من نافلة القول إعادة التذكير بأن ثورة 26سبتمبر تم إجهاضها في إنقلاب نوفمبر 67م وسيطر المشائخ والملكيين على الجمهورية ووضعوا صبغة جديدة على الجمهورية حيث أصبحت كما وصفها البردوني بأنها "جملوكية" بمعنى أنها لا أنها جمهورية وليست ملكية ولكنها نتاج خليط غير متجانس جعل منها كيان أخر، معتل وبلا معنى ومفرغ من مضمونه، بل أن جل الثوار الحقيقيون تم إغتيالهم وإقصائهم وإبعادهم وتهميشهم حتى من السردية الخاصة بالثورة والحديث عنها. وكل ما يحدث منذ ذلك الحين وحتى اليوم من تنطع بإسم الجمهورية أو احتفالات هو تقديس للوهم.
واليوم وبعد 63 عام من إنطلاق ثورة 26سبتمبر المجيدة والتي يفترض أنها تكون قد نضجت بعد كل هذا الزمن وتوسعت أهدافها ورؤيتها لفكرة الدولة وللتنمية وتجذرت في برامج واستراتيجيات الدولة، إلا أننا ما نلاحظه ونجده هو العكس تماما، وفي هذا المقال سوف نضع الطرفين في ميزان أهداف ثورة 26سبتمبر التي وضعت آنذاك قبل 63 عام بعيدا عن حلم أو طموح أو نضج كان يفترض أن يحدث.
الحوثيون أماميون بشكل واضح وجلي وهم تقريبا منقلبون على كل أهداف ثورة 26سبتمبر ، ليس الأهداف فحسب بل حتى الفكرة ذاتها، حتى أنهم يمجدون ما يسمي بثورة 21سبتمبر وهي ذكرى تنصيب الأمام البدر، أي أنهم في ميزان أهداف ثورة 26سبتمبر صفر على الشمال ولاتعنيهم بالمجمل.
الشرعية بدورها تتدعي أنها ممثلة لثورة 26سبتمبر وتستمد شرعيتها وبقاءها من وتحت هذه اليافطة ، لكنها بعيدة كل البعد عن أهداف الثورة، حيث ينص الهدف الأول للثورة " التحرر من الإستبداد والإستعمار ومخلفاتهما واقامة حكم جمهوري عادل وازالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات."، وبالنظر إلى هذا الهدف الأول نجد أن المناطق التي تسيطر عليها الشرعية او ماتسمى بالمحررة تعاني من الإستبداد بشكل رئيس الاستبداد السياسي والإجتماعي والإقتصادي وحتى الثقافي، لاتزال هناك سجون سرية في تعز ومأرب وعدن، ومخفيين قسريا منذ سنوات لايعلم أهليهم عنهم شيء، وتكتظ سجون مأرب وتعز بمعتقلي الرأي والمنشورات على مواقع التواصل الإجتماعي وعلى المواقع الإخبارية، وتحرم السلطات النقد البناء وتحرم أهالي السجناء من زيارتهم وترتكب كل أسس الاستبداد، ولاتزال المناطق التي تحت سيطرتهم تعاني من الاستعمار بأشكال متعددة حيث ان كثير من القرارات التي اتخذتها الحكومة تراجعت عنها بأوامر دول خارجية ، بل أن قرار الحرب والسلم وتحريك الجبهات كله قرار خارجي ولاتستطيع الحكومة أو مجلس القيادة الرئاسي عمل شيء، حتى أن ميزانيتها هي عبارة عن معونات مقدمة من دول أخرى بينما تذهب الإيرادات إلى بطون الفاسدين.
كما أنه لاوجود لأي ملامح للنظام الجمهوري، ونجد المجلس التشريعي مجلس النواب يرأسه شيخ غير متعلم بالإضافة إلى من المجلس معطل ولايعمل، واخر انتخاب لأعضاءه كان قبل أكثر من عشرين عاما، وفيما يتعلق بإزالة الفوارق بين الطبقات، لاتزال مشكلة كبرى وظاهرة للعيان ولم تتخذ ما تسمى بالحكومة الشرعية أي خطوات ملموسة في هذا الصدد حتى أنها لم تستفيد من تجربة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فيما يتعلق بإزالة الفواق بين الطبقات كحذف الألقاب واعتماد الأسم الرباعي على سبيل المثال لا الحصر في الخطوات التي يمكن أن تتبع لإزالة هذا المظهر المتخلف والرجعي.
الهدف الثاني هو " بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها" وبالنظر إلى واقع الحال نجد أربعة جيوش متناحرة بنيت في إطار عقائد قتالية مختلفة يصعب بل يستحال دمجها وجمعها حيث يمتلك الإصلاح جماعة الإخوان المسلمين فرع اليمن جيش عقائدي بفكر إرهابي داعشي في تعز ومأرب وجزء من حضرموت، ويمتلك طارق صالح او مايسمى بالمقاومة الوطنية جيش في المخا وجزء من الحديدة وهو جيش بعقيدة الإنتقام للرئيس علي عبدالله صالح "عفاش"، كما يمتلك المجلس الانتقالي جيش بني على أٍساس إستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ويمتلك رئيس مجلس القيادة جيش يسمى درع الوطن وهو جيش بنته السعودية لتخلق توازن وقوة عسكرية داعمة لشخص رئيس مجلس القيادة الرئاسي. وبالنظر إلى هذه الخارطة العسكرية المعقدة والمتناقضة نلحظ أن بناء جيش قوي هو أمر شبه مستحيل.
الهدف الثالث هو " رفع مستوى الشعب اقتصاديا" واجتماعيا" وسياسيا" وثقافيا" وهذا الهدف يظهر للمتبع للأمر أن ماحدث منذ إنقلاب نوفمبر 67م وحتى اليوم أن ما يحدث هو العكس تماما، حيث نمشي في تدني تدريجي منذ السبعينات وحتى اليوم لمستوى الشعب الإقتصادي والمعيشي حيث يزاد التخلف والجهل وترتفع الأسعار وتقل الأجور وتنعدم فرص العمل وتزاد البطالة، ويطال هذا التدهور إلى المستوى السياسي والثقافي، ونجد أن الحكومة الشرعية ومايسمى بمجلس القيادة الرئاسي لم يفعلوا أي شيء يذكر لرفع مستوى الشعب الإقتصادي والإجتماعي سوى الإحتفالات الخادعة بهكذا مناسبات. والهدف الرابع " انشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد انظمته من روح الاسلام الحنيف" وبالنظر إلى هذا الهدف نجد أن الشعب نفسه قد يأس حتى من الوصول إلى ابسط مقومات المجتمع الديمقراطي، إذا لا ملامح ولا أسس ولا ممارسات تحدث لخلق هذا المجتمع الديمقراطي، بل تحاصص وعصابات تتحكم بمناصب الدولة بينما ترمى الكفاءات وتدفع بشكل كبير للهجرة والتشرد، ولا وجود أو دعم أو تشجيع للتعاونيات.
الهدف الخامس هو " العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة" وبالنظر إلى هذا الهدف يصاب المتابع بالإحباط إذا أصبح التقسيم للمجتمع ليس على أساس شمال وجنوب فقط بل أصبح الأمر تقسيم دويلات أذ يحكم حزب الأصلاح دولة بمفرده يتحكم بكل شيء بناء على ايدلوجيته ويتحكم الانتقالي بمناطق سيطرته بما يحلو له وينطبق الأمر على مناطق سيطرة طارق صالح، والأدهي من ذلك أنهم قسموا الشعب إلى طبقات طبقة حاكمة مستفيدة من الإيرادات والضرائب وفي غنى مستمر وطبقة كادحة تعيش على المساعدات وفي فقر وتدني معيشي مستمر.
وبناء على ماسبق فأن كلا الحوثيون والشرعية منقلبان على ثورة 26سبتمبر وأن ما يحدث من تخدير الناس بإحتفالات خادعة هو ضمن سيناريو الإنقلاب على اهدف الثورة بتجهيل الناس واستغفالهم وتعميق الاستبداد السياسي والثقافي والاجتماعي.