بعد شهور ستغدو قطر جزيرة، وهذا هو الإنجاز العبقري الوحيد الذي سيتمكن العربان من صناعته ضدّ قطر، هو إنجاز وهمي بالطبع؛ فقطر معزولة وتعيش كجزيرة منذ بدء الحصار، ولن يكون لمشروع القناة البحرية التي تنوي السعودية حفرها على الحدود القطرية البرية أي أثر عملي..!
فمن الواضح جدًا أن دول حصار قطر؛ فشلت في تحقيق أي نجاح ملموس في خناق تلك الدولة الصغيرة التي شردت عنهم، اندفاعهم الكبير جعلهم يحرقون أوراقهم دفعة واحدة، ثم قعدوا يتبادلون عزاءهم لوحدهم، والآن وبعد مرور 10أشهر على الحصار؛ تمكنت فيه قطر من صناعة استقلالها الكامل وعززت من هويتها الواضحة؛ فكّرت الجارة الكبرى بأخر حيلة لها لخناق تلك الدولة الماردة ؛ فكان أن اهتدت لقطع الشريان البري الوحيد بينها وبين قطر بمشروع قناة بحرية قيد التنفيذ، بعد أن كان المنفذ مغلق عمليًا منذ فجر ال5 من يونيو/حزيران الماضي، ولم يفلح لؤمها هذا في تطويع الصبية القطرية العنيدة التي شبّت عن طوق الشقيقة الكبرى ولم تزل ماضيّة في طريقها بكل اعتداد وجسارة؛ لكن الجارة مصممة على المضي بمراهقتها حتى النهاية..!
عمليًا كان الحصار على خسارته فرصة تأريخية كبرى لقطر في تحقيق تحررها الكامل من الوصاية السعودية، وعلى حد وصف عزمي بشارة :كان الحصار بمثابة الاستقلال الثاني لقطر، وفي الواقع لم تكن قطر قبل الحصار مذعنة للسعودية في سياستها الخارجية؛ لكنها كانت تساومها وتتماشى معها في الشأن الخليجي، وفيما عدا ذلك كان لها خطها السياسي المنفصل والمغاير لها، مع الحصار باتت الدوحة أكثر حرية في رسم حدود تحالفاتها ومواقفها إزاء العالم كله بما فيه دول الحصار..!
مع الحصار أيضًا تمكنت قطر من توثيق تحالفاتها الاقتصادية وتنويع مصادر دخلها والبحث عن قنوات استيراد وتصدير أكثر وثوقًا مع دول عديدة، عسكريًا كذلك فعلت اتفاقياتها مع حلفائها بما يقيها أي تهديد محتمل ويشكل رادعًا لأي حماقة عسكرية قد تفكر فيها دول الحصار، إلى جانب هذا تعززت هويتها الذاتية وبعثت نزعة الشعور القومي لدى الشعب القطري الصغير؛ نتيجة لمشاعر الغبن التي ولدتها دول الحصار بسلوكها العدائي ضده، وهذا مكسب معنوي يراكم ثقافة المقاومة لدى الشعب ويبعث فيه مشاعر الكبرياء الوطني، ويؤهله لإسناد قيادته في مشروعها الريادي مستقبلًا..!
على المستوى الدولي تمكن ترامب بمزاجيته المتقلبة من استغفال دول الحصار ووقف جوارهم بعدد من التغريدات، فيما كانت المؤسسات الرسمية واقفة ضد الحصار منذ البداية، وأما الآن فقد بدأ موقف ترامب أيضا يميل لصالح المؤسسات، بعد شعوره بأن حصار قطر فتح المنطقة لصعود تحالفات عسكرية إقليمية تقلص من حضور أمريكا بالمنطقة وتضعف دورها، إلى جانب إتاحة الفرصة للقوى الدولية الشرقية (روسيا والصين) لتعزيز حضورهم الاقتصادي والعسكري، وكسر احتكار النفوذ الأمريكي للمنطقة التي ظلت مغلفة لصالحها منذ عقود، وهذا باعتقادي هو التفسير الوحيد للاعلان الأمريكي عن قمة امريكية لجمع قادة دول الخليج في مايو المقبل، لاستعادة امساكها بزمام اللعبة، بما يعزز احتمالات انتهاء الأزمة الخليجية في ذكرى عامها الأول.
وبالتالي فشل رهانات دول الحصار في كل حالاتها وخروج قطر ضافرة مهما كانت النتائج، ولا يضير بعد ذلك أن تشق السعودية قناة بحرية على حدودها مع قطر أو لا تفعل، فالأمر سيان ولن يحقق لها ذلك أي هدف عملي سوى إشباع مراهقتها وتأكيد فجورها في الخصومة، الفجور الذي بدأته منذ يومها الأول للحصار حين طردت بعير جارتها وحرمتها من اللبن وذلك أقصى ما أمكن للعربان فعله..!
*نقلا عن صفحة الكاتب بالفيسبوك.