اليمن: من ينحاز للسلام ومن يريد الحرب؟
الإثنين, 03 فبراير, 2025 - 08:39 صباحاً

صار سكان كل منطقة خاضعة لسلطة ما يتعاملون وينظرون لسكان مناطق السلطة الأخرى باعتبارهم محط ريبة وتحالف مع السلطة التي تحكمهم.
 
المتتبع لتصريحات قيادات يمنية في أطراف النزاع؛ يدرك كم الأزمة اليمنية ضاربة أطنابها في جوف التعقيد؛ هذا في حال حمّلنا الأطراف المحلية مسؤولية تجاوز هذه الأزمة وطي صفحة الحرب، وتجاهلنا، عن عمد، تأثير اللجنة الرباعية، بما فيها الأطراف الإقليمية التي سلبت اليمن قراره؛ وهو تجاهل لا يفترض ممارسته باعتباره انكارًا للواقع؛ وبالتوازي لا يمكن معه تجاهل الأمل بإمكانية أن يستعيد اليمن عافيته، ويقول كلمته، وينهض مجددًا كطائر الفينيق من تحت الرماد.
 
كلما تقادمت سنوات الحرب؛ ازدادت الأزمة اليمنية تعقيدًا ليس بفعل التقادم، بل بفعل حرص أطراف الصراع، ومن يقف خلفهم من الخارج، على تكريس الواقع القائم، وما يستدعيه من توسيع مساحة الكراهية، وتضييق المساحة المشتركة للحل والتوافق، وتفخيخ الوعي الاجتماعي ضد بعضهم البعض؛ فكل طرف يمارس تعبئة استعدادًا لحرب؛ وبالتالي فإن استمرار الأزمة واستمرار المعاناة الإنسانية لليمنيين قد يدفع بالبلد إلى مرحلة يتقبل فيها الناس التفتيت الحاصل للجغرافيا، والتآكل المستمر للوعي الجمعي اليمني الواحد، ليبقى النسيج الاجتماعي والوطني الممزق حاملًا ثقافيًا لذلك التفتيت والتآكل؛ الذي يراهن معه الخارج وسلطات الحرب على الوقت.
 
صار سكان كل منطقة خاضعة لسلطة ما يتعاملون وينظرون لسكان مناطق السلطة الأخرى باعتبارهم محط ريبة وتحالف مع السلطة التي تحكمهم؛ وانطلاقًا من ذلك ينتظر اليمن مستقبلًا مخيفًا في حال سارت الأوضاع كما يريد تجار الحرب، إذ لم تعد تحتاج الأطراف الخارجية والإقليمية في الوقت الراهن لعمل شيء إضافي أكثر مما عملوه في السنوات السابقة؛ فتلك السنوات وما شهدته من تنفيذ خطط استهدفت تدمير مقدرات البلد، وتكوين وتوزيع ميليشيات على حساب قوة الدولة الواحدة صارت كفيلة بتلغيم طريق البلد نحو استعادة وحدته وقراره وهويته ودولته الواحدة؛ وهذا التعقيد والتشاؤم المترتب عنه ليس مبالغًا فيه، حتى وإن كان مبالغًا فيه في نظر البعض يبقى جزءًا من الواقع الذي يرفض أن يعطينا دليلًا واضحًا على إمكانية استعادة البلد نبضه الوطني الواحد وقراره السيادي الحقيقي في القريب المنظور، لاسيما مع كل هذه العتمة التي تطبق الخناق على الواقع الراهن.
 
اليمني البسيط ومعه رفيع الحال المعرفي والثقافي ممن يعيشون في الداخل صاروا في الغالب غير متفائلين بإمكانية عودة اليمن موحدًا، ويمنح أبناءه حقوقهم في العيش بكرامة وتحت ظلال عدالة ومواطنة متساوية وديمقراطية وحريات؛ والسبب في ذلك أنهم يعيشون لحظة تاريخية لم يسبق لهم أن عاشوها في تاريخهم كأربعة أو خمسة أجيال؛ فلم يسبق لهم أن وصل الحال بمرتباتهم الحكومية إلى الانقطاع، ومعاناة حياة العمل والإنتاج من الجدب الاقتصادي الحاد، بل إن ما يتم صرفه من مرتبات صارت متوسطة لا يصل إلى خمسين دولارا أمريكيا؛ وهو دخل أصبح معه اليمني عاجزًا عن تطبيب صحته وحماية عائلته والاحتفاظ بكرامته، وبالتالي أصبحت الحياة دفاعًا عما تبقى من كرامة وحياة؛ وهي حياة قاسية جدًا تعطلت معها معظم أسلحة اليمنيين على المقاومة؛ فعشر سنوات كانت كافية لتعطيل أدواتهم وقدراتهم على الدفاع عن حياتهم؛ حد فقد معه الكثير منهم القدرة على الحلم؛ إذ أصبحت الحياة المعيشية القاسية الراهنة هي البحيرة التي يغرق فيها معظم اليمنيين؛ وتجدهم، على كل حال، يجدفون بما تبقى لديهم من طاقة من أجل البقاء أحياء؛ وفي كل لحظة يسقط البعض منهم.
 
لم يعد في اليمن سوى مترفين ومعدمين؛ لقد قضت الحرب على تلك الطبقة، التي كانت تمثل تأمينًا للمجتمع من الانهيار، وهي الطبقة الوسطى؛ التي تلاشت تمامًا؛ ولم يعد هناك إلا مَن يعيش من أجل إبقاء أولاده أحياء، وهو هنا يقتات معهم الفتات؛ ومَن يعيش تحت ظلال الحرب ويحصل منها على ما يقيم عموده الفقري، أما البقية وهم قلة فمترفون يستثمرون في الحرب، ومهمتهم العمل على استمرارها؛ لأنهم يعرفون أنهم غير صالحين لمرحلة السلام؛ وأكاد أجزم أنهم لا يعرفون إلى متى ستستمر الحرب؟ لكنهم يخدمون بعضهم في لحظة فساد غير مسبوقة، ويمنحون بعضهم من خلالها ما يكفيهم لإبقاء بيرق الحرب مرفوعًا باعتباره هو الضامن لبقائهم في السلطة بأي ثمن حتى لو كان الثمن هو اليمن.
 
على الرغم من كل تلك العتمة التي تضيق على الأمل الرؤية؛ إلا أن ثمة أملًا يبقى قائمًا في النفوس هناك مهما نال منها التعب، وحاولت اغتيالها لحظة اليأس! فثمة محطات في تاريخه استعاد فيها اليمن قيامته في أشد لحظات الفرقة والتمزق وتسليم القرار للخارج.
 
*نقلا عن القدس العربي
 

التعليقات