراق بالبلدة القديمة يتبع الجانب المحتل من الضفة الغربية، حسبما نقل تقرير لصحيفة الشروق المصرية عن القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي.
وقال مسؤول بمكتب نتنياهو: «تلقينا بالصدمة التصريح بأن الحائط الغربي يقع في منطقة بالضفة الغربية»، مضيفاً: «نحن مقتنعون بأن هذا التصريح يتنافى مع سياسة الرئيس ترامب.. أجرت إسرائيل اتصالاً مع الولايات المتحدة بشأن هذا الأمر». ولم يرد البيت الأبيض على طلب للتعليق، بحسب وكالة رويترز.
ورحبت وزارة الخارجية الفلسطينية بالتصريحات الأميركية التي قالت إن حائط البراق في البلدة القديمة في القدس المحتلة جزء من الضفة الغربية.
ونقل موقع عرب 48 عن وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي قوله، إنه "واضح أن الموقف الأميركي هو موقف واضح حيال رفض أية مشاركة إسرائيلية لزيارة الرئيس (دونالد) ترامب لحائط البراق أو كنيسة القيامة كون هذه جزءاً من الضفة الغربية وأراض محتلة ولا تتبع لدولة إسرائيل".
وكانت بداية الخلاف عندما زار الطاقم الأميركي المكلف بالترتيب لوصول ترامب، حائط البراق، حيث طالبوا الطاقم الإسرائيلي بمغادرة المكان: "نطالبكم أن تتركونا لوحدنا. لا نستطيع أن نتواجد مع مسؤولين إسرائيليين في هذا المكان. هذه الأرض لا تقع تحت سيادتكم. هذه أرض تابعة للضفة الغربية. وزيارة ترامب للمكان ستكون زيارة شخصية وليس لكم علاقة بها. هذا الأمر لا يعنيكم".
هذا الكلام أصاب الطاقم الإسرائيلي بصدمة ورد عليهم: "ما تقولونه ليس مقبولاً على الإطلاق ونرفضه بشكل قاطع. هذا مكان مقدس ويقع تحت السيادة الإسرائيلية".
وتجدد الخلاف في 16 مايو/أيار 2017، عندما "تهرب" مستشار الأمن القومي الأميركي ماكماستر من الإجابة عن سؤال حول تبعية الجدار (الذي ربط النبي صلّ الله عليه وسلم دابته به ليلة الإسراء والمعراج)، مكتفياً بالقول: "هذه مسألة سياسية.. ما أعرفه أن هذا المكان مكان مقدس. الرئيس ترامب سيزور إسرائيل وهي الحليف الأقرب للولايات المتحدة في الشرق الأوسط"، بحسب ما نقل موقع جريدة الشرق عن صحيفة معاريف الإسرائيلية.
وفي المقابل، أطلقت إسرائيل يوم الأحد احتفالاتها بمناسبة مرور 50 عاماً على إعادة توحيد المدينة المتنازع عليها، وفقاً لنيويورك تايمز.
واقترح بيزاليل سموتريتش، النائب في الكنيست الإسرائيلي (وهو البرلمان الإسرائيلي) عن حزب البيت اليهودي، أن يقوم عددٌ من أعضاء الكنيست باستخدام حصانتهم البرلمانية لتجاوز صفوف الشرطة التي ستكون موجودة عند الحائط في أثناء زيارة ترامب كوسيلةٍ لتأكيد السيادة الإسرائيلية.
إلغاء عشاء ليبرمان
وفي تطوِّرٍ آخر، طلب الأميركيون إلغاء حفل العشاء الذي كان سيستضيفه وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، للأعضاء البارزين في الوفد الأميركي. وكان الضيوف سيضمون وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، وابنة الرئيس ترامب إيفانكا، وصهره جاريد كوشنر. ولم يُعلن سبب الإلغاء.
وشعر الإسرائيليون بالضيق بسبب خطة ترامب إجراء زيارة لمدة 15 دقيقة إلى مؤسسة ياد فاشيم، وهي المؤسسة الرسمية تخليداً لذكرى المحرقة اليهودية (الهولوكوست).
وقال سيمي آلن، المتحدِّث باسم المؤسسة: "إنَّه يغتنم الفرصة لتخليد ذكرى ضحايا الهولوكوست والتعرُّف على الذكرى، وهو أمرٌ جيد". لكنَّ آلن قال إنَّه لا يمكنه تصوُّر أن يستغرق البرنامج هناك أقل من نصف ساعة.