كان قدر اليمنيين مع فبراير، وكانت ثورة فبراير الإجابة المنطقية لسؤال احتار اليمنيون في إجابته لعدة عقود، غير أن الثورة، وهي في طريقها لحل الأسئلة المتشابكة والمعقدة، اصطدمت بعوائق أسهمت بتعثرها، وحالت دون قدرتها على إكمال المسار، بالرغم من توفر شروط الثورة واكتمال أسبابها.
افتقرت فبراير لوجود مؤسسة عسكرية محايدة، تضمن عملية التحول الديمقراطي، وتحمي مؤسسات الدولة، بما فيها مؤسسة الرئاسة والمؤسسات الدستورية الأخرى؛ فقد عمل صالح خلال سنوات حكمه على بناء مؤسسة عسكرية حكمتْها شبكة المصالح و الروابط العائلية، فعيّن أنجاله وأقاربه على رأس تلك المؤسسة.
(نجله أحمد علي قائدا للحرس الجمهوري والقوات الخاصة، يحيى صالح (ابن شقيقه) أركان حرب الأمن المركزي (خلفا لأبيه محمد عبدالله صالح)، طارق صالح (ابن شقيقه) قائدا للحرس الرئاسي الخاص، عمار صالح (ابن شقيقه) مسؤولا عن جهاز الأمن القومي، محمد صالح الأحمر (الأخ غير الشقيق للرئيس) قائدا للقوات الجوية وقائدا للواء السادس طيران، علي صالح (الأخ غير الشقيق) مستشارا لمدير مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة، محمد علي محسن (ابن عمه) قائد المنطقة العسكرية الجنوبية الشرقية، خالد صالح (نجل صالح) قائد اللواء الثالث مشاة جبلي)، فضلا عن العشرات من أبناء قريته وأقاربه وأنسابه وأصهاره.
وبطبيعة الحال فقد وقفت المؤسسة العسكرية بصف صالح في مواجهة الثورة، وفي الوقت الذي كان يفترض أن تحمي مؤسسات الدولة، تخندقت مع جماعة الحوثي، وقادت بالاشتراك معها انقلابا مسلحا استهدف قوى الثورة في المقام الأول، وجعل الطريق ممهدا أمام الجماعة؛ للاستيلاء على مؤسسات الدولة، وأوصل البلد لما هو عليه الحال الآن.
في الخط الموازي كان هناك فصيل يرأسه وزير الدفاع محمد ناصر أحمد، يتحرك تحركات مشبوهة، يظهر تارة مع أبو علي الحاكم، أثناء زحف الجماعة باتجاه همدان، وفي المقابل يغيب أخرى عن معركة البوابة الشرقية لصنعاء، في مدينة عمران، وهي المعركة التي مهدت لسقوط صنعاء؛ ليصرح في نهاية المطاف، أثناء اقتحام الجماعة لصنعاء، بأن لديه توجيهات بعدم مواجهتها؛ من أجل إتاحة المجال لوساطة قائمة بين الدولة والجماعة، وبعد سقوط صنعاء حزمَ محمد ناصر أمتعته وطار إلى أبوظبي، البلد الذي عمل لحسابه، بحسب اتهامات مسؤولين يمنيين.
لم يكن هذا ما أعاق مسار الثورة فقط، فقد كانت هناك أسباب نالت من الثورة، بالقدر الذي نالت منها المؤسسة العسكرية، والمؤسف أنها من داخل المعسكر الثوري نفسه، فالصراعات الحزبية التي اندلعت بين مكونات الثورة قد انسحبت على الموقف الثوري العام، فخدمت الانقلاب ومنحته أسباب الانتصار.
عجزت تلك المكونات عن التفريق بين ما يمكن أن يُختلف فيه وما لا يجوز فيه الخلاف، واختلط العام بالخاص لديها، فوصلت حدا من الصراع والتناقض، وهو صراع استفاد منه الانقلاب، ومازال يخدمه حتى الآن.