في ظل الوتيرة المتسارعة للكم الهائل من المعلومات المتداولة والتساؤلات حول انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد- 19)، كنت أتبادل و أحد الأصدقاء أطراف الحديث، فسألني هل سننجو من هذه الكارثة؟
توقفت عن الكلام للحظات، ثم كان جوابي "نسأل الله السلامة".
كان المشهد الضبابي الذي يخيم على ناظري و انا اجُيب على صديقي، هو تجاوز حالات الإصابة بفيروس كورونا حول العالم حاجز (نصف مليون إنسان – 500 ألف نسمة)، وعدد الوفايات ما يقارب 22 ألفا، و دولاً عظمى تقف عاجزة و مكبله أمام التسارع و الخسائر المهولة التي يسببها انتشار الفيروس.
فقد كشف فيروس كورونا عن تأثير الانخفاضات المتتالية في ميزانية خدمات الصحة للدول حول العالم، لصالح الهيمنة العسكرية و سباق التسلح؛ عن هول الكارثة و هو ما جعلها تعاني من نقص الموارد و سوء التجهيزات في مواجهة الوباء. و مثل الأوبئة الأخرى السابقة، سوف يحصد فيروس كورونا أرواح الفئات الأكثر تهديداً: كبار السن، و المشردين، و السجناء، و المهاجرين المحرومين من الحصول على الرعاية الصحية، و من يعانون من حالات مرَضية وصحية مثل السرطان و غيرها من الأمراض المُزمنة .
كما إن الفجوة الحاصلة بين الدول ( دول غنية – دول فقيرة) يطرح تساؤلاً حول إمكانيات الدول العربية في مواجهة أية عدوى محتملة، أو إمكانيات تقديم العلاج للمصابين، خاصة أن الحديث عن إمكانية "عولمة الفيروس" ممكنناً بسبب العلاقات السياسية و الاقتصادية لدى الصين و باقي الدول؛ حيث تتفاوت طبيعة الدول العربية من حيث المؤشرات الصحية، و الرعاية الطبية و معدلات الوفايات، و يعود هذا غالباً لوضع الدولة الاقتصادي. فبينما تتمتع دول الخليج العربية، و الدول النفطية بمؤشرات صحية متوسطة، فإن الدول العربية الفقيرة التي تعاني من الصراعات المسلحة مثل (اليمن، الصومال، و ليبيا)، تعاني من مؤشرات صحية سيئة، و هذا يجعل التعامل مع فيروس كورونا متفاوتاً و مختلفاً بين القطبين.
بالرجوع إلى حديثي مع صديقي الذي أطلعني على كيفية الوقاية الشخصية والاحترازية من الفيروس، كان مشهد انهيار مؤشرات الاقتصاد العالمي يتعاظم شيئاً فشيئا، ينذر معها بكساد و أزمة ستعصف بإمبراطوريات مالية عظمى، على الرغم من المحاولات المتكررة التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها من الدول الاقتصادية للحد من الآثار السلبية المترتبة على تفشي فيروس كورونا، فعلى سبيل المثال لا الحصر خسر صندوق الثروة السيادي النرويجي124مليار دولار منذ مطلع الشهر الحالي، و هو أكبر صندوق سيادي في العالم يبلغ حجمة 930 مليار دولار؛ في المقابل أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر خطة إنقاذ اقتصادي لها منذ الحرب العالمية الثانية، من خلال موافقة الكونجرس الأمريكي على حزمة من المساعدات الاقتصادية بقيمة تريليوني دولار (ألفيْ مليار دولار(، السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الجائحة، ما هو الدور الذي يمكن أن نلعبه نحن العرب في التصدي لهذا الوباء؟
زادت وتيرة النقاش بيننا لتأخذ منحنيات و تساؤلات عديدة؟ و الذي لم يقتصر حدوده على ما نراه و نسمعه على شبكات التواصل الاجتماعي، بل امتدت نقاشاتُنا إلى تحليل بعض من التصريحات والتراشقات التي شهدناها على المستويات السياسية، فهناك من يرى أن الفيروس طُور بواسطة الهندسة الجينية في مختبرات متخصصة، و أن الغرض من إطلاقه ما هو إلا مؤامرة لإحداث تدمير اقتصادي لجهات معيَّنة، أو سعي لتحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة عبر جمع المال المتدفق عبر بيع اللقاحات أو الأدوية المضادة لهذا الفيروس، بينما يرى فريق آخر أن ظهور هذا الفيروس يُعَد حدثاً طبيعياً ضمن ما يُعرف بالتطور الطبيعي الذي يؤدي إلى نشوء مستجد للفيروسات المنتقلة من الحيوانات إلى البشر، و هناك فريق ثالث يرى أن الانتشار حصل نتيجة تسرب - مقصود أو غير مقصود- لهذا الفيروس من داخل مختبرات بيولوجية أثناء إجراء التجارب العلمية عليه بعد أن عُزل من أحد الحيوانات العائلة (الحيوان العائل هو الحيوان الذي يستخدمه الفيروس للتكاثر(، ( كلام كبير باعتقادي لم نناقشه بعمق انا و صديقي، لضيق الوقت و الا كنا توصلنا لحلول سريعة و منطقية للقضاء على الفيروس، كما يفعل العديد ممن يدعون العلم في عالمنا العربية!.
و في لحظة من التأمل! تزاحمت التساؤلات في مخيلتي حول الأوبئة و الأمراض التي تفتك و تدُمر المجتمع اليمني، و السؤال يطرح نفسه وبقوة، هل المواطن اليمني الذي عانى ويلات الحرب و القهر و المجاعة، إلى جانب تعنت الساسة و فساد أطراف الصراع، معني بكل ما يحدث و يدور في العالم من تفشي للأوبئة، و الانهيار الحاصل في الاقتصاد العالمي، و عجز القطاعات الصحية حول العالم عن كبح جماح انتشار الفيروس؟ الإجابة جزماً ( لا يعنيه صراحة)، فقد تركه العالم يعيش معاناته بمفردة يبحث عن قوت يومه، تطحنه رحى الحروب التي خلفت معها أسوأ أزمة إنسانية في العالم أضعفت معها اليمن واليمنيين، و حرمت معها المواطن من أبسط احتياجات العيش الكريم.
في لحظة من الشتات ظهرت نافدة للأمل المضيء في هذا الحديث، و هي الأخبار التي توثق بأن اليمن الدول العربية الوحيدة التي لم تسجل أي حالات إصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، لكن هذه الإحصائيات تناست أن تُشير بأن في اليمن سقط أكثر من (100) ألف قتيل، و أصبح الملايين فيه على شفا المجاعة بسبب الحرب اللعينة، باعتقادي الشيء الوحيد الذي يعنُى به الشعب اليمني، هو" أن يوحد فيروس كورونا جهود المتحاربين"، و أن ينصاع الطرفان إلى الدعوات و المساعي الرامية لوقف إطلاق النار و التهدئة، و تعزيز إجراءات بناء الثقة، و العمل من أجل منع انتشار فيروس كورونا، و تخفيف معاناة هذا الشعب الذي تملكه اليأس من الوعود الكاذبة لأطراف الصراع.
يقول المؤرخ الطبي فرانك سنودن " الأوبئة لا تدمر المجتمعات، ولكنها تكشف عن نقاط ضعفها و تبرز وهنها، الأوبئة ليست مصائب عشوائية تصيب المجتمعات بشكل غير متوقع و دون سابق إندار؛ بل العكس، تُظهر الأوبئة نتيجة الضعف و مكامن الخلل لدى كل مجتمع".
وبناءً عليه: تظهر مكامن الأوبئة و الخلل في مجتمعنا اليمن، "بموت ضمائر القائمين عليه".
و كما قلت في البداية: " نسأل الله السلامة "