تصريحات رئيس المجلس الرئاسي رشاد العلمي لصحيفة الشرق الأوسط، التي قال فيها بشأن القضية الجنوبية ”نؤمن تمامًا بأنها قضية عادلة، والحديث عنها في هذه اللحظة أو نقاش حلها في هذا الوقت قد يكون غير مناسب، فعندما نستعيد الدولة، سنضع كل شيء على طاولة الحوار والنقاش، ونضع المعالجات بالحوار وليس بالعنف أو الفرض”.، هي تصريحات موضوعية، منسجمة مع الموقف الدولي، ومع الإرادة اليمنية، ومعبرة عن استعادة المجلس الرئاسي لموقعه، إذ يبدو أنه في طريقه لأن يتحول من مجرد مجلس صوري إلى مجلس قيادة فعلي، في حين أن ردود الأفعال التي أطلقها المجلس الانتقالي، سواءٌ عبر البيان الذي نُسب إليه أو كتابات بعض قياداته ونشطائه، ليست سوى استمرار للخطاب الشعبوي الذي لم يقدم مكاسب فعلية للقضية الجنوبية.
فأي تصور لعرض القضية الجنوبية ووضع سيناريوهات لحلها في الوقت الراهن يُعد قفز على الواقع، وعدم استيعاب لأولويات اللحظة الراهنة، إن لم يكن محاولة لإعاقة المسار الذي بدأت السلطة الشرعية بانتهاجه، فتصريحات رئيس المجلس الرئاسي، تقترب إلى حدٍما من مواقف القيادات الجنوبية المستوعبة للواقع الراهن ولحجم التحديات التي تحيط باليمن، وهنا استحضر موقف القيادي البارز في الحراك الجنوبي، محمد علي أحمد، رئيس الحراك الجنوبي السلمي، عندما دُعي من قبل المجلس الانتقالي للعودة إلى أرض الوطن، في أغسطس الماضي، للمشاركة في الاستحقاقات الجنوبية، فلم يخدعه – حينها - السراب المتمثل في إخضاع المزيد من المحافظات الجنوبية لقوة المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات والخاضع لتوجيهاتها، حيث رأى أن غياب الدولة اليمنية وفقدانها لسيادتها ليس اقترابًا من استعادة دولة الجنوب المستقلة التي سعى إليها هو قبل غيره، بل اختفاء للشروط والركائز التي يفترض أن تتوفر لتحقيق الاستقلال الذي ينشده.
فمن الأهمية بمكان أن يستعيد اليمن سيادته ويتحرر من الوصاية، التي خضع لها بموجب البند السابع، إذ لا سبيل للوصول إلى الغاية المتمثلة في استقلال الجنوب واستعادة دولته قبل استعادة الدولة اليمنية وتعافيها ورفع الوصاية عنها واستقلال قرارها السياسي، كمقدمة لتفاوض ندي جنوبي شمالي، استنادًا إلى مرجعيات تم التوافق الوطني حولها، ومنها: مخرجات مؤتمر الحوار - صنعاء 2013م، والكلام للقيادي الجنوبي.
فما يميز هذه المواقف السياسية الرصينة للقادة الجنوبيين الأوائل وعن مواقف القادة الجدد أن الأولى كانت ولا تزال تدرك أن أي اضعاف للحكومة اليمنية لا يخدم القضية الجنوبية التي تعد شأنًا داخليًا يتم حله عقب استعادة الدولة من خاطفيها، فأي قفز على هذه الحقائق من شأنه تقويض السلطة اليمنية الشرعية التي تمثل اليمنيين، جنوبًا وشمالًا، والتي يعد التمسك بها وتأييدها ومساندتها طوق نجاة لليمن شماله وجنوبه.
فمثل هذه المواقف السياسية الجنوبية تستحق الاحترام، لأنها تنم عن وعي بما يدور، وليس أدل على صدقها مما حدث في الآونة الأخيرة، فالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي توهم أنه نجح في إقصاء الفصائل السياسية الأخرى في الحكومة الشرعية، عندما بسط سيطرته على العديد من المحافظات الجنوبية، ربما تبين له الآن أنه لم يكن سوى مجرد بيدق، وأداة بيد الممول الذي يضرب الفصائل اليمنية ببعضها، وحتى لا تصبح مختلف المكونات السياسية اليمنية ضحايا لمسرحية تراجيدية، هدفها القضاء على أي مناخ سياسي يسمح بالحوار بين اليمنيين ويُتيح لهم حل قضاياهم واستعادة دولتهم، خدمة لأجندات خارجية تستدعي جعل المشهد السياسي اليمني يبدو عصيًا على الحل.
لذا من المهم ألا يُلدغ المجلس الانتقالي من الجُحر الواحد مرتين، فإعادة انتاج الصراع داخل صفوف الحكومة الشرعية - التي هو شريكٌ فيها - لا يصب في اتجاه استعادة الدولة وسيادتها، بما يمثله وجود الدولة الفعلي والرمزي من مقدمة لا عنًا عنها لحل القضية الجنوبية وغيرها من القضايا، فمن دون استعادة الدولة وضمان قوتها وحضورها وفاعليتها ستجد المكونات السياسية اليمنية نفسها وقد صارت بيد القوى الإقليمية مجرد كروت محروقة، يسهل التخلص منها كلما تعارض بقاؤها مع مصالح هذه القوى.
*من حائط الكاتب على فيسبوك