يوم الثلاثاء الماضي سقطت عدن بيد الانفصاليين في الجنوب، وباتت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي تحاصر القصر الرئاسي ومكاتب الحكومة الشرعية في المحافظة. كما سقطت كافة مقرات اللواء الرابع المسؤول عن حماية الرئيس والمقرات الحكومية.
هذا المجلس كان شريكا رئيسيا في الحرب ضد الحوثيين، وكل الأسلحة التي نفذ بها انقلابه كان مصدرها التحالف العربي، والإمارات العربية المتحدة هي التي مولته وسلحته ودربته في معسكراتها. وقد أُعلن عن قيامه في مايو من العام الماضي 2017، عقب إقالة عيدروس الزبيدي محافظ عدن وعدد من أنصاره وأعوانه من قبل الحكومة الشرعية، والذي يؤمن إيمانا قطعيا بضرورة انفصال الجنوب. وقد أنشئ هذا المجلس ليكون الممثل الشرعي والوحيد للجنوبيين في الداخل والخارج، وصوتهم في المفاوضات المقبلة، خاصة بعد وصول مبعوث جديد للامم المتحدة، بديلا عن إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
هذه هي الاهداف الحقيقية للمجلس الانتقالي بتحركاته الأخيرة وانقلابه على الشرعية. وإذا كان يبدو غريبا أن ينقلب من كانوا شركاء في الحرب على بعضهم بعضا وهم لم يحققوا بعد النصر على الحوثيين، فإن الأكثر غرابة هو أن يظهر للعلن أن التحالف العربي الذي قاد «عاصفة الحزم» سابقا، ويقود عملية «إعادة الامل» اليوم لا يملك أجندة واحدة في اليمن، وليس على قلب رجل واحد. وعندما تتشظى الأسهم في اتجاهات مختلفة، لن يدفع الثمن سوى من تدور اللعبة على أراضيهم. لقد أعتمد المجلس الانتقالي في انقلابه الأخير على قوات (الحزام الأمني) التي تملك الدبابات والأسلحة الثقيلة، وهي التي خاضت المعركة الحاسمة ضد اللواء الرابع المسؤول عن حماية الرئيس عبد ربه منصور هادي وهزمته.
وقد قامت بتشكيل هذه القوات دولة الإمارات العربية المتحدة. إذن نحن أمام قوات شكلتها أبو ظبي وولاؤها محسوم لها، وهي من تقوم بدعم المجلس الانتقالي الذي يريد انفصال الجنوب، ثم تقوم بضرب قوات الحكومة الشرعية ورئيسها الذي تحتضنه الرياض وتدعمه. السؤال المنطقي سيكون هل أن الاجندة الإماراتية هي ضد الأجندة السعودية، وهما في تحالف واحد في حرب اليمن؟ وهل أن أبوظبي تريد اليمن بلدا واحدا موحدا أم يمنيين؟ هنا يجب القول إن من يدعم الانفصاليين فهو معهم في الهدف نفسه والشواهد على الارض كثيرة.
فعلى الرغم من تصريحات المسؤولين بعدم وجود خلافات بين أبو ظبي والرياض في الملف اليمني، إلا أن العديد من المسؤولين اليمنيين يؤكدون ذلك، وهم من في ساحة الحدث، حتى أن رئيس الحكومة الشرعية ناشد دولة الإمارات بالتدخل لفض الانقلاب الاخير، وقد وصفها بأنها صاحبة القرار في عدن، بينما أثنى على الموقف السعودي واعتبره عامل تهدئة. كما أنه في الوقت الذي دعمت فيه السعودية الحكومة الشرعية، وقدمت المساعدات لها، كانت الإمارات تقدم الدعم المادي والمعنوي للطرف الآخر وهي الميليشيات المسلحة. وعندما بدأت بوادر الأزمة الاخيرة بالظهور في بداية المعارك، تدخلت الرياض أكثر من مرة وقامت بالوساطة بين الطرفين، وحققت هدنة بينهما، لكن أبوظبي تدخلت وحسمت الموقف عسكريا، رغم وجود الهدنة. وهو إضعاف واضح لموقف الرئيس هادي، الذي ترفض أبو ظبي استمراره كرئيس لليمن، لأنها تعتبره محاطا بأجندة حزب الإصلاح اليمني الذي تعاديه. حتى إن مواجهات مسلحة اندلعت في العام الماضي بين قوات الحزام الأمني المدعومه إماراتيا، وقوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس هادي حول مطار عدن الدولي، وأسفرت عن منع طائرة الرئيس من الهبوط.
إذن نحن أمام موقف إماراتي متناقض كليا. فمن ناحية كان دخولها إلى اليمن هو لمساعدة الشرعية، وهو الهدف الذي تشكّل من أجله التحالف العربي، بينما على أرض الواقع كل أفعالها تشير إلى السعي لتقويض الشرعية في هذا البلد. ما هو الهدف من وراء لعب هذا الدور؟ يمكننا القول هي محاولة للقضاء على حزب الاصلاح اليمني التابع للإخوان المسلمين أولا، وثانيا وهو الأهم السيطرة على مضيق باب المندب، الذي يتحكم بالتجارة الدولية المارة إلى شتى دول العالم، كي تضيفه إلى سيطرتها على جزء من مضيق هرمز شريان النفط إلى العالم. ففي أجندتها نية لايجاد قاعدة عسكرية في جزيرة سوقطرة اليمنية، بعد أن أقامت قاعدة لها في ميناء عصب الإرتيري، وكذلك لها في السواحل الصومالية قاعدة جوية وبحرية. وهنا سيتحقق لها هدف السيطرة التامة على المضيق من الشمال والجنوب. هل هذا التحرك مصلحة إماراتية خالصة؟ لا نعتقد ذلك، بل ربما هو عمل تقوم هي به بالنيابة عن مصالح آخرين.
أين السعودية من كل هذه الاندفاعة الاماراتية في اليمن؟ وهل نجحت الإمارات في لي ذراع الرياض لتحقيق أهدافها على حسابهم؟ لا يمكن الجزم بذلك. ربما أن الهدف الذي كان معلنا قد تغير وهو ما جعل السعودية تقف مع الإمارات التي تُمزق الشرعية. فبعد مقتل علي عبدالله صالح فقدت الرياض ورقة كبرى كانت بيدها، ويمكن أن يكون هذا العامل قد وحّد رؤيتها مع أبوظبي التي تحتضن وتدعم نجله، وبالتالي تريد اليوم التخلي عن الرئيس هادي، فالإمارات تُفضّل بروز حلفائها الجنوبيين وأنصار الرئيس المقتول في المشهد والمشاركة بصنع القرار. مع ذلك لا يمكن للإمارات أن تتصرف بحرية تامة، لانها تعرف أن اليمن خاصرة السعودية وساحتها الخلفية ومنطقة نفوذها، وتريده موحدا، لأن الانفصال يهدد أمنها القومي، كما أن تفتته إلى كيانات قبلية وسياسية ومناطقية متناحرة ستمتد سلبياته إلى الجزيرة العربية.
نعم هنالك صراع غير معلن بين الرياض وأبوظبي في اليمن، وخلاف واضح حول استراتيجية الصراع القائم على الأرض، وهو يعكس تباينا واضحا في أجندة الطرفين. أما الاجندة الايرانية فهي تقوم على إبقاء اليمن في بؤرة اللعبة الدولية – الايرانية في الشرق الاوسط. بمعنى تحويل هذا البلد إلى ورقة تتقاطع فيها مصالحها مع مصالح قوى إقليمية عدة وقوى عالمية.
هذا الواقع عقّد الوضع السياسي في اليمن ورفع سقف الرهان فيه إلى درجة تجعل من السيطرة الاستراتيجية عليه ورقة رابحة. كما شجّع على قيام هياكل محلية بديلة عن السلطة، بعد أن غابت الدولة. الهدف من كل ذلك هو تهديد السعودية من حدودها الجنوبية بواسطة الجغرافية والقوى البشرية، والتنظيمات التي من الممكن أن تؤثر سلبا على استقرارها. فالتهديد الإيراني ليس لليمن، بل هو للرياض التي أيضا لديها جماعات مرتبطة بها تمويليا وتسليحيا، وهي قوى قبلية وعسكرية. إيران تعتمد استراتيجية الاستنزاف تجاه السعودية، من خلال إشعال بؤر نزاعات على تخوم المملكة، ومن أجل كسب أوراق سياسية تحصل بموجبها على تنازلات.
السعودية والإمارات وإيران كلها تشارك في صناعة هدف واحد على أرض اليمن. هو إبقاؤه دولة ضعيفة كي ينفّذوا أجنداتهم فيه وعلى حسابه. فالإمارات تريد السيطرة على باب المندب انطلاقا منه، لذا هي تسعى إلى تمثيل المجلس الانتقالي في الحكم كي يكون صوتها. والسعودية تريد اليمن حديقة خلفية لها دون أن يكون دولة ذات سيادة وقرار مستقل، لانها لا تريد دولة قوية ونظاما ديمقراطيا على حدودها. وإيران تريده ساحة استنزاف تُدمي على أرضه خصومها، لذا هي تسعى لصناعة حزب الله جديد يختطفه لصالحها.
* عن القدس العربي