يوجد الكثير من التشوهات السياسية والحالات الشاذة في مجال السياسة في العالم العربي، وهذا مفهوم ومعلوم بحكم واقع الحال الذي تعيشه دول العالم الثالث والدول النامية، والدول التي تشهد تحولاً ديمقراطياً منذ سنوات قليلة، لكننا يوما بعد آخر نكتشف مظاهر جديدة وإفرازات غير متوقعة لحالات التشوه والشذوذ السياسي في العالم العربي.
أحدث صيحات «الشذوذ السياسي» في العالم العربي، هو الرد الذي كتبته نائبة إسلامية معارضة في البرلمان الأردني، على قرار حكومي أثار جدلاً في البلاد، وبغض النظر عن مضمون القرار، فإن النائبة فاجأت جمهورها بنشر مقال في صحيفة معارضة تتغزل فيه بالقرار والملك والحكومة، وذلك على الرغم من أن موقف حزبها وكتلتها في البرلمان مغاير لما ذهبت اليه النائبة الفاضلة.
ثمة الكثير من التفاصيل المهمة في قصة النائبة الأردنية؛ فالقرار الذي تغزلت فيه يقضي بمنع النساء اللواتي يرفضن مصافحة الرجال لأسباب دينية من حضور اللقاءات مع الملك، لأنهن بطبيعة الحال يرفضن مصافحته باليد، وهذا يعني أن البرلمانية المنتخبة التي تنتمي للتيار الاسلامي سوف لن يُتاح لها التحدث إلى الملك وجهاً لوجه، الذي هو رأس السلطة التشريعية في البلاد. أما المسألة الأخرى فهي أن الكتلة الاسلامية التي تنتمي اليها النائبة انتقدت القرار الحكومي واعتبرت أنه «اعتداء على الحريات»، بينما سارعت النائبة التي هي المتضرر من القرار إلى الثناء عليه وخالفت موقف كتلتها وحزبها!
البرلمانية الأردنية ذاتها التي تنتمي الى الحركة الاسلامية كانت قبل أسابيع قليلة قد أشعلت زوبعة عندما تسببت باعتقال ناشط فيسبوكي يساري، بسبب أنه انتقدها على شبكات التواصل الاجتماعي، ليتبين حينها بأن النائب في الأردن لا يقبل النقد ولا التجريح بينما يتسامح في ذلك رئيس الحكومة الذي سبق أن أوقفه شاب في الشارع وأسمعه كلاماً لا يُقال، فلا تم اعتقال الشاب ولا أحيل إلى المحكمة ولا تعرض للمساءلة.
هذه ليست أحداثاً عابرة، وإنما تجتمع لتشكل جملة مدلولات مهمة، أبرزها أن بعض المسؤولين في العالم العربي لا يعلمون حقيقة الوظيفة التي يقومون بها، ولا الدور المطلوب منهم، كما أن بعض البرلمانات في العالم العربي ليست مجرد ديكور بسبب النظام السياسي، وإنما هي مجرد «ديكور» أو «لعبة» بسبب الأداء البائس لأعضائها، والجهل بالدور المطلوب منهم. فالبرلماني الذي يتسول من النظام السياسي لا يمكن أن يصبح رقيباً عليه وإن طال الزمان.
البرلمان – أي برلمان وفي أي بلد كان- ليس مهمته التشبيح للحكومة، ولا التغزل بقراراتها، حتى لو كان هو ذاته ضحية لهذه القرارات، وإنما مهمته الأساس هو مراقبة عملها ومراجعة التشريعات الموجودة في البلاد، والعمل مع كل المؤسسات القائمة على تطوير الحياة السياسية وتمكين الانتقال الديمقراطي وتغيير بعض المفاهيم الاجتماعية القائمة على تبرير الاستبداد والتسلط والتفرد بالقرار.
وعندما يأتي الأداء السياسي البائس من نائب حزبي محسوب على تيار سياسي عريض، فهذا يُفاقم من حجم الكارثة، إذ أن الأداء البائس يصبح إفرازا لهذا الحزب أو التيار السياسي، فاذا كان برلماني من الحركة الاسلامية لا يُدرك مضمون وظيفته ولا المهام الموكلة إليه، وينشغل في ملاحقة ناشطي الفيسبوك بدلاً من حمايتهم، والتغزل بالحكومة بدلاً من مراقبتها، والقبول بقراراتها بدلاً من مراجعتها، ويقضي يومه في جاهات عشائرية وقبلية تشكل عرقلة لعملية التحول الديمقراطي.. فحينها يُصبح البرلمان ومعه القوى السياسية في البلاد هما الكارثة والمصيبة، ويصبح النظام السياسي والحكومة في حالة تقدم على هذه القوى السياسية.. وعندها يكون البرلمان ديكوراً بسبب أداء أعضائه وليس بسبب النظام أو القوانين أو ممارسات السلطة التنفيذية.
وخلاصة القول هو أن على القوى السياسية في العالم العربي أن تراجع أداء أفرادها، وأن تقوم بتدريب من يتم تصديرهم إلى العمل العام قبل أن يتبوؤا المناصب ويخوضوا الانتخابات، وعندما نجد أداء بائساً من برلماني أو حزبي نقابي، فعلينا التوقف عن جلد الأنظمة السياسية ووصفها بالاستبداد والسلطوية والتفرد، لأن من أراد حاكماً مثل عمر بن الخطاب فعليه أن يكون مثل خالد بن الوليد.
* عن القدس العربي