المال والنساء، أسلحة خطيرة ودنيئة؛ لتقويض الخصوم في عالم السياسة. أعترف أني لم أكن أخذ مسألة الفضائح الجنسية على محمل الجد، كنت أعتبرها سلوكًا بدائيًا لم تعد فعالة كثيرًا في عالم اليوم. أقول: الناس يتقدمون في منطقهم الأخلاقي كل يوم أكثر ويفصلون بين الحريات الخاصة والمواقف العامة، تلك مكاسب "الحياة الليبرالية الحديثة" فالوعي العام بات مدركًا لهذه الآلاعيب الماكرة. الناس قد يتسامحون مع رجل يضاجع فتاة مهما كان تعريف العلاقة بينهما؛ لكنهم لن يغفروا له عبثه بالصالح العام.
ماذا لو تورط شخص ما، بما يُدعى "فضيحة"
حسنًا حتى لو وقع ، كيف يمكن لسياسي ذكي أن يعجز عن المناورة وتحرير إرادته السياسية أو يتهاوى، لمجرد وقوعه ضحية لهوى عابر..استجمع شجاعتك واصعد نحو السطح، اخلع ملابسك، دع اعضاءك التناسلية مكشوفة للريح، وقل : أيها الرب، أنا عبدك المسكين، مخلوق هش، مصنوع من طين وماء، اغفر لي ايها العلي الكبير، أخطأت بالأمس، وقد أقع مستقبلًا في خطيئة مماثلة؛ لكني أرفض أن أفرط بمصالح الناس، أرفض أن تكون خطيئتي الخاصة، جسرًا نحو خطيئة عامة أشد.. لا أتقبل أن تُصادر حقوق الناس، وتُباع الأوطان بسببي. امنحني القوة أيها العلي لمواجهة كل هؤلاء الأنذال..ولتكن خطيئتي معبرا نحو الفضيلة والقوة.
كنت أقول: قصة الفضائح الجنسية" للساسة، هي فانتازيا ذهنية يضخمها الخيال الشعبي المحروم، أكثر من حقيقتها الواقعية. إنها ليست فكرة مركزية لتفسر سلوك النخبة السياسية في البلاد وتواطؤاتها، هناك أسباب أخرى لهوان الساسة، غير فكرة" السيديهات" خراب الضمير الوطني، ضيق طموحهم، أنانيتهم الخاصة، غياب الرقابة الشعبية.. ؛ لكن الواقع كل يوم، يثبت العكس، فالحساسية الشعبية تجاه موضوع "الجنس" تمنح هذا السلاح فعاليته. حساسية لا تقوم على معايير أخلاقية مضبوطة؛ لكنها تستند للخيال الشعبي المكبوت. ومنها تستمد فعاليتها.
شيئًا فشيئًا بت مقتنعًا أن سلوك النخبة السياسية لا يمكن تفسيره بأي منطق واقعي، سوى وقوعهم ضحايا لابتزاز رخيص كهذا..وافتقادهم للقوة الذاتية؛ لمحاصرة التهديدات الأخلاقية ضدهم. هذا العجز الشامل للساسة وخذلاناتهم والخمود الكلي لمواقفهم، كل هذا، لا يمكنه أن يغدو مفهوما مهما حشدت له من الأسباب الواقعية، فهناك سبب مجهول، مصدر شلل عام، قوة تهديدية مسلطة فوق رقاب الجميع، هي ما تجعلهم بهذا الخدر والاستلاب التام..إنها مشاعر الخطيئة وما تخلفه من ذل في النفوس.
فكرة " السيديهات" فعالة لتفسير حكاية الساسة، الجنس سلاح خطير، لا يمكن الاستهانة بدوره المركزي في التحكم بصناعة السياسات، تحييد وتجريد أي صوت فاعل من الساحة ودفعه للانزواء..مهما كان دوره سلبيا أو إيجابيًا.
هذا الشلل المطبق من قبل النخبة السياسية، يمنح هذا التفسير وجاهة، أي خوف صاعق أصابهم، خوف قادر على تحويل عشرات ومئات وربما آلاف الساسة لنسخ متبلدة تتقبل المداهنة، تتحرك بشكل متماثل وتتصرف كمخلوقات مرتجفة منذ سنوات..أليس فيكم رجل تحترق روحه كل يوم على مصير بلاده.. ؟ واثق من نزاهة تاريخه، وإن وقع تحت قيد ما فهو يملك الشجاعة الكافية لتجاوز قيوده.
إنه الخوف من العار بمفهومه الإجتماعي، الكثير واقع تحت سطوة هذا الكابوس، الخوف من العار وقد تحول لعار بذاته، خوفك من الانكشاف التام، هو ما يجعلك متجمد مكانك تنتظر مصيرك المحتوم؛ بدلا من محاولتك مدافعة هذا الواقع وكسر التهديد المفروض عليك..العار الكبير هو العبث بمصير الأوطان..وتقبلك للإبتزاز مهما كان نوعه.
#علي_الكثيري ، الناطق باسم الإنتقالي، نموذج لضحية والقادم أكثر هوانًا، هو رجل يعمل لصالح أجندة تافهة؛ هذا هو المآخذ المركزي ضده، أما الاحتفال بتعريته بفضيحة جنسية، فهو لؤم، مهما كانت الأسباب.
عزيزي المسؤول: علي الكثيري وغيره..أنا متعاطف معك اليوم، ليس لكوني متخوف من شيء، فأنا رجل واثق بنفسه وسلوكه وتاريخي الشخضي نظيف جدا وبلا مخاوف، لكني مؤمن أن اللجوء لسلاح الفضيحة، سلوك دنئ وأن مصير شعب أكثر فداحة من انكشاف نزوة عابرة..ما أنت مطالب بمراجعته هو سلوكك العام. نزاهة الموقف.
كل شيء قابل للمغفرة باستثناء تورطكم في تدمير حياة الملايين، متاجرتكم بقضايا الشعب، عجزكم عن تأمين مستقبل الأجيال. هذه هو السقوط المركزي، خيانة كونية لا يمكنكم طمسها بسهولة.. ما عدا ذلك هي أمور هامشية يتوجب أن تتحرروا منها. اخرجوا للناس، تماسكوا كي تعترفوا بمخاوفكم الداخلية، نحن شعب طيب، لن نترككم تصارعوا خوفكم الخاص على حساب الخوف العام المستشري في كامل البلاد.
قبل النضال الشعبي للضغط على النخبة بغرض مراجعة مواقفها الوطنية، يتوجب أن يحتشد الناس لتحريرهم من كابوس الفضائح الجنسية ..لا يمكنكم أن تسهموا في تحرير شعب وأنتم واقعين في ظرف يصادر إرادتكم الحرة، لا تدعوا خطئية شخصية عابرة تعطل مصير أمة من الناس، صارحونا كي نساعدكم في التحرر من مزالقكم.. هذا أهون من أن تواصلوا العبث بمصيرنا ونسير معًا نحو هاوية بلا قرار، حينها لن نتقبل منكم شئيًا ولو قدمتم أنفسكم كقرابين للصلب في كل ساحة وميدان عام، فما عاد في الوقت متسع للمغفرة وقد صار كل الشعب في الجحيم..وأنتم عراة في قلب المحرقة..
*من صفحة الكاتب على فيسبوك