أكثر من أي يوم مضى، الصراع اليوم، داخل اليمن وفي الإقليم، صراع مرجعيات (مشاريع). كان صراع مشاريع منذ البداية. وكانت المتغيرات الميدانية تمضي به بتدرج إلى حيث نطالعه اليوم أكثر وضوحا.
1
عند اجتياح صنعاء، رفع الحوثي شعار "تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل". واحتفل في الفترة الأولى للانقلاب وللحرب بثورة فبراير. فكان بهذا يتمايز عن شريكه في الانقلاب (صالح) ويتلاقى مع مكونات الشرعية. وربما كان بهذا يخاطب الداخل، وتحديدا الأحزاب، فإلم تستجب له، وهذا ما لمسه من الوهلة الأولى، (وما عكسته طاولة موفمبيك فبراير 2015) فليعمق من انقساماتها، خاصة وأن معظم كوادرها وقواعدها تقيم في الداخل. ولم يحرز الكثير في ذلك. ولم يهدر المزيد من الوقت فيه، ومضى في مشروعه، الذي يتمايز فيه عن الجميع، بما في ذلك الشريك.
ميدانيا كان يمضي في تقويض سلطات شريكه (صالح) والسيطرة على ما كان هذا الأخير قد احتفظ به لنفسه من قوة مسلحة وأسلحة ومعسكرات وولاءات مهيمنة على المؤسسات. كما مضى منفردا في مسار تفاوضي مع السعودية في ظهران الجنوب. وأيضا جمعت وفده المفاوض، المتواجد وقتذاك في عُمان، سهرة مطولة مع كيري ـ وزير الخارجية الأمريكية حينها. تركت أثرها لا شك في التصور الحوثي لفرص النصر وبدائله أو ما يمكن أن يحرزه فلا ينهزم. عكست شيئا من ذلك تصريحات كيري في حينه، من أن جماعة الحوثي "أقلية" وكما هو معلوم فإن للأقليات وضعا في القانون الدولي يكفل لها فرصة الحكم الذاتي. وبدا وصف "أقلية" مقصدا يشتغل على برهنته في سياق العلاقات الدولية والتحشيد والمناصرة، موالوه خارج اليمن.
كف عن الاحتفال بفبراير، وتلاشى شعار تنفيذ مخرجات الحوار، وأكثر من ذلك، وعلى النقيض منه؛ طالع العالم، في الداخل والخارج، بخطاب الحق الإلهي وولاية الفقيه وما تبع ذلك من طقوس ومراسم وإجراءات وتطييف على أساس من مرجعية دينية.
2
من شريك في ثورة فبراير إلى نقيض وجودي لها
لم يكلفه الشريك أكثر من التغاضي عن خطابه الرافض والمحرض ضد فبراير وكل مرجعيات انتقال السلطة والحل السلمي. لم يجد الحوثي صعوبة ولم يتجشم حرجا في الانتقال من النقيض للنقيض. بالنسبة لصالح، كان قد خسر كل الامتيازات التي وفرتها له المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بمجرد انخراطه فى الانقلاب. عمَّد هذا الخسران بتوقيعه طرفا في تأسيس ما سمي بالمجلس السياسي الأعلى كبديل حاكم، ومع الحوثي كشريك بديل للمشترك، الطرف المقابل في المبادرة الخليجية.
فلم يعد له في المرجعيات ما يخسره. ولم يعد أمامه سوى الرفض البات لهذه المرجعيات والكراهية المطلقة لثورة فبراير. خطاب الكراهية هذا الذي نهجه وبالغ فيه صالح وأنصاره تماهى معه الحوثي وأفاد منه. واستثمره كأكثر من استثمره بعد انفضاض الشراكة، والتحاق أنصار صالح بالمعسكر المقابل.
كان الصوت الرافض للمرجعيات كجزء من موقف ضد الشرعية لا يفعل الكثير في انطلاقه من داخل صف الانقلاب. إذ ما الذي يتوقع سماعه من صوت من داخل الانقلاب! الصوت ذاته تصبح له مفاعيل هادمة إذا ما انطلق من داخل صفوف الشرعية وتحت ظل ومؤازرة جملة "لا تشقوا الصف"
3
انتقل أنصار صالح للمعسكر المقابل، المحارب للحوثي، لكن كمعسكر مستقل، وبشعار هو نفسه الشعار الذي رفعوه في صنعاء في يومي انتفاضتهم في ديسمبر 2017 "لا حوثي ولا هادي" معسكر منفصل عن شركاء الحرب الذين يسميهم ويسمي نفسه معهم "القوات المشتركة" لكنه يتمايز عن الشركاء برفضه للمرجعيات رفضه السابق واللاحق للشرعية. وهو بهذا يفت من عضد القوة "المشتركة" ليشد من عضد القوة للحوثي وللانقلاب.
انتقل أنصار صالح إلى المعسكر المقابل بكامل انقلابهم عبر خطابهم المناهض للمرجعيات (كأنما هم يخوضون حربهم ضد الحوثي لانقلابه عليهم وليس تصديا للانقلاب على الدولة)
كيف لا يفيد الحوثي من ذلك مثلما استفاد وما يزال يستفيد من الموقف الملتبس للانتقالي من الشرعية ومن تعدد أجندات التحالف ومن رخاوة الموقف الدولي وغموض مقاصده.
4
هل سقوط المرجعيات يشرعن الحوثي ويمكنه من الحكم؟ أبدا. ولو أن مشروعه وطني لكان أحرص على هذه المرجعيات، على الأقل من شريكه السابق في الانقلاب واللاحق في معاداة الشرعية.
كل الذي يمكن لسقوط المرجعيات أن يفعله هو أنه "يساوي الرؤوس" أي يصبح الجميع مليشات تتقاتل فيما بينها لأسباب ليس من ضمنها أبدا سبب بناء دولة لليمنيين/ات جميعا. تتقاتل ثأرا وانتقاما وطمعا في حكم اليمن أو جزء منه. ويصبح لا شرعية لشيء ولا لأحد.
ولا يمكن التحكم في حرب ما بعد سقوط المرجعيات ولا في مآلاتها ولا أين تقف ولا كيف. وتتبدل مهام الأمم المتحدة رسميا من رعاية للحل السلمي وفق الشرعية الدولية وعبر أعلى سقف فيها إلى مهام ثانوية من حماية للمدنيين وإغاثة عبر منظمات دولية ومجتمعية (وهذا بمفرده يعني حربا بلا حدود). وأيضا ترفع يد التحالف رسميا، وكذا مسوؤليته، وما يترتب على حربه وما يتوجب عليه أثناء وبعد الحرب. ليعاود اطلاق يده في التدخل لكن من بعيد وعبر "ريموت" مواليه. يحارب لمقاصد تعنيه لا يسأل عنها ولا يحاسب عليها، عبر الموالين، كما كان الوضع في سوريا وكما هو الوضع حاليا في ليبيا.
5
مشروع الحوثي، الذي يصنف نفسه ضمن محور المقاومة (إيران وسوريا وحزب الله وروسيا والصين و...الخ، مشروع مناهضة الاستكبار الأمريكي أو كما تسميه إيران: "الشيطان الأكبر" هذا المشروع يجني ثماره دونما انتظار للنصر الساحق الماحق الباتر للخصوم، يثمر بمجرد استمرار الحرب واستثمار المعاناة الإنسانية. وهاهي إيران تخوض مفاوضاتها مع محور الشيطان الأكبر بقوة حزب الله في لبنان وصمود شيعة الشوارع في اليمن. مشروع الحوثي معلوم وواضح ومفهوم. فماهي مشاريع قوات المعسكر المقابل "المشتركة"؟
فيما عدا مكونات الشرعية التي مشروعها استعادة الدولة (وتحت سقفها كائنات طفيلية تعتاش من الحرب وتستثمر وتفيد من استمرارها) ماهي مشاريع الكيانات الأخرى.
مشروع المجلس الانتقالي استعادة شطر من دولة. دولة هي بقضها وقضيضها رهن انتصار في حرب على الانقلاب. ووقوفه ضد شرعيتها وقوف في الواقع مع الانقلاب وانتصار له..
أم يراهن في "استعادة دولته" على وعد من أحد معطيين: انتصار الحوثي وفي هذا الانتصار لن يفوز سوى بشمال اليمن؟
تمكين انصار صالح بعد دحر الحوثيين؟!
ما هو مشروع الأمر الواقع الذي يؤوسس له التحالف منذ أربع سنوات عبر تبنيه ودعمه لمليشات ومشاريع موازية للمشروع الأصل وللهدف المعلن لتدخل هذا التحالف وحربه في اليمن؛ هدف استعادة الدولة وتمكين الشرعية.
ما هو مشروع أنصار صالح. هل سيبنون دولة تخصهم بعدما ينتصرون في حرب يخوضونها ضد الشريك السابق الحوثي، ثم حرب يضطرون لها ضد الشريك الأسبق "المشترك" (كل مكونات الشرعية) ثم ينتهون إلى حرب الوحدة أو الموت ضد الشريك الآني "الانتقالي"؟ ما المدى الذي يمكن لهم أن يقطعوه سيرا وبالمرور بكل تلك المحطات ،بالضرورة، ليبلغوا هدفهم ويحققوا مشروعهم باستعادة دولتهم أو ديولتهم. وأين سيقفون ،وحتما، دون تحقيق ذلك. هل يرمون فعليا لمشروع ديولة؟ أم أن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد انضواء تحت مشروع التحالف الذي كفل لهم "وجودا مستقلا" لا يضطرهم للاحتياج لحكومة الشرعية.
وأخيرا، المرجعيات مشروع دولة. ما هي مشاريع من يعدون المرجعيات عائقا يشتغلون على هدمه سرا وعلانية؟!