دخلت الحرب العبثية التي يشنها تحالف السعودية والإمارات على الشعب اليمني منعرجاً جديداً، بعدما بدأت تظهر تصدعات داخل هذا الحلف الشيطاني الذي دمر الدولة التي تعتبر مهد حضارة العرب، فقد كشفت حرب عدن عن تضارب مصالح هذين الحليفين الرئيسيين في حربهما القذرة، كما بينت أنهما القوتان الرئيسيتان اللتان تخوضان هذه الحرب وتمولانها، بعيداً عن شعار "التحالف العربي" الذي اتضح، منذ الوهلة الأولى لهذه الحرب، أنه كان مجرد غطاء إعلامي لأكبر جريمة ضد أعرق شعب عربي.
وقد جاء الصراع الذي اندلع بين عناصر "الشرعية" المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي ليفضح هشاشة التحالفات التي بنيت عليها هذه الحرب منذ انطلاقتها، وكشفت عن تصدعات تخترق القوات الموالية لهما على أرض المعركة. فمعركة عدن أخيراً ليست سوى شوط جديد من أشواط هذه الحرب العدمية التي فرضتها السعودية والإمارات على اليمن، وأدت إلى تدميره وتقطيع أوصاله، وزجت شعبه في دوامة من العنف الذي يبدو بلا نهاية قريبة.
بعد ثلاث سنوات على بداية هذه الحرب، اتضح أن واحداً من أهم المسوغات التي قدمتها السعودية والإمارات لخوضها كان كذبة كبيرة تم تسويقها على المستوى العالمي، وتسخير مجلس الأمن والأمم المتحدة لاستصدار قرارات بمثابة "صكوك غفران" لتبرير حربهما الظالمة ضد أهل اليمن السعيد. في البداية، شنتا حربهما باسم الدفاع عن "الشرعية" وبطلب منها، ومن أجل استعادتها، وحوَّلا هذه "الشرعية" إلى غطاء لكل جرائمها المتواصلة ضد أبناء الشعب اليمني ومقدّراته، لكن معركة عدن كشفت عن زيف هذا الغطاء، عندما اندلع الصراع بين الانفصاليين الذي تدعمهم الإمارات ضد قوات عبد ربه منصور هادي، الذي نصبته السعودية ممثلاً لـ "الشرعية"، ووضعته في شبه إقامة إجبارية غير معلنة في الرياض منذ 2015.
حملت معركة عدن في طياتها بداية نهاية هذا التحالف غير المقدس، ومعها بدأت الأهداف الحقيقية لأصحابه تنكشف، فبعد الفشل الذي مني به بعد ثلاث سنوات من الحرب العبثية، بدأت تتضح ملامح المصالح الحقيقية للحليفين، وهي متناقضة ومتضاربة، فإذا كان مطمح السعودية تنصيب "قرضاي" (نسبة إلى الرئيس الأفغاني الذي نصبه الاحتلال الأميركي في أفغانستان عقب غزوه)، يمني في صنعاء، يكون تحت وصايتها ويستمع إلى توجيهاتها كشرطي يحمي حدودها الجنوبية، فإن ما يهم دولة الإمارات هو تحييد مرافئ اليمن التي بوأها موقعها الإستراتيجي لأن تكون معبراً لا محيد عنه للتجارة العالمية، حتى لا تشكل منافساً لمرافئها أو معرقلاً لتجارتها، وذلك في أفق السيطرة عليها. ومن أجل تحقيق غرضها هذا، الإمارات مستعدة أن تقسم اليوم اليمن إلى دويلات، حسب عدد المرافئ التي تراها هي إستراتيجية لحماية ودعم تجارتها، خصوصاً الواقعة على امتداد خليج عدن والبحر الأحمر، والبداية كانت بمعركة عدن التي حركت من أجلها عناصرها الانفصالية التي كان أول ما رفعته علم اليمن الجنوبي، في إحالة إلى اليمن الذي كان مقسماً بين جنوب وشمال.
أما السعودية التي أنهكا تورّطها في المستنقع اليمني فهي كمن يبحث عن "نصف انتصار" للتغطية على هزيمتها المدوية، فهي تريد التخلص من هادي الذي تحول إلى عبءٍ ثقيل اسمه "الشرعية" المفترى عليها، وفي الوقت نفسه، تقسيم اليمن حتى لا تقوم له قائمة مستقبلاً، ومحاصرة الحوثيين، المدعومين من إيران، في جبال صنعاء حتى يفنيهم الجوع، وتفتك بهم الأوبئة جرّاء الحصار المفروض على اليمن، منذ بدأت هذه الحرب القذرة.
راهنت السعودية، في البداية، من أجل تحقيق خطتها على الرئيس اليمني السابق، على عبد الله صالح، وسعت إلى شق تحالفه مع الحوثيين لقلب موزاين القوى في صنعاء. وبعد مقتل صالح سعت الرياض إلى التقارب مع حزب الإصلاح اليمني الذي لا يخفي انتماءه إلى جماعة الإخوان المسلمين التي ترى فيها الإمارات عدوها اللدود، وتحاربها في كل العالم.
تحولت حرب اليمن التي خُطّط لها أن تكون خاطفةً إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، وكشفت عن ضعف القوات السعودية والإماراتية وترهلهما، وهما اللتان، على الرغم من كل الإمكانات المالية الكبيرة التي توفر لهما أحدث الأسلحة وأشدها فتكاً، فشلتا في إلحاق الهزيمة بـ "مليشيات" الحوثيين. ولعل هذا ما جعل هذين الحليفين يشعران بخيبة أمل كبيرة بعد تورّطهما في حرب استنزاف بلا نهاية. ووضعهما اليوم يشبه إلى حد كبير وضع الاتحاد السوفييتي عندما ورّط نفسه في مستنقع حرب أفغانستان، وقبل ذلك ورطة أميركا في حرب فيتنام. فدائماً تكون نهاية القوات التي تقاتل بلا عقيدة وعلى أرض غير أرضها هزيمة شنيعة، مهما كانت قوة تسلحها، لأن أقوى سلاح يبقى العقيدة التي يحملها الجندي الذي يحارب، وليس مهماً بأي سلاح يحارب، وإنما من أجل ماذا يحارب؟
الخاسر الأكبر في هذه الحرب سيكون لا محالة هي السعودية التي استنزفت ميزانية شعبها، وفتحت على نفسها بؤراً من التوتر عند خاصرتها الجنوبية، ومرتعاً لتنظيمات إرهابية عديدة تناصبها العداء. أما التحالف المصلحي القائم اليوم بين الرياض وأبو ظبي فلن يستمر إلى الأبد، خصوصاً إذا طال أمد الحرب سنين أخرى، ولا شيء في الأفق ينبئ بأنها ستنتهي قريباً. أما من يدفع ثمن هذه المأساة التي سيضاعفها حجم الخلافات الكبيرة بين حلفائها الرئيسيين، فهم اليمنيون الذين حولتهم الحرب لاجئين في بلادهم ينهكهم الجوع، ويتوسلون المساعدات الإنسانية ممن خرّبوا بيوتهم ودمروا بلدهم.
* عن العربي الجديد