لأسباب كثيرة، غامضة وواضحة، لا أستطيع كراهية علي محسن بشكل حاد، أحتفظ بشيء من الإجلال تجاه كل مسؤول كان له موقف مشرِّف من ثورة فبراير ومن الجائحة الحوثية منذ البداية، لا أستطيع محاكمتهم بمعايير قاسية فيما يتعلق بماضيهم، الرجال الذين انحازوا لأحلامنا في لحظة عصيبة، لا يمكن وضعهم في سلة واحدة مع أولئك الذين حرسوا قلعة النظام حتى النهاية أو تواطؤوا مع هدم الدولة فيما بعد.
علي محسن في مقدمة هؤلاء القادة الذين استشعروا حقيقة اللحظة التأريخية وأبدوا استعدادهم للتجاوب معها والعمل بمقتضياتها، ليس منزّهًا تماماً؛ لكنه لم يساير العبث حتى النهاية ولم يقامر بمستقبل البلاد دفاعًا عن إرثه الشخصي أو انتقامًا من هذا الطرف أو ذاك، وبصرف النظر عن دوافعه، ما هو مهم أنه اتخذ خيارات صائبة، وقف على الجانب الصحيح من التأريخ وتعامل بمرونة صادقة مع تغيرات المرحلة..وما يزال
النقمة المبالغ بها تجاه محسن، تجعلني أتشكك في طبيعة الكراهية المتضخمة ضدّة ودوافعها، كل تحريض يأخذ طابع الشيطنة، يفتقد للموضوعية ويبدو أقرب للتربص المنفلت منه للحكم النزيه والمجرد تجاه الرجل.
كان محسن جنرالًا له نفوذه داخل الدولة، ويعمل داخل منظومة مختلة، ومن الطبيعي لضابط يشتغل داخل نظام متفسخ، أن يتحمل جزء من اختلالات هذا النظام، في أحايين كثيرة، اختلالات الساسة لا تكن أخطاء اختيارية، طول عملهم داخل بئية معينة، تجعل انحرافاتهم أشبه بسلوكيات إجبارية تحدث بذاتها، هذا ليس تبريرًا للمسؤولين؛ لكنه تفسير يقرأ أفعالهم في سياقاتها.
بالنسبة للسعودية، لا تهاجم محسن لكونه فاسدًا؛ بل رغبة منها بإذلال كل القادة اليمنيين، والإمعان في استلابهم، هناك مزاج سياسي طائش لدى الإعلام السعودي، يشتغل خارج سياق التقاليد السياسية للملكلة ويهدف لابتزاز الحلفاء، ليس على المستوى السياسي السري والغرف المغلقة، بل وفي واجهات الصحافة وعناوين الأخبار.
إذا كان محسن والنخبة اليمنية متهمون بالفساد، فلليمني وحده حق تسوية وضعهم، كما أن السعودية ليست في موضع يؤهلها لتكن حارسة لقيم العدالة والنزاهة، فلها تأريخ طويل في إغراق الحياة السياسية بالمال السائب، وهي خطة ممنهجة تهدف من خلالها لاحكام قبضتها على النخبة، من خلال التواطؤ مع مظاهر الفساد وبما يفقد المسؤولين أي قدرة على مناهضتها في المواقف الكبيرة.
لا نقدس أحدًا أو نبرئه من التهمة؛ لكننا لا نمنح أحدًا حق محاكمة أي يمني، لأهداف لا علاقة لها بالحرص على مصيرنا، بل بالرغبة بالتوغل أكثر في حياتنا الخاصة وتنصيب أنفسهم قضاة يفصلون في قضايانا الصغيرة والكبيرة، وكأنهم وصاة أبديون لإحقاق الحق في هذه البلاد وليسوا مجرد لصوص غرباء على رأس لائحة الإتهام.
أؤمن أن 90% من النخبة اليمنية باتت عاطلة عن أي فاعلية ويتوجب أن تفسح الطريق لدماء جديدة، لكني بالمقابل أشعر بدافع عفوي للإنحياز لكل شخصية يمنية تطالها إساءه العربان. الشعوب النبيهة تذود عن أبناءها إزاء تعريضات الأخرين وتحاسبهم بنفسها.