بعد أربعة أيام من انطلاق عملية عاصفة الحزم العسكرية في اليمن، أي في 30/3/2015، قال السفير السعودى لدى الولايات المتحدة الأميركية في حينه، عادل الجبير، لقناة سكاي نيوز عربية، عقب خروجه من مقر وزارة الخارجية الأميركية، إن العملية جاءت بعد أشهر من التشاور مع الجانب الأميركي.
وكان الإعلان عن انطلاق العملية قد تم في مؤتمر صحافي للسفير نفسه في واشنطن قبل أربعة أيام، قال فيه إنه استجابة لطلب الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، واستنادا إلى مواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، بالنسبة لحق الدفاع عن النفس، فإن المملكة العربية السعودية، تقود تحالفا عربيا، يضم كلا من البحرين والكويت وقطر والإمارات ومصر والأردن والمغرب والسودان، قد بدأت في عملية عسكرية شاملة على اليمن تحمل اسم "عاصفة الحزم" تتضمن ضربات جوية كاسحة بهدف السيطرة على الأجواء اليمنية، وتدمير وسائل الدفاع الجوي، والأسلحة الصاروخية والثقيلة، ومراكز الاتصالات، وشل الموانئ اليمنية في عدن والمكلا والمخا والحديدة، وذلك بهدف مزدوج، وهو الحفاظ على الحكومة اليمنية الشرعية برئاسة هادي، وحماية الشعب اليمني في مواجهة الحوثيين الذين سيطروا على مفاصل الدولة اليمنية، وفي الوقت نفسه، تدمير الأسلحة التي تشكل خطراً على المملكة العربية السعودية.
وقد أعلنت العربية السعودية، بعد بدء العمليات العسكرية، أن الإعلان عنها جاء من واشنطن، تأكيداً لقوة العلاقات الأميركية - السعودية، وعمقها، والثقل الدولي للمملكة، وأن "عاصفة الحزم" عملية تاريخية، ذات أبعاد استراتيجية مهمة لا تعني دول المنطقة فحسب، بل تتجاوزها إلى النطاق الإقليمي، وتداعياتها هي على الأمن والاستقرار الدوليين، وأنها ستقتصر على الضربات الجوية المركزة فقط. وكان ذلك سعيا إلى توفير رعاية أميركية، ودولية للعملية. وبالفعل، خرجت التصريحات الأميركية لتعلن مساندتها العمليات العسكرية، بل وتقديم الدعم الاستخباراتي واللوجيستي للقوات المشاركة فيها.
تمت إقامة مركز عمليات مشترك لقوات التحالف في الرياض، يُصدر بيانات عسكرية يوميةعن سير العمليات العسكرية ونتائجها، عبر المتحدث العسكري باسم قوات التحالف في ذلك الوقت، وهو العميد أحمد عسيري (أصبح بعد ذلك نائبا لمدير المخابرات السعودية، ثم متهماً بالتخطيط لاغتيال الصحافي جمال خاشقجي)، واستمر الحال على ذلك حتى يوم 21 أبريل/ نيسان 2015، عندما أعلن عسيري، في مؤتمره الصحافي اليومي في مركز العمليات المشترك، انتهاء عملية عاصفة الحزم، بعد أن نجحت فى إزالة التهديدات لأمن السعودية والدول المجاورة، وبدء عملية جديدة باسم "إعادة الأمل".
اليوم، وبعد مرور قرابة السنوات الأربع على انطلاق عملية عاصفة الحزم، ثم إعلان تحقيق أهدافها وبداية عملية إعادة الأمل، لنشر السلم والأمن فى ربوع اليمن، يبدو المشهد مأساوياً، فلا العمليات العسكرية حققت أهدافها فى إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وحكومته إلى صنعاء، ولا زالت التهديدات الحوثية لأمن السعودية، وحتى الإمارات، ولا التحالف العسكري الذي بدأ "عاصفة الحزم" ظل متماسكا، حيث يقتصر الآن على السعودية والإمارات، مع عناصر من القوات السودانية البرية.
والأهم من ذلك كله ما نجم عن الحرب المستمرة من دمار وخراب على امتداد اليمن، خسائر بشرية بمئات آلاف من القتلى والمصابين، بمن فيهم من نساء وأطفال، ملايين الأطفال المصابين بالأمراض الوبائية، ملايين اليمنيين مهددون بشبح المجاعة، دمار شامل للبنية الأساسية من مرافق كهرباء، ومياه، وخدمات، ومؤسسات تعليمية، واتصالات، ومواصلات.
هكذا تمزقت أوصال اليمن، جماعة أنصار الله (الحوثيون) تسيطر على العاصمة صنعاء، والمناطق الحيوية في شمال اليمن، وميناء الحديدة، تسيطر الإمارات على عدن ومناطق حيوية من جنوب اليمن، السعودية فى أرخبيل سوقطرى، وتبدل القبائل ومشايخها في الشمال والجنوب ولاءاتها كل يوم، طبقا لما يعود عليها من منافع. وعلى الجانب الآخر، ترتفع تكلفة الحرب بالنسبة للعربية السعودية بشكل مذهل، ففي بداية العمليات في العام 2015، ارتفع الإنفاق العسكرى لذلك العام إلى 82,2 مليار دولار، بعد أن كان فى العام السابق 59,6 مليار دولار، ثم تضاعف، وتقدّر مصادر تكلفة العمليات الشهرية بمبلغ 120 مليار دولار.
بينما يستمر هذا المشهد المأساوي في ربوع اليمن الذي أصبح "اليمن الحزين"، وقع حادث بشع، دق ناقوس الخطر. وفي الوقت نفسه، أتاح فرصة لأطراف دولية عديدة، وهو حادث مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في اسطنبول، على يد فريق اغتيال سعودى محترف، وبإشراف أجهزة مخابرات وأمن سعودية رسمية. وهو الحادث البشع الذي أثار استنكاراً عالميا كبيراً، ولفت الانتباه إلى ما يجري داخل السعودية، وإدارتها الكارثية القضايا الإقليمية، ودورها المؤثر فيما يجري من أحداث.
وما يمكن أن يسببه ذلك من اضطرابات إقليمية، قد تؤثر سلبا على مشروعات السلام التي يعتزم الرئيس الأميركي ترامب تقديمها، وترتكز على دور رئيسي للعربية السعودية، خصوصا فيما يتعلق بتصفية القضية الفلسطينية، أو ما تعرف بصفقة القرن.
من هنا، كان لابد من إيجاد وسيلة لإنهاء الحرب فى اليمن، ونفض يد السعودية منها، وكانت البداية في مؤتمر السويد الذي جمع الحوثيين إلى جانب ممثلي الرئيس هادي، ومن خلفهم التحالف بقيادة السعودية، ووصل لأول مرة إلى اتفاق مرحلي لوقف القتال في الحديدة، والتهدئة في تعز، وهو مقدمة لمؤتمراتٍ تالية، تصل إلى حل سياسي للمشكلة برمتها.
وفي الوقت نفسه، تجري جهود حثيثة لغسل يد السعودية، وولي عهدها، من جريمة قتل جمال خاشقجي، عبر البحث عن سبيل قانوني، لإنهاء القضية فى إطار جنائي من مسؤولين أخطأوا من دون أوامر عليا. وذلك كله بهدف تأهيل السعودية للعب الدور المنوط بها في مشروع السلام الأميركي، أو صفقة القرن.
.. هل حان الوقت ليبدأ اليمن نفض غبار القتل والقتال، بعد سنوات مروعة؟ وهل تعتبر تلك فرصةً حقيقيةً ليتخلص اليمن من الحزن، ويعود يمناً سعيدا، ولو بعد حين؟ وهل كان قتل خاشقجى كاشفا لحجم المأساة التي تعيشها المنطقة؟ الأيام المقبلة كفيلةٌ بالإجابة عن تلك الأسئلة. والأمر للأسف لا يتوقف على إرادة شعوب المنطقة، ولكن على إرادة أميركا وحلفائها في الغرب.
* عن العربي الجديد