ارتفعت جدية التخوفات اليمنية على الشرعية بعد التحركات الأمريكية والبريطانية والإماراتية التي تريد نقل صلاحية الرئيس هادي إلى مجلس رئاسي ، الهدف منه ليس إصلاح الشرعية ، بل إسقاط ما تبقى من شرعية لليمنيين ، يتزامن ذلك مع قدوم المبعوث الأممي الجديد الذي ستكون مهمته إسقاط القرار 2216 , الذي قامت عليه الشرعية في مقابل انقلاب الحوثي على الدولة اليمنية ، وقد صرح بذلك في مناسبات عدة قبل أن يكون مبعوثا أمميا ، فهو يصطف مع عصابة الحوثي ويتعاطى مع توجهاتها .
أغلب اليمنيين لهم موقف من الرئيس هادي ويتهمونه بما يتهمه الامريكان والإماراتيون بعدم القدرة على إدارة الشرعية ، لكن ما يخطط له الأمريكان والإماراتيون ، يهدف إلى إزاحة الرئيس من منصبه وخلق جسم بديل ، يتمثل بمجلس رئاسي ، بمجرد ما تنتقل شرعية الرئيس إلى المجلس الرئاسي تسقط الشرعية الدستورية التي مازلت مبقية على اليمن في المحافل الدولية ، وتتوزع الشرعية بين أعضاء مجلس الرئاسة ، وبمجرد انسحاب أو خروج أحد الأعضاء تسقط شرعية مؤسسة الرئاسة ، مثلما سقطت شرعية الحكومة بمجرد طرد الانتقالي لها من عدن .
منذ أن دخلت الإمارات إلى اليمن تحت لواء تحالف دعم الشرعية وهي تعمل على إنشاء أجسام بديلة وقيادات جديدة تابعة لها وليس لليمنيين ، فهي تقدم نفسها على أنها ضد حزب الإصلاح ومع حزب المؤتمر ، لكنها تبنت قيادات مؤتمرية طيعة وسهلة القيادة ، ولم تدعم أحمد علي عبدالله صالح الذي يقيم في أبو ظبي رغما عن إرادته ، لأنه كما تقول المعلومات رفض العمل بالشروط الإماراتية ، لذلك لم تتقدم خطوة واحدة فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة عليه .
تريد الإمارات ترسيخ الفوضى في اليمن ، لكي تتمكن في خضم ذلك من زيادة تأثيرها إلى أقصى حد في التطورات السياسية في اليمن ، وبصورة غير مباشرة في المملكة العربية السعودية ، ففي الوقت الذي رحبت بتشكيل الحكومة علنا، التي ولدت من رحم اتفاق الرياض وبرعاية المملكة العربية السعودية ، أوعزت لحلفائها وأدواتها من المجلس الانتقالي الشريك الرئيسي في اتفاق الرياض ، لمنعها من العمل في العاصمة المؤقتة عدن .
تحاول الإمارات العمل على إزاحة الرئيس من خلال خيارين :
الخيار الأول من خلال الدفع برئيس البرلمان ، لكنها تجد عائقا أمام هذه الخطوة ، تتمثل بوجود النائب الذي يحق له أن يحل دستوريا محل الرئيس ، لذلك هي تفضل الخيار الثاني المتمثل بالمجلس الرئاسي الذي انضمت إليه أمريكا وبريطانيا ، وإذا تعذر هذا الخيار فإنها ستلجأ إلى الخيار الأول حتى لو ألجأها ذلك إلى التخلص من الرئيس والنائب بطريقة ما .
هناك تقارب أمريكي إماراتي في الأونة الأخيرة ، بعد أن كانت الإدارة الأمريكية في عهد ترامب تقف على مسافة واحدة من محمد بن زايد ومحمد بن سلمان ، لكن بعد أن أقدم بن زايد على التطبيع مع إسرائيل ، حرفت الإدارة الأمريكية الجديدة اهتمامها عن السعودية واقتربت أكثر من أبو ظبي .
وبسبب من ذلك وأسباب أخرى منها ، بعد أن فرضت نفسها في اليمن وأصبح لديها مليشيات قادرة على إحداث الفوضى ، تجرأت على الشرعية السياسية اليمنية وعلى السعودية وبدأت في مواجهة السعودية في عدة ملفات ، منها إنتاج النفط إلى الحسابات الجيو سياسية الأوسع ، فلن يقبل محمد بن زايد بأقل من التفوق على محمد بن سلمان في نيل الحظوة لدى واشنطن ، فهو يرى بلده منافسا للسعودية وليس شريكا صغيرا .
وقد برر الإماراتيون مواقفهم أو اصطفافهم إلى جانب المجلس الانتقالي الانفصالي أن الرئيس هادي تنقصه الكفاءة وأنه يقبع في مجمعه في الرياض ، ويغفلون أنهم منعوه من العودة ومنعوا طائرته من الهبوط في مطار عدن بالقوة ، ولا يكتفون بخلافاتهم مع الرئيس بل تمتد إلى نائبه الذي يتهمونه بأنه يدعم الإسلاميين وتحديدا حزب الإصلاح .
بعد أن تمكنت الإمارات من انتزاع موطئ قدم استراتيجية في اليمن تريد تقويض الشرعية اليمنية وتقويض النفوذ السعودي في الفناء الخلفي ، أو كما يسميها رئيس البرلمان الذي انضم مؤخرا إلى الحلف الإماراتي بالحديقة الخلفية والذي تفيد تقارير إعلامية عن طموحه في خلافة هادي ، وقد أقنع الإماراتيين بأن تجاوز النائب سيكون سهلا باعتباره زعيما للإخوان في اليمن وسيتم التعامل معهم على الطريقة التونسية .
خلاصة القول إن اليمن قادمة على فوضى جديدة ربما تجعل اليمنيين على أول طريق الصوملة ، لأن الطريقة التي تجاري بها واشنطن أبو ظبي في استبدال الرئيس تهيء لتقويض الشرعية واستبدالها بالفوضى ، فلماذا لا تعطى الفرصة للشعب اليمني ليختار قياداته ، والخطورة كما قلنا لا تتمثل في استبدال الرئيس هادي فلربما هناك الكثيرون ممن يذهبون هذا المذهب ، بل تتمثل في الإصرار على تصفية الشرعية الدستورية ، والسؤال الذي يطرح نفسه : هل سيظل الرئيس متفرجا على ما تقوم به أمريكا وبريطانيا والإمارات ، أم أنه سيفاجئ الجميع بقرارات تفشل ما يخططون له ، مثلما فعل في مرات عديدة ؟