[ ارتبط ذكر النابالم في الذاكرة العالمية بحرب فيتنام ]
قنابل حارقة فتاكة محرمة دوليا في المناطق السكنية بموجب اتفاقية أممية دخلت حيز التنفيذ عام 1983، تستخدم في التمهيد للعمليات العسكرية وتسبب حروقا شديدة للأشخاص تدمر الأنسجة العضلية وتبلغ العظم.
تحدث هذه القنابل الهلامية التي ارتبطت في الذاكرة العالمية بحرب فيتنام دمارا واسعا في البيئة التي تستخدم فيها حيث تصبح رمادا بعد حين، كما أن لها تأثيرا نفسيا شديدا في صفوف العدو سببه الانفجار الهائل والدخان الكثيف الذي ينتج عنها.
التركيبة
يشكل البنزين والنفتالين وبالميتات (الصوديوم والألمنيوم) أهم المكونات الأساسية لقنابل النابالم التي أخذت اسمها من النفتالين والبالميتات.
تمزج المواد الثلاث وفق تفاعل كيميائي موجه بحيث يسمح بتحديد درجة الحرارة الناجمة عن التفجير، كما تضاف إلى العناصر الثلاثة مواد أخرى مثل البوليسترين وغيرها من أجل إكساب الناتج المشتعل قواما لزجا، وذلك بهدف إطالة عمر عملية احتراق البنزين.
يستخدم الفوسفور كذلك في تركيبة قنابل النابالم لإكسابها صفات حرارية وانفجارية أكثر شدة، كما أنه يستخدم مفجرا للخليط الأساسي، فعند إلقاء القنبلة يشتعل الفوسفور أولا ويعمل على إشعال المركب البنزيني الأساسي في مرحلة ثانية، وهذا ما يفسر الدخان الأبيض الذي ينبعث أولا من انفجارات النابالم قبل أن يحترق خليط البنزين والبالميتات والنفتالين مخلفا سحابة سوداء كبيرة.
الأهداف
تقذف قاذفات اللهب قنابل النابالم في العادة للتمهيد للعمليات العسكرية من خلال إشعال الحرائق في أماكن تمركز العدو كالخنادق والمخابئ.
وحينما يسقطها سلاح الجو يكون هدف النابالم إحراق المنشآت العسكرية كمخازن السلاح والوقود ومراكز التموين، بالإضافة إلى استهداف المعدات والتجهيزات العسكرية في أرض المعركة أو في المعسكرات والقواعد.
التأثير
يتوزع تأثير قنابل النابالم -التي تسمى أيضا القنابل النارية- على ثلاثة مستويات، فهي حارقة ومدمرة للبيئة كما أن لها تأثيرا نفسيا كبيرا، وتحدث حروقا شديدة وفي وقت قياسي، ومرد ذلك إلى طبيعة المركب المشتعل الذي تحتويه، فهو مركب لزج يلصق بالجسم فيحرق الأنسجة العضلية ويدمرها ليبلغ العظم بسرعة هائلة حيث ترتفع الحرارة إلى درجات قياسية.
وتخلف قنابل النابالم دمارا كبيرا في الوسط البيئي الذي تستخدم فيه جراء المواد السامة التي تحتويها، كما أن لها قدرة على تدمير الغطاء النباتي تماثل قدرتها على تدمير الأنسجة البشرية.
وفضلا عن كل هذا، فلقنابل النابالم تأثير نفسي كبير لشدة الوميض الناشئ منها وكثافة الأدخنة المنبعثة والحرارة العالية التي تميزها، وإن كان لا بد من الإشارة هنا إلى أن هذه القنابل أقل فتكا من القنابل الفوسفورية.
الاكتشاف
منذ اكتشافه أغرى البنزين مواقع القرار العسكري في القوى الكبرى لما له من خصائص تدميرية يمكن استثمارها في المجال العسكري.
وخلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918) استخدمت القوى المتصارعة البنزين في عمليات التطهير العسكرية وعبأت به راجمات القذائف، وشاع استخدام خراطيم اللهب في التمهيد لتقدم القوات، خاصة في الأدغال والمناطق ذات الغطاء النباتي والغابي الكثيف، بيد أن استخدام البنزين ظل بدائيا ومحفوفا بالمخاطر بالنسبة للوحدات العسكرية.
وخلال الحرب العالمية الثانية أثمرت بحوث أجراها فريق في جامعة هارفارد الأميركية إنتاج النابالم (عام 1942) فشكل ثورة في الصناعة العسكرية خلال تلك الحقبة التي ستشهد أيضا إنتاج القنبلة النووية، وتمثلت التحسينات التي جاءت بها هذه البحوث في إمكانية تعبئة القنابل بالنابالم مع ضبط الكميات وأنظمة التوجيه ودرجات الحرارة.
استخدم الجيش الأميركي النابالم في تدمير التحصينات الألمانية خلال إنزال نورماندي عام 1944، كما استخدمه على نطاق واسع في معارك المحيط الهادي.
حرب فيتنام.. حرب النابالم
ارتبط ذكر النابالم في الذاكرة العالمية بحرب فيتنام، إذ لجأ الجيش الأميركي إلى استعمال قنابل النابالم على نطاق غير مسبوق في حربه الضروس مع قوات الفيتكوم الشيوعية بزعامة هو شي منه.
وكان دافع هذا الإفراط محاولة إنهاء الحرب بأي ثمن نظرا للتعبئة الكبيرة ضدها داخل الرأي العام الأميركي والدولي، واللافت أن استخدام النابالم سيكون سببا رئيسا في دفع واشنطن إلى الخروج من فيتنام بعدما جالت العالم صور المدنيين المحروقين مع مساكنهم وحيواناتهم بسبب النابالم.
وقد تكثفت التعبئة الدولية ضد الحرب حين وقف العالم في يونيو/حزيران 1972 على فظاعة الحرب من خلال صورة التقطها مصور وكالة "أسوشيتد برس" نيك أوت للطفلة كيم فوك وهي تركض تائهة وعارية ومحروقة بالكامل بعد غارة أميركية بالنابالم على بلدة ترانغ بانغ الفيتنامية.
ظهر في الصورة أطفال آخرون لم يكن لهم نصيب من الشهرة فيما بعد، لكن صورتهم تلك كان لها دور حاسم في إنهاء الحرب.
حالات أخرى
شهدت كثير من الصراعات في العالم الاستعانة بالنابالم، فقد استخدمه الجيش الفرنسي خلال الثورة الجزائرية.
كما استخدمت إسرائيل النابالم في حروبها المختلفة ضد العرب، وشهدت الحرب العراقية الإيرانية (1980-1989) استخداما متكررا له من طرفي الصراع، وإبان الغزو الأميركي للعراق عام 2003 استخدم الجيش الأميركي النابالم لتدمير التحصينات العراقية، خاصة حول الجسور الواقعة على نهري دجلة والفرات.
استعمل نظام بشار الأسد قنابل النابالم ضد الشعب السوري، ففي أغسطس/آب 2015 قالت المعارضة السورية إن مروحيات النظام ألقت أكثر من 12 قنبلة نابالم على مدينة داريا قرب دمشق، مما أدى لاندلاع حرائق وسقوط قتلى وجرحى من المدنيين.
وفي الـ13 من أغسطس/آب 2016 ألقت طائرات النظام السوري عشرات البراميل المتفجرة على الأحياء السكنية في مدينة داريا بريف دمشق الغربي يحتوي بعضها على مادة النابالم الحارقة، مما أدى إلى اشتعال حرائق في مبان سكنية، بالإضافة إلى حوادث أخرى استعمل فيها هذا النوع من القنابل المحرمة.