[ صعود السعودية في عهد ترامب وخسارة إيران ]
من المتوقع أن تتخذ العلاقة بين واشنطن وطهران منحى آخر ليس في صالح الأخيرة، عقب فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، على الرغم من ثبات السياسية الخارجية لدولة مؤسسات كالولايات المتحدة الأمريكية.
وتتجسد أولى ملامح التوتر في العلاقة بين أمريكا وإيران بعد فوز ترامب، بتحرش قوات الحرس الثوري القوة الشبه العسكرية التابعة مباشرة للمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي، في مضيق هرمز، واقتراب زوارقها بسرعة عالية من سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، الأحد 8 يناير/كانون الثاني، وهو ما أدى إلى إطلاق السفينة لعيارات تحذيرية تجاه تلك القوارب.
وهاجم"ترامب" إيران في حملته الانتخابية، وتعهد بإعادة النظر في الاتفاق النووي، الذي أبرم في عهد إدارة باراك أوباما، ما يعني وجود كثير من الصعوبات الاقتصادية التي ستواجهها، بعد أن كانت قد حصلت عليها بعد الاتفاق، كما أنه لم يبالِ في وصفها بالدولة الإرهابية، وتوعد كذلك بالرد القاسي على طهران إذا ما كررت هجومها على السفن الأمريكية.
فما إمكانية تطور العلاقة بين أمريكا والسعودية وتركيا، على حساب إيران، وما أسباب ذلك؟
إيران تفقد آخر أوراقها
يبدو أن الصعود الأخير السريع لإيران، سيقابله سقوط سريع أيضا، فقد ارتبطت طهران بواشنطن بعلاقات تعاون قديمة، تعود إلى أواخر القرن الثامن عشر، منذ تعيين أول سفير لطهران في واشنطن عام 1856، شهدت تلك العلاقات تجاذبات عدة، لم تؤسس لأرضية صلبة للعلاقات بين البلدين، بل ارتبطت بالمصالح المشتركة بينهما، وهي ليست بالكبيرة، إذا ما قورنت بمصالح الأمريكان مع السعودية.
مضت تلك العلاقات طوال العقود الماضية، باتجاه التعاون بين البلدين، وتجسدت بالإطاحة برئيس الوزراء الإيراني المحبوب محمد مصدق، وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي للسلطة عام 1953، لكن الحدث الأبرز كان عام 1967، بعد تزويد واشنطن لإيران بمفاعل طهران للأبحاث، وهو برنامج نووي مدني غير صالح للأغراض عسكرية، وأهم من ذلك هو دعم واشنطن لثورة الخميني ورضاها عن النسخة الخمينية من الإسلام، وهي نسخة مزيدة ومنقحة وموجهة ضد الداخل الإسلامي، وكان سفير واشنطن في باريس سنة 1979 هو آخر من ودع الخميني العائد إلى طهران، وهذا التوديع له ما بعده.
عندما فشلت إيران في اجتياح العراق في حرب الثمان سنوات الممتدة من 1982 - 1990 والتي انتصرت فيها قوات العراق بقيادة صدام حسين، تجرع الخميني السم بحسب تصريحاته عندما وقع على نهاية الحرب، وانتهى أمره، ودخلت طهران فيما بعد بخصومة مع الأمريكان وفرضت عليها عقوبات اقتصادية، لأنها كما يقول مراقبون فشلت في المخطط الذي تعهدت بتنفيذه لواشنطن، والذي يقضي بنشر الثورة الإسلامية في المنطقة.
وفي 2002 أعلنت إدارة جورج بوش إيران ضمن محور الشر، واتهموها بإدارة برنامج سري للأسلحة، وكشفت عنه جماعة معارضة في طهران عام 2002، وعقبه بأربعة أعوام أعلنت واشنطن استعدادها للانضمام إلى المحادثات النووية متعدد الأطراف مع إيران، وفي 2009 أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أنهم سيمدوا يدهم لإيران إذا أقنعوا الغرب بأنهم لا يسعون لصنع قنبلة نووية، لكن لم يتمخض عن تلك المحادثات أي نجاح، إلى انتخب حسن روحاني رئيسا للبلاد في 2013، وتوجت تلك الجهود في يوليو/تموز 2015 باتفاق وافقت عليه إيران، يحد من أنشطتها النووية، مقابل تخفيف العقوبات.
استحقت إيران تخفيف العقوبات بعد أن حققت جزءا مهما من المخطط الأمريكي، فقد أضحت تمتلك القرار في أربع عواصم عربية مع نهاية2014، هي( لبنان، بغداد، دمشق، صنعاء).
ويرى مراقبون أن التوتر الذي ساد العلاقات بين طهران وواشنطن منذ الثورة الخمينية عام 1979، التي أطاحت بـ"بهلوي"، وتم على إثره قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1980، لم يكن سوى شكليا لكسب المزيد من التأييد في الشرق الأوسط.
أطلقت تلك العلاقة بين البلدين يد إيران في المنطقة، وتحديدا عقب سقوط بغداد عام 2003، وكذا اندلاع الحرب السورية في 2011، وسقوط صنعاء في 2014، وبعد التوصل لاتفاق بشأن برنامج إيران النووي، لكن وبالنظر إلى ما جنته طهران من ذلك، يتضح أنها خسرت أكثر مما ربحت، فلقد تم إنهاكها بشكل كبير في العراق وسوريا، وما يؤكد التوجه نحو تحجيم دورها في المنطقة، هو بروز روسيا إلى جانب تركيا، كلاعب متحكم بقواعد اللعبة في دمشق عقب سقوط حلب أواخر 2016، إلى جانب أن كلفة العقوبات على إيران تقدر بـ500 مليار دولار، فيما تبلغ كلفة برنامجها النووي 100 مليار دولار.
بيد أنه لا ثابت في السياسة، فمصالح الدول هي من تحركها، ويمكن للولايات المتحدة الأمريكية، أن تستخدم إيران وحلفاءها في اليمن لابتزاز السعودية، فيما لو تحولت إلى واقع تصريحات الرئيس ترامب الذي يفكر بحسابات الربح والخسارة، فهو تحدث عن صنعهم من إيران قوة، وصرح قائلا" السعوديون لا يمكنهم البقاء بدوننا،(...) وإلى أي نقطة يجب علينا ان نتدخل، وكم ستدفع لنا السعودية لإنقاذها؟(...)، أريد حماية السعودية، لكن على السعودية مساعدتنا اقتصاديا"، في المقابل تعمل السعودية على الاستقلال، والبحث عن تحالفات جديدة.
أسباب التوجه الأمريكي الجديد نحو تركيا والسعودية
السلوك العدواني الذي تمارسه إيران، وطموحاتها الاستراتيجية التي تضر بالمنطقة، لا يبدو أن عاقبته ستكون محمودة، فاستمرار طهران بدعم الجماعات المليشياوية في لبنان واليمن والعراق وسوريا، واتجاهها نحو معاداة كل الدول، منها واشنطن التي كثيرا ما قامت باحتجاز بحارتها، وتحرشت بسفنها، فضلا عن التلويح بإغلاق مضيق هرمز الخاضع لسيطرتها ودولة عُمان، كل ذلك جعل الدول الكبرى تطلق إيران لبعض الوقت، ثم تعيدها إلى القفص، مع بعض الفتات، وأصبحت دولة غير جديرة بثقة الحلفاء.
مؤشرات التوجّه الأمريكي الجديد
إن الشد والجذب الذي شهدته العلاقات بين موسكو وواشنطن، كان العنوان الأبرز قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن وفي ظل إدارة ترامب، من المتوقع أن تتجه العلاقات بين البلدين نحو التفاهم النسبي وليس الكامل، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، إذ لا يمكن إغفال هيمنة التيار اليميني داخل الكونجرس الذي يرى موسكو العدو الأول لبلدهم، وكذا جذور الصراع بين البلدين، على خلفية الأزمة الأوكرانية المتعلقة بشبه جزيرة القرم، والتي تعتبرها موسكو خطا أحمر، كونها جزء من أمنها القومي، وكذا الملف النووي الإيراني، وغيره من القضايا الشائكة في الشرق الأوسط، والتي أغرت روسيا للعب في الحلقات الأضعف، في محاولة لاستعادة مكانتها كقوة عظمى على الساحة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وانكفاء أمريكا عن المنطقة بشكل أو بآخر.
التقارب بين البلدين الذي تعتقد موسكو أنه سيفتح لها أبواب النفوذ، بسبب ضعف السياسة الخارجية الأمريكية المتوقعة في عهد ترامب، هو أكثر ما يخيف طهران، كونه سيأتي على حسابها، ولن يكون لها أي حضور في ظل اللاعبين الأكبر.
مضيق باب المندب والحلفاء الجدد
ومحصلة ذلك التقارب بين موسكو وواشنطن، لا يمكن أن يسمح بصعود الأولى على حساب الأخيرة، حتى لا يتم زعزعة الأمن الإقليمي والدوليين، وإنما قد يفتح باب العمل المشترك بين البلدين في المنطقة، والمنافسة الحذرة، وما سماح المجتمع الدولي للتحالف العربي بقيادة السعودية، بتأمين باب المندب، إلا دليلا واضحا يؤكد أن صعود إيران لن يستمر، كونه سيكون لصالح حليفتها روسيا، فضلا عن عدم الثقة بطهران.
إن حجم المصالح المشتركة الكبيرة بين السعودية وواشنطن، مقارنة بإيران التي لا تمتلك أي حدود مباشرة مع الأخيرة، وكذا حجم التبادل التجاري بين الدولتين الذي يُعد ضئيلا، إضافة إلى عقلية ترامب الاقتصادية، التي ترى أن الحروب تؤثر في الاقتصاد، وتجعل الرئيس الجديد يؤيد الرياض في تأمين نفسها، وهو ينظر إلى دول الخليج- أيضا- كشريك من أجل إطفاء نار الصراعات في المنطقة، وما يؤكد أن سنوات رئاسة ترامب لأمريكا ستكون مختلفة، هو الحرص الذي بدا واضحا من قِبل إدارة أوباما، للخروج باتفاق سياسي للأزمة اليمنية، بعيدا عن المرجعيات الثلاث المتعارف عليها.
أيضا فإن موقف "ترامب" من تركيا، والتي برزت في تصريحاته، تؤكد أنه يسعى للاتجاه نحوها، فهو رجل قومي، ويميل لسياسات الدول التي تفكر على تلك الشاكلة، ويرغب في الاعتماد على الحلفاء للتخلص من المشكلات في الشرق الأوسط، ومواجهة إيران- إن استدعى الأمر ذلك-، فهو أدان في وقت سابق الانقلاب الذي تعرضت له أنقرة، وتفاعل بشكل إيجابي مع مطالب أنقرة المتعلقة بتسليم عبدالله جولن، الذي تتهمه بالوقوف وراء الانقلاب.
عُمان
بادرت مسقط عقب سقوط حلب السورية، إلى الانضمام للتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، وهذا مؤشر يؤكد أن مسقط باتت تدرك أن قواعد اللعبة ستتغير، وسينتج عنها تحالفات جديدة، لن تكون إيران فيها طرفا فاعلا وبقوة كما كانت من قبل.
وأمام الرؤى والتوقعات المطروحة، التي تصب لصالح السعودية وتركيا، فمن شأن تلك السياسات أن تعيد التوزان في المنطقة، لكن ذلك لا يعني أن إيران لن تستمر بالمناورة تنفيذا لمشروعها، فهي ستعمل على البحث عن تحالفات جديدة، وستستفيد من الجيوش الطائفية التي تسعى لإقامتها، وكذا ورقة مضيق "هرمز" الاستراتيجي، الذي تستطيع من خلاله أن تخنق بعض دول الخليج التي لا يوجد لها منفذ بحري سوى" هرمز" كدولة الإمارات، لكن مقابل ذلك تعمل السعودية على إيجاد بدائل لصادراتها النفطية لا تمر عبر ذلك المضيق، وهو ما يعني أن طهران لن تكون قادرة في المستقبل على تهديد الرياض، وستجدف وحيدة.