يهدد طرفا الحرب المحليين (السلطة الشرعية وجماعة انصار الله) تصريحاً وتلميحاً، بما في ذلك من خلال التحشيدات والاستعراضات العسكرية، بالعودة إلى الحرب، غير أن عودة العمليات العسكرية الواسعة ليست محتملة، أما الأسباب فعديدة وأهمها:
أولاً. تأتي هذه التهديدات نتيجة فشل التفاوض بين السعودية والجماعة، وتستهدف بالأساس الضغط لتحسين المواقف التفاوضية للطرفين.
ثانياً. أًصبح قرار الحرب والسلام وبصورة حاسمة قراراً خارجياً وإقليميا على وجه الخصوص. وفي السياق شكل التقارب السعودي الإيراني عاملاً حاسماً في معادلة الحرب وخيارات أطرافه. وإن لم ينعكس هذا التقارب في دفع عجلة السلام للأمام حتى الآن إلا أنه يضمن تجميد الصراع.
ثالثاً. لم يعد قرار العودة إلى الحرب سهلاً، فلذلك اليوم مخاطره بالنسبة لجميع الأطراف.
1. جماعة انصار الله:
مع الاعتراف بتمتعها باستقلال نسبي عن إيران إلا أن الأمر لا يتعلق بالقدرة على اتخاذ قرار الحرب وإنما بنتائج القيام بذلك، فالأمر لن يكون بالتأكيد متوافقاً مع الرغبة الإيرانية في التهدئة، وليس فقط أن التصعيد يهدد التقارب مع دول الخليج ولكنه يهدد كذلك المباحثات غير المباشرة حول ملفها النووي والتي تقول التقارير إنها تجريها مع واشنطن، وسيمثل قيام الجماعة بالتصعيد عموماً إحراجاً لها (إيران) وتشكيكاً في نواياها. أي أن هناك الكثير على المحك بالنسبة لطهران، التي يصعب على الجماعة التنكر لها ولمواقفها مهما كانت رغبتها في استئناف الحرب.
وخلال الأشهر الماضية استمر إعلام الجماعة في اتهام السعودية بارتكاب انتهاكات عسكرية، بما في ذلك قيام قواتها باستهداف مدفعي وبالطيران المسير لمناطق حدودية في صعدة. إن استمرار هذه الاختراقات السعودية التي يتحدث عنها إعلام الجماعة دون رد من الأخيرة (على غير العادة) يعطي مؤشراً على صعوبة معاودة العمليات العسكرية عبر الحدود. والثابت أن خيارات الجماعة أصبحت محدودة، وليس من بينها إرسال الصواريخ والمسيرات عبر الحدود، وتقتصر على التصعيد في بعض الجبهات الداخلية (وليس كلها). وغير ذلك، يبدو أنها تراهن على "الحرب الاقتصادية" وعلى أن منع تصدير النفط ونتيجة الأعباء التي سيفرضها على الخصوم (بما في ذلك السعودية) قد يكون كفيلاً بالحصول على التنازلات التي تريدها.
2. السلطة الشرعية (بمكوناتها):
مازالت تفضل الحرب ليس فقط بسبب اعتقادها بعدم إمكانية التوصل مع الجماعة إلى اتفاق سلام معقول ولكن باعتبار يقينها أن الأخيرة لن تلتزم بأي اتفاق يمكن التوصل إليه، لكنها بطبيعة الحال غير قادرة على التحرك العسكري بالضد من رغبة السعودية والإمارات اللتان تحرصان بكل قوة على تجنب معاودة الحرب. وغير ذلك، هناك الانقسام الذي تعاني منه اليوم مضافاً إليه التوتر الحاصل في حضرموت وربما في منطقة الصبيحة وباب المندب. وبكلمات أخرى ليس بيدها قرار الحرب ولا السلام، وتهديداتها الخجولة وغير الصريحة ليست أكثر من رد فعل على تهديدات الجماعة، والغالب أنها بإيحاءات من الرياض.