على منصة شبابنا الحالم كنا نقف مشدوهين ونحن نرى قوى الظلام تزرع حقل الوطن بالألغام، وتتفنن بتفخيخ مستقبل البلاد، بما يجعل القنابل الموقوتة تنفجر تباعا، في حال أزيل الصاعق (عفاش).
ولفرط هوسه كان يتحزم تلك القنابل في وجه كل ما يتهدد استلابه وتحويشه لليمن، عملا بقاعدته المعروفة "أنا أو الطوفان"، وكانت القوى السياسية يوم ذاك قد أذعنت لهذه (الجلافة) المجنونة، وبقيت تدور في فلك الهامش من المطالب والاستحقاقات.
كانت البلاد أشبه ببار يقيم حفلة تنكرية كبيرة ويمارس فيه أصناف العهر السياسي، بار عنوانه وبارونه عفاش، فكان فبراير، وكانت ثورة تكتسح الألغام بإمكانياتها الشعبوية البسيطة، تمر على حقل القنابل الموقوتة، تنتزعها، على طريقة شاب تعزي، يركض ببندقيته دون نعال فوق شبكة ألغام شديدة الإنفجار.
هدت الثورة معبد صالح، وكسرت هالته، وعرت تاريخه، فقرر الرجل أن يغرق البلاد بطوفان الدم، ولأن الثورة كانت حدث عظيم أكبر من أن ينتهي بضربة واحدة، ذهب صالح بخبث أحقاده يطبق قاعدته، ويفجر قنابله واحدة تلو الأخرى.
كنست الثورة معظمها حتى بقي اللغم الأكبر ، ورقته الرابحة؛ مليشيات سلالية قادمة من خارج التاريخ والعرف المجتمعي وعدوة للعملية السياسية، سلمها صالح كل باروده وقوته أملا في أن يأخذ انفجارها الضخم أكبر قدر ممكن من خصومه، نجح الرجل هذه المرة، وعمت الشظايا كل البلاد، ولكنها لم تلبث أن وصلته، وطالته بأطراف نيرانها.
فكان لقاعدة الطوفان خاصته نقيض موضوعي يقول أن "النار ما تحرق إلا رجل واطيها" وراح القدر يطبقها على طريقته في جعل صالح عبرة؛ للمحنش حينما (يقرصه) الحنش .
أما فبراير، وآل فبراير فماضون على عهد ما اختاروه لأنفسهم من مسار استراتيجي، بتفكيك شبكة ألغام صنعت على مدى 33 سنة، وها نحن في صراع مع أخر المخخات وأخطرها، ننزع أسلاكها ونفتت بارودها، وعلى مقربة من الخلاص.