حينما سألت رئيس الوزراء الماليزي، الدكتور مهاتير محمد، خلال لقائي معه في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن الأهداف الرئيسية لقمة ماليزيا المصغرة التي دعا إليها زعماءَ كل من تركيا وقطر وإندونيسيا وباكستان، في حين وجَّه دعوات إلى وفود من دول كثيرة أخرى، قال لي: «لو نظرت إلى خريطة العالم لوجدت أن معظم الحروب التي تجري بالعالم تجري في ديار المسلمين وبلادهم، ومعظم الضحايا والقتلى في العالم من المسلمين، ومعظم اللاجئين والمهاجرين من المسلمين، ومعظم المستضعفين في العالم من المسلمين، والأخطر من كل ذلك أن معظم المسلمين يقتل بعضهم بعضاً، لذا فإن هدفنا الأساسي من هذه الدعوة هو البحث عن حلول لإيقاف نزيف هذه الدماء ووقف هذه الحروب، هذا أولاً.
ثانياً: أن نسعى من خلال هذه التغيرات التي تجري في العالم والخرائط السياسية الجديدة لموازين القوى، إلى إيجاد موطئ قدم للمسلمين في هذا العالم الجديد الذي يتشكَّل ولا نبقى متفرجين.
ثالثاً: تحتل قضية فلسطين مكانة مهمة عندي وعند الشعب الماليزي وعند الشعوب العربية والإسلامية بشكل عام؛ لذلك لا بد من البحث عن حلول نُوقف بها الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، لأن إسرائيل سبب رئيسي لعدم استقرار المنطقة».
قلت له: ولماذا هذه الدول الخمس فقط؟
قال: «لقد وجهنا الدعوة إلى دول أخرى، على رأسها المملكة العربية السعودية، ولكن الملك اعتذر، ولم يشأ الرجل المعروف بأدبه الجم ولغته الديبلوماسية العالية أن يكشف لي حقيقة الموقف السعودي وهو ما عرفته بعد ذلك في كواليس القمة وما جاهرت به السعودية بعد ذلك في موقفها المعادي للقمة ، ما عرفته وراء كواليس القمة من مصادر موثوقة هو أن السعودية حينما دعيت وضعت شروطا للحضور خلاصتها أن تكون هي الوصية علي القمة و الحضور والغياب وجدول الأعمال والموضوعات المطروحة ، ولكن رئيس الوزراء الماليزي قال للملك بأدب جم : نحن دولة مستقلة ومن شاء أن يشاركنا الحضور دون شروط فأهلا وسهلا ومن شاء الغياب فهذا قراراه ، أغضب هذا الجواب السعودية فلم تتوقف عند حد الأعتذار أو عدم المشاركة ولكنها سعت لأفشال القمة لاسيما بعدما أخذت القمة اهتماما واسعا لدي الشعوب الأسلامية بشكل عام تلك الشعوب التي تبحث عن أمل وعن قيادة جديية وجادة ومخلصه تعيد للأمة مكانتها وتجمع كلمتها وتضعها علي خريطة العالم كقوة فاعلة وليست مشلولة ، ولأن الدول الخمس التي كانت ستشارك في القمة ـ دون إيران التي لم تكن مدرجة علي جدول الحضور حتى اللحظة الأخيرة علي مستوي الرئاسة ـ تتوفر فيها عوامل القوة الأساسية من حيث عدد السكان حوالي 500 مليون نسمه مما يشكل نواة لسوق قوية ، ويد عاملة وفيرة ورخيصة واقتصاد ينمو بشكل جيد ، وقوة نووية وصناعية عسكرية وتكنولوجية واعدة وانتشار جغرافي واسع ، وزعامات تحمل هم الأمة وتسعي لانتشالها من واقعها.
لذلك فإن عوامل النجاح والأنطلاق كبداية تعتبر جيدة ، ولأن كلا من السعودية والأمارات لها علاقات متوترة بل أكثر من ذلك مع كل من قطر وتركيا اللتين تعتبران ركيزة أساسية في هذه القمة فإن نجاح هذه القمة يشكل ضربة قوية لمحور الدول التي تحاصر قطر وتقاطعها وهي نفس الدول التي سعت للأنقلاب علي الرئيس التركي وشن حرب اقتصادية علي تركيا وتهديد أمن تركيا الداخلي وقتل مواطن سعودي هو جمال خاشقعجي في مقر القنصلية السعودية بطريقة بشعة ومرعبة ، لذلك ضغطت السعودية بوضوح علي باكستان بل وكما تقول كواليس القمة تم تهديد عمران خان بشكل مباشر أنه إذا شارك في القمة فإنه سيتعرض لحرب ستطيح به وتدمر اقتصاد باكستان الضعيف من أهمها : أن الوديعة السعودية المقدرة بخمسة مليارات دولار سوف تسحب من باكستان وسوف يتم ترحيل نصف مليون باكستاني يعملون في السعودية وأمور أخري لا يقوي عليها عمران خان الذي صرح مرارا بأنه يعتبر مهاتير محمد مثله السياسي الأعلى وكان متحمسا للقمة بشكل كبير وأحد الدعاة لها ، ولهذا فإن الدكتور مهاتير محمد حينما سئل عن أسباب اعتذار عمران خان قال : لديه أسبابه التي نتفهمها كما أن عمران خان التقي قبيل القمة مع الرئيس أردوغان في جنيف وشرح له طبيعة الضغوط التي مورست عليه .
أما بالنسبة للامارات فما عرفته في كواليس القمة أيضا أنهم رحبوا بالحضور بل والمساهمة في تكاليف القمة إذا قبلت ماليزيا شروطهم التي لاتقل سوءا عن شروط السعودية فرفضت ماليزيا أيضا الشروط الأماراتية فقاموا من جانبهم بمحاولة تخريب القمة عبر الضغط علي إندونيسيا التي تتمتع بعلاقات خاصة مع ماليزيا لكنهم هددوا بسحب استثماراتهم المقررة بحوالي عشرة مليارات دولار ومارسوا ضغوطا أخري جعلت الرئيس الأندونيسي في البداية يعلن أن نائبه سيمثله في القمة ثم اعتذر النائب أيضا قبيل القمة مدعيا أنه أصيب بنزلة برد وفي النهاية لم يحضر أي مسئول إندونيسي ، وعلاوة علي ذلك فقد مارسوا ضغوطهم علي دول صغيره وأجبروها علي سحب ممثليها لكن في النهاية حضر القمة ممثلين لثماني عشرة دولة والأهم هو أن الزعماء الثلاثة رعاة القمة الأساسيين مهاتير محمد ورجب الطيب أردوغان وتميم بن حمد شكلوا الأنطلاقة الأساسية لهذا الأمل الذي ترجوه الشعوب المسلمة هذا أهم ما دار وراء كواليس القمة لكن السؤال الأهم هو هل نجحت القمة في تحقيق أهدافها ؟ هذا ما سوف نجيب عليه في المقال القادم .
* نقلا عن عربي بوست