من نورا الجروي، إلى ابتسام أبو دنيا..
هكذا مضت وتمضي "ليالي الشرعية" الكسيحة، وبينهن شعب لم يعرف النور ولا الإبتسام، ولم يذق من مذاق الدنيا إلا ما هو متعلق بكأسها المر وجانبها المظلم!
غادرت "ابتسام" من صنعاء إلى القاهرة مع فريق متكامل، وتم ترتيب أمورها هناك، وفجر اليوم كانت عبر منشور في صفحتها "تلعن" مدير مكتب الرئاسة منها ومن الله وملائكته والناس أجمعين.
طيب ليش؟
في منشور آخر وضحت السبب على أساس أنها اعتذرت عن سوء الفهم، والذي حدث بسبب أنهم قاموا بتغيير حجز الفندق من مكان لآخر، واتصلت به ولم يرد على الفور، وحين رأى اللعنة أرسل لها سائقه الخاص على الفور، وتم إصلاح الخطأ العظيم الذي وقعت فيه مؤسسة الرئاسة للحجز الفندقي والسفريات والسياحة !!
هذه صورة مصغرة للشرعية الهزيلة التي تناوشتنا سهام ضعفها إلى جانب سهام "الشحطة الحوثية" اللعينة.
بقينا محشورين في زنقة تأريخية لم يعرف لها اليمنيون مثيلا بين "حنشان الظمأ" و "خرفان الشرعية" و"كسبها الميتة" !
منذ 5 سنوات عملت مع عدد من الزملاء، لا يتجاوز عددهم 7 في محافظات مختلفة، كمراسلين ميدانيين لقناة اليمن الرسمية.
تعرضنا لكافة أنواع المخاطر، وعلى المستوى الشخصي فقدت جزءا كبيرا من صحتي بسبب هذا العمل وآثاره ومخاطره وفواجعه.
فقدت زميلين عزيزين: وائل العبسي وأحمد الشيباني، وهما من عملا كمصورين متعاونين مع القناة، بطلقات قناصة الحوثي، وبعد أن كانا مصدرا للخبر صارا هما الخبر ذاته، ومجرد تعزية وصورة بلا ألوان في تغريدة تويتر لوزير الإعلام!
أصيب اكرم الراسني صديقي الذي عمل معي لما يزيد عن 3 سنوات، أصيب بشظية في رأسه أثناء تغطيته الإعلامية في إحدى الجبهات شرق تعز ، ولم نستطع حتى اعتماد اسمه ضمن الجرحى.
تخيلوا، طاقم كامل للقناة، مراسل ومصور وفني مونتاج، وأحيانا نجبر على شراء مواد من مصورين آخرين، كل هؤلاء تعتمد لهم القناة الرسمية للدولة مبلغ 1000 ريال سعودي!
ألف ريال للجميع وليس لشخص.
ومنذ أكثر من عام، حتى الألف ضاعت، وصار التعامل بالقطعة، وقد تصل بعض الأشهر إلى انك تستلم أنت وفريقك كاملا مبلغ 50 الف ريال يمني، أي ما يعادل قرابة 80 دولارا.
80 دولار لفريق كامل، طيلة شهر.
فيما بقية القنوات، قد يستلم السائق الخاص لسيارة القناة ضعف هذا المبلغ في اليوم الواحد ركزوا، في اليوم الواحد.
رفضت عدة أعمال في قنوات خارجية محترمة منذ بداية الحرب لا زلت أحتفظ بتفاصيل عروضها، وقلت: القناة الرسمية يصل صوتها أكثر، خاصة ما يتعلق بجرائم ومجازر الحوثيين بحق أبناء تعز، وإدارة القناة أعطتني مساحة واسعة للتغطية دون تقييد، على عكس كثير من القنوات الخارجية التي تضع كثيرا من القيود والإعتبارات حول هذا الأمر.
واليوم، بعد 5 سنوات من الجد والتعب والقلق والمرض، نحن كفريق كامل بلا وظائف رسمية، ولا رواتب.
حين جاء "معين عبدالملك" إلى منصبه، وعدونا بالتثبيت وتغيير الأمور إلى الأفضل، وحتى الآن لم نحصل على شيء رغم تفاؤلي بالرجل الذي صعد من مؤتمر الحوار ومن شباب الثورة، والخارج عن منظومة الحرس القديم، الذي لا يعطي بالا للشباب والجيل القادم.
مرت رصاص الحوثيين من بين أقدامنا ومن فوق رؤوسنا أكثر من مرة ونحن نغطي أخبار الجبهات أكثر من مرة، ورغم الفجائع التي أثرت على "كبدي" إلا أن فواجع الشرعية فعلت بنا أكثر.
قهرها، استغلالها، تجاهلها، واستنزافها لك حتى آخر قطرة!
سافرت للعلاج في القاهرة مطلع 2017، وطلب مني عدد من الزملاء تقديم منحة علاجية لوزارة الإعلام، ولأني أعلم لمن تصرف المنح والسفريات وبدلات السفر والمكافئات والنثريات والمبالغ التي لا يصعب عليهم اختراع أسماء مخارج لها، تغاضيت عن الأمر، ورغم طلب الطبيب العودة بعد عام، لم أفعل أيضا، فيما توزع الدولة منحا علاجية وسياحية بالهبل، لكن لمن تعرف أنهم لا يفعلون شيئا، فهي بالتأكيد ولفرط حكمتها تريد أن تشغلهم بشيء، بدل الفرغة!
حتى طاقم القناة في الرياض رغم أفضلية وضعهم علينا، هم الآخرين يشتكون من أن العمل كله محصور على عدد معين من المسؤولين والموظفين هناك، فيما هناك قائمة بأضعاف ذلك العدد من وكلاء ومدراء عموم وجن وعفاريت، يستلمون رواتبهم بآلاف الدولارات، دون أن يقدموا شيئا سوا إدارة تجارتهم الخاصة.
في كل مرة كنا نريد أن نتحدث، كانوا يحدثوننا عن الاستغلال الحوثي الهاشمي السلالي المنشلوطي السبهللي العنفقيسي لمثل هذه القصص في تشويه صورة الشرعية، وكنا نراعي الظروف حسب قولهم، غير أن محدثينا هؤلاء كانوا هم التشويه الحقيقي، وما أكثرهم.
يتنقل هؤلاء من دولة إلى أخرى، ومن مؤتمر لآخر، ومن عملية شد لأخرى، تلمع وجوههم كأنهم سبقوا الناس إلى الجنة، فيما هممهم باردة كأنها في زمهرير الجحيم!
حتى وهم في الرياض، رياض السعودية وليست رياض الجنة، يصل قاتهم اليهم طريا، وينزل على أفواههم وخدودهم هنيئا مريئا، وتصل قيمة تخزينة ليلة واحدة لشخص واحد إلى ما يحصل عليه مراسل التلفزيون الرسمي في الميدان لعام كامل!
بالطبع، أنا أتحدث هنا عن مشكلة الإعلام كنموذج فقط وليس لحصر مشاكل الشرعية التي لا تنتهي، رغم أن هناك مشاكل ترقى إلى مستوى الجرائم العظام
فأن يترك مقاتل في جبهة، يدافع عن كيان الدولة ونرتب الوطن، بين البرد والريح والشمس والحر وكل التضاريس المختلفة لتسعة أشهر بدون رواتب ولا مستحقات ولا تغذية، فهذه أم الجرائم وأكبر الأوجاع وأشد المآسي والآلام.
الجرحى، الأسرى، المختطفين، المعلمين من غير رواتب، الأطباء المرضى...الخ.
تعرفوا أين المشكلة؟
مشكلتهم أنهم بلا احترام، وكل احترام يقابلون به يظنونه ضعفا وعجزا.
ومشكلتنا أننا لا نحترف الانتهازية، ولا نعرف سبل الطرق الملتوية.
مشكلتنا أننا لا نجيد نشر صورة أمير، ولا التغزل بمسؤول، ولا حتى "اللعن" كما فعلت ابتسام أبو دنيا.
ولفي بينا يا دنيا.
لكننا اليوم نلعنهم كما فعلت ابتسام، وبقلوب ملؤها القهر وفقدان الأمل بمثل هكذا شلة فاسدة "لعنة الله عليكم وملائكته والناس أجمعين" إن استمريتم على هذا الحال، وأوصلتم الناس جميعا إلى حالة فقدان الأمل التام منكم.
لعنة الله عليكم إن اهتممتم بمن جاء قبل ساعات من الصف الذي يقاتلكم، ونسيتم من وقفوا أولا في الصف إلى جواركم، هذا إن وقفتم أصلا !!
سنظل أرفع، بعزة نفوسنا، وكبريائنا، وأهدافنا الكبيرة التي تقاسمناها مع رفاقنا على الأرض، وتحتها ممن غادرونا..
وستبقون في الأسفل، تفتشون كل يوم عن صورة حديثة للأمير "المزلط"، لتقولوا فيه ما لم تقله زوجته، حين انتهاءه من معاشرتها!