رغبةُ الإصلاح في التصالح مع الجميع، تتساوى مع رغبة الجميع في الخُصومة معه، يفتش الإصلاح عن أصغر المواقف المشرفة للخصوم؛ كي يلتقطها ويبني عليها حالة من الوفاق معهم، يتفاعل جمهوره مع أدنى دعوة للمصالحة ويمتدحون صاحبها، ويتناقل إعلامه كلّ المواد التي تقلص الفجوة بينه وبينهم وتعزز حالة الانسجام، وعلى النقيض من ذلك تعمل الأطراف الأخرى على تتبع أتفه الشائعات المتعلقة بالإصلاح وشخوصه؛ كي تنفخها وتصنع منها حدثًا هائلًا؛ لتبرير خصومتها معه..!
بالطبع لا يفعل الإصلاح ذلك لكونه هزيلًا، ولا يلهث للبحث عن وفاق هش؛ لكونه خائفًا، إنّ رغبته التصالحية هذه تفرضها عليه المسؤولية التاريخية والتزامه الأخلاقي الثابت؛ لكنهم يفهمونها بشكلٍ خطأ، يتوهمون الانضباط عجزًا ، والوقار رهبة.
هو أكثرهم صلابة، بشهادة الجميع؛ لكنه أقلهم اختيالًا، هو ليس ضعيفًا وبالمقابل هم ليسوا أقوياء ليتمكنوا من التخلص منه بخفّة؛ لكن عقدة النقص تدفعهم للتسديد في اتجاهات عشوائية ولا ينتجون بذلك سوى مزيد من العبث، فلا هم سيتمكنون من الحلول مكانه ولا مؤهلاتهم تمنحهم القدرة على ذلك، ولا الإصلاح بتلك الهشاشة؛ ليتمكنوا من ابتلاعه بسهولة..!
يا هؤلاء، هونوا على أنفسكم قليلًا، لن تكسبوا شيئًا من خصومتكم المفتعلة مع الإصلاح، لن تتجاوزوا عقدكم التنظيمة ومشاكلكم الداخلية لمجرد أنكم أوسعتم أخاكم ضربًا وأفرغتم أحقادكم ضده، فما من بطولة تُبنى على الافتراءات، ولا مآثر تصنعها العداوات، لن تصيروا أحياءً إذا ما مات، ولن يموت لمجرد أنكم تُريدون له ذلك، هو لا يستمد وجوده من محبتكم أو كراهيتكم، لكنكم اتخذتم من خصومته مأدبة لمعالجة هزائمكم، وما دمتم كذلك فأنتم تهزمون أنفسكم، حين لا يتبقى لكم من مبرر للوجود والفعل سوى الخصومة معه، وكما قال أحدهم يومًا: لو كان الإصلاح حزبًا ميتًا لما بقيّ كل هؤلاء على قيد الحياة..!
هذا ليس حديثًا عامًا، أكيل فيه المدائح للإصلاح، وأهجو به خصومه، بقليل من التأمل لمواقف الطرفين، سوف تدرك الفرق، ستعرف كيف يبني الحزب مواقفه بثبات وتجانس كامل وكيف يفعل الخصوم، هو يقاتل بشراسة؛ للدفاع عن القيم الكبرى: الدولة، الجمهورية، الحرية، العدالة، الثورة، المقاومة، وتلك هي محددات مواقفه مع الجميع أو ضدهم.
وكمثال بسيط لهذا: وقف جمهوره ضدّ محافظ تعز حين قرر احتواء خصوم الثورة قبل أن يعترفوا بخطيئتهم و يتطهروا، وبعد يومين فقط وقف معه حين قرر تعزيز قبضة الدولة في تعز وانهاء حالة الإزدواج الأمني، هذا مثال واحد وفي سجل المواقف نماذج متطابقة وبلا نهاية، وبالمقابل، يكتفي خصومه بأن يقفوا ضدّ كل ما يقف معه الحزب، ويناهضونه في أكثر مواقفه شرفًا وبطولة، يكفي أن يتبنى هو موقف ولو بشكلٍ غير رسمي؛ ليسارعوا للتشكيك به وتبني موقف مضاد، وذلك لعمري منتهى التخبط وذروة الشقاء..!
*فقط يريدها الإصلاح مصالحة نظيفة ومتينة، فيما غالبيتهم يلهثون لمصالحة مغشوشة؛ كي يوّمنوا حصتهم الظرفية ولا يهمهم بعد ذلك كيف يكون المآل..!
* نقلا من صفحة الكاتب بالفيسبوك