عندما نتحدث عن دونالد ترمب، فإننا نتحدث عن شخصية تكاد تكون خيالية بتصرفاتها العجيبة وقراراتها المثيرة للجدل. إنها شخصية تجمع ذروة العنصرية النازية. ترمب، بشعره الأشقر الكثيف وبشرته البرتقالية، يبدو وكأنه خرج من رواية ساخرة وهزلية تجاه النظام الوجودي والقضايا الأخلاقية والإنسانية. إنه تعبير ودلالة واضحة على موت الأخلاق والإنسانية في الغرب. وللأسف، لم يكن وجوده في الساحة السياسية الأمريكية اليوم إلا تأكيدًا على أن المهزلة السياسية قد بلغت حدًا غير مسبوق في تاريخ السياسة الأمريكية.
بينما كانت غزة تعيش في دائرة من الأزمات الإنسانية المستمرة، جاء دونالد ترمب إلى الساحة السياسية الأمريكية وكأنه لعنة جديدة على الفلسطينيين. سياساته النازية لم تكن فقط متجاهلة لمعاناة الشعب الفلسطيني، بل كانت تعزز بشكل مباشر معاناة المدنيين الأبرياء والتلاعب بمصيرهم.
كانت فترة ترمب السابقة مليئة بالقرارات المثيرة للجدل، والتي لم تراعِ الأزمات الإنسانية المتفاقمة في غزة. وبين تصريحاته العنصرية وشكله المتوحش وقراراته الجائرة، بات واضحًا أن سياساته تجاه الفلسطينيين كانت تتجاهل المبادئ والحقوق الإنسانية. وقد جاء قراره بالاعتراف بالقدس سابقًا عاصمةً لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، بمثابة إلقاء الزيت على النار في منطقة مشتعلة بالحروب والمآسي الإنسانية.
لقد كانت هذه الخطوة تعبيرًا عن مهزلته الصارخة بالقضايا السياسية في الشرق الأوسط، وعن استهانته بحقوق الشعب الفلسطيني، ونظرته الدونية للعرب بشكل عام. لقد كانت هذه الخطوة بمثابة عرض هزلي يعكس جهله التام بالتاريخ والسياسة والأزمات الإنسانية.
ظهور ترمب في تصريحاته الأخيرة لم يكن فقط مقزّزًا من الناحية الأخلاقية، بل كان أيضًا عبثيًا في محتواه. ترمب، بشخصيته الجدلية، يبدو وكأنه خرج من كاريكاتير ساخر، لكن خلف هذا الشكل الكاريكاتوري كانت تختبئ عنصرية مقيتة تجاه العرب والمسلمين. لم يكن يخفي كراهيته وإساءاته، بل كان يروّج لها بشكل علني، مما عزز من مشاعر الكراهية والتفرقة.
إن الخطاب، بتعبير ميشيل فوكو، هو ممارسة للسلطة، وترمب استخدم خطابه العنصري لتعزيز مواقفه الهمجية تجاه الشعب الفلسطيني، وممارسته للسلطة الأمريكية بنسختها الأصلية. وفي تحليل خطاباته، نجد أن عنصريته واضحة كالشمس. تصريحاته التي كانت تفيض بالكراهية تجاه العرب والمسلمين لم تكن مجرد زلات لسان، بل كانت تجسد عقلية مشبعة بالأفكار العنصرية. حيث يبدو وكأنه خرج من قصة خيالية لا تراعي الواقع، ولا تؤمن بالقيم والمبادئ الأخلاقية، وكرامة الإنسان وحقوقه. ما يعكس أن خلف هذا الشكل الكاريكاتوري توجد سمات عنصرية عميقة ومتجذرة في جيناته الشاذة. كما أن تصريحاته لم تكن مجرد كلمات، بل كانت أدوات لفرض سياسات تمييزية وتعزيز الكراهية. هذه التصريحات والقرارات تعكس تفكيرًا استعماريًا متجذرًا في العقلية الغربية، التي ترى في الآخر المختلف تهديدًا يجب القضاء عليه.
إن تجاهل ترمب للمآسي الإنسانية يعكس انعدام الحس الإنساني والاحتقار للآخر اللاغربي. لم تتوقف عنصرية ترمب عند حدود خطاباته، بل تجاوزت ذلك بقطع المساعدات المالية عن الأونروا، مما زاد من معاناة اللاجئين الفلسطينيين في غزة. هذه الخطوات الهمجية أظهرت للعالم أن ترمب لا يرى الفلسطينيين كبشر لهم حقوق ويستحقون الحياة الكريمة، بل أدوات في لعبة سياسية قذرة. إن هذا القرار بقطع المساعدات يعكس قسوة لا مثيل لها وتجاهلًا للمآسي الإنسانية.
يعكس هذا القرار فلسفة القوة التي تحكم السياسة الغربية تجاه الدول غير الغربية، والرغبة الجامحة في التحكم بالآخر والسيطرة عليه، مما يتجاهل تمامًا مبادئ العدالة والرحمة. إن قرار ترمب بقطع المساعدات المالية عن الأونروا وتهجير الشعب الفلسطيني كان تجسيدًا لانعدام الحس الإنساني في سياساته العبثية، التي لم تقتصر على فترة رئاسته السابقة فحسب، بل تركت آثارًا طويلة الأمد على الوضع في غزة. وها هو اليوم يعمل على استكمال ما بدأ به في السابق، وتنفيذ ما تبقى من الخطة الصهيونية في نزع الأراضي الفلسطينية وتهجيرهم من القطاع، وكأنه يتلذذ بمشاهدة الفقراء من أبناء غزة يتعذبون ويهجرون من بلادهم، وتمتهن كرامتهم.
من قرارات الدعم المطلق للكيان الإسرائيلي إلى تهجير الفلسطينيين، كان ترمب مثالًا حيًا على السياسة العنصرية والظلم العالمي. لم يكن دونالد ترمب وليد الصدفة، بل نتاجًا لخلفية معرفية عنصرية مستمدة من الأفكار الغربية الاستعمارية، كما أن التمييز والاضطهاد كانا جزءًا من تكوينه الفكري والثقافي، مما جعله يرى في دعمه للكيان الإسرائيلي تعبيرًا عن هذه القيم العنصرية.
إن القوة هي الحق، بتعبير نيتشة، وهذه الفكرة هي محور سياسة ترمب في دعمه للكيان الإسرائيلي. لم يكن قرار ترمب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمةً لإسرائيل قرارًا عابرًا ومؤقتًا، بل كان بمثابة إشارة خضراء للتمهيد لعملية تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وهو تحدٍ كبير للقانون الدولي وحقوق الإنسان. إن تطبيق قرار التهجير اليوم بحق أبناء فلسطين ليس تجاهلًا للحقوق الفلسطينية فقط، بل تعزيزًا لسياسات الاستعمار الغربي القسرية، والسيطرة على الأراضي الفلسطينية، واستهداف البنية المجتمعية للشعب الفلسطيني، وتهشيم هويته الثقافية والدينية، وفصله عن جذوره التاريخية، وهو ما سيؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي والثقافي للشعب الفلسطيني. إنه تغييب للحق الإنساني في العيش وبناء ثقافته وهويته، واختيار لغته ووجوده الثقافي والديني والاجتماعي، وامتهان الكرامة الإنسانية، وفشل في الدفاع عنها.
يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط: "الظلم هو فشل في الاعتراف بإنسانية الآخرين"، وهذا ما تعكسه سياسات ترمب التهجيرية، والعمل على تدمير النسيج الفلسطيني بغية السيطرة عليه بالكامل بعد أن فشل الكيان الصهيوني عسكريًا، وتشتيت الأجيال عن هويتهم وثقافتهم، مما يفاقم الأوضاع الإنسانية المتردية في غزة. إن الخلفية الموجهة للسياسة الأمريكية، وسياسات ترمب تعكس التأثير العميق للأفكار الاستعمارية الغربية، التي ترى في الآخر تهديدًا يجب القضاء عليه. كما أن دعمه المطلق لإسرائيل يعكس هذا التفكير الاستعماري، الذي يسعى لفرض الهيمنة والسيطرة بأي ثمن، وفي ذلك تعزيز للتمييز والظلم وتدمير فرص السلام والتعايش الثقافي.
يرى دونالد ترمب في دعمه لإسرائيل وسيلة لتحقيق أهدافه السياسية، وهذا ما أصبح واضحًا من هدف التهجير للفلسطينيين والسيطرة على القطاع، دون مراعاة للحقوق الإنسانية أو العدالة. وهذه السياسة تعكس فشلًا أخلاقيًا وسياسيًا يهدد فرص السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.
الحرية والحقوق هي مبادئ أساسية يجب أن تُحترم، لكن في ظل سياسات ترمب، تم تجاهل هذه المبادئ بشكل صارخ. يقول الفيلسوف الأمريكي جون لوك: الحرية هي الحق في فعل كل ما يسمح به القانون. لكن في حالة الشعب الفلسطيني، لم يكن هناك احترام للقانون ولا للحقوق الأساسية، حيث يبرز هذا التخاذل تجاه معاناة الشعب الفلسطيني من قبل الدول الكبرى ومنظمات حقوق الإنسان التي لم تقف بوجه هذه السياسات العنصرية بشكل فعّال، مما زاد من معاناة الفلسطينيين.
إن القضية الفلسطينية تمثل صرخة المظلوم في وجه أدعياء حقوق الإنسان، وتكشف المعايير المزدوجة للنظام الدولي وسوءاته الأخلاقية والقيمية، وعجزه في الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة.
يمكن القول إن فترة ترمب الجديدة ستكون نموذجًا للسياسة العنصرية والقرارات الجائرة التي لن تُراعى فيها حقوق الإنسان. سياساته تجاه الشعب الفلسطيني كانت وما زالت وحشية، تعكس تجاهلًا تامًا للمآسي الإنسانية.
وفي النهاية، يمكننا القول إن ترمب لم يكن مجرد رئيس أمريكي آخر، بل كان نموذجًا للسياسة الأمريكية العبثية والهمجية التي لا تراعي حقوق الإنسان ولا تعترف بمعاناة الشعوب. كما أن سياساته هذه تجاه غزة تشكل جرحًا جديدًا في تاريخ الفلسطينيين، جرحًا لا يندمل بسهولة.
تُذكّرنا السياسة الأمريكية اليوم بأهمية الوقوف ضد الظلم والتمييز، والدفاع عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. يجب أن تستخلص الإنسانية دروسها من أخطاء الماضي، وأن تتصدى بحزم لكل أشكال العنصرية والظلم. إن محاربة هذه الأفكار والسياسات العنصرية تتطلب وعيًا عميقًا وإصرارًا كبيرا في الدفاع عن قيم الإنسانية والعدالة.