ما زلت أؤمن أن مقتل "صالح" كان أهون بكثير من انتصاره، وأن انتصاره كان أخطر على مشروع الدولة على المدى البعيد من انتصار خصومه؛ بصرف النظر عن تفاوت نسب بشاعتهم. فالحوثي وإن كان يشكل تهديدًا وجوديًا لقيم الدولة والحياة الحديثة ككل؛ لكنه يشتغل بوقاحة معلنة، وهذا ما يمنحنا إمكانية مواجهته بشكل صريح، إنه عدو همجي وواضح ؛ لكن صالح رجل معجون بالدسائس، لقد أدمن اللص لعبة المكر وخطره يكمن في قدرته على اللعب معك في ساحة واحدة ونخز مشروع الدولة من تحت الطاولة. هذا ما كان يؤرقني دائمًا، لدرجة أن يصيبني الإحباط؛ بإمكانية تأسيس دولة حقيقية في ظل وجود صالح.
يعتقد المؤتمريون أن النواح على صالح؛ يمكن أن يُكفر ذنب خيانتهم للدولة والجمهورية، يواصلون التباكي عليه؛ ليتطهروا من مشاعر الخطيئة وتأنيب الضمير، من الناحية النفسية، يبدو نواحهم مفهومـا ومفسرا، نحن إزاء حشد من البشر، تجرحهم مشاعر الحرية، يفتقدون شرط الاستقلال النفسي الكامل، ولا يمكنهم الحياة دون أن يرهنوا ذواتهم لأخرين، ولو تعلق الأمر بمواصلة الولاء لجثة.
مقتل صالح، كان يجب أن يكون فرصة؛ لتدشين بداية جديدة لحزب المؤتمر، بداية يستعيد فيها الحزب قراره المؤسسي ويحدث قطيعة مع زمن الزعيم الفرد والقادر المقتدر الأوحد؛ لكن هذا لم يحدث، فكل مفاتيح الحزب كانت معلقة على معصم "الزعيم" وكل خيوطه تتقاطع في يديه، وما إن تهاوت "الأسطورة الزائفة" دخل التنظيم في حالة التيه الكبيرة، وقعدت الجماهير المكلومة تنوح على الأرصفة.
أعترف أني كنت واحدًا مما حكّموا عواطفهم وتمنّوا انتصار صالح في معركة ديسمبر، كنت من أعماقي متخوف من انتصاره ؛ لكنني مع هذا لم أكن أتمنى هزيمته؛ لكن الأمور لا تجري دائما كما نرغب، فللتأريخ منطقه الحتمي في صنع النهايات المذلة للطغاة.
سقط الرجل بظرف قياسي، لقد كانت الضربة حاسمة وكان درس التأريخ قاسيًا وملهمًا للكثير. مرت سنة وصار بيننا وبينه مسافة كافية، تُمكننا من تأمل ما جرى بهدوء أكبر، وأكثر المدعويين لتأمل ما حدث وإعادة صياغة وجودهم بمعزل عن طغيان صورة الرجل، هم أنصاره، فليس ثمة من فعل باعث للأسى والشفقة أكثر من أن يرهن المرء وجوده لجثة، ويقضي عمره ينوح عليها؛ بدلا من أن يحترم وجوده ويعيد تأسيس نفسه من منطلق واقعها الجديد، وإعتمادًا على مؤهلات الذات بعد أن صفعتها الصدمة وباتت تقف وجهًا لوجه مع ذاتها وقد تلاشى من أمامها تمثال الوهم الكبير.
سنة حلوة أصدقائي المؤتمرين، الحياة لا تنتهي عند شخص، وفي كل الظروف، ثمة دائما دروب أخرى ممكنة .
* نقلا من صفحة الكاتب على الفيسبوك