حذر مركز دراسات دولي من وصع إنساني كارثي في اليمن في حال عدم تجديد الهدنة المنتهية منذ شهرين اثر رفض جماعة الحوثي تجديدها.
وقال "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" بواشنطن في تقرير أعده الباحثان سييرا بالارد ، يعقوب كورتزر وترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه منذ عام 2014، أنتج الصراع المسلح في اليمن واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا في العالم.
وأكدا أن الحرب بالوكالة بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات دمرت الاقتصاد، وشردت 6 ملايين يمني، وتركت الملايين على شفا المجاعة.
ويتابع الكاتبان في تقرير على منصة أن أكثر من 23.4 مليون شخص يحتاج إلى مساعدات إنسانية، بينما تشير تقديرات الخسائر الناجمة عن أسباب مباشرة وغير مباشرة إلى 377 ألف شخص، نتيجة القصف العشوائي والاستخدام الواسع النطاق للأجهزة المتفجرة المرتجلة، والحملة الجوية الوحشية والمستمرة. وفي أبريل 2022، تم التوصل إلى هدنة لمدة شهرين بين المتمردين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليًا، ووقف الهجمات العسكرية احتفالًا بعيد رمضان. وتضع الهدنة، بوساطة مبعوث خاص للأمم المتحدة، الأساس لتسوية الصراع في المستقبل.
ولفتا إلى أن إجراءات بناء الثقة شملت قيام قوات الحكومة وقوات التحالف بتخفيف القيود على دخول الوقود إلى ميناء الحديدة على البحر الأحمر الذي يسيطر عليه الحوثيون وهبوط الرحلات التجارية في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها المتمردون. كما التزمت الأطراف بإعادة فتح المحادثات حول الوصول البري إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لتخفيف قيود حركة المدنيين والمنظمات الإنسانية.
وأضافا على الرغم من شكاوى الجانبين من تنفيذ الاتفاق، تم تجديد الهدنة مرتين. وعلى الرغم من أن الأعمال العدائية لم تتوقف تمامًا، إلا أن الهدنة أدت إلى انخفاض كبير في العنف والإصابات، وزيادة الفرص الاقتصادية، وتحسين الوصول إلى المساعدات الإنسانية. لكن في أكتوبر/ تشرين الأول، انتهت الهدنة، حيث رفض الجانبان اقتراح التمديد والتوسيع. هذا الفشل يهدد بإعادة البلاد إلى الحرب، ويعرض ملايين المدنيين مرة أخرى إلى الوحشية العشوائية للنزاع.
الأثر الإنساني للهدنة
وأشارا إلى أن الهدنة التي استمرت ستة أشهر قدمت لحظة حرجة من الإغاثة للمدنيين والعمليات الإنسانية. وعلى الرغم من أن الأعمال العدائية بين الطرفين لم تتوقف تمامًا، فقد أدى الانخفاض الكبير في العنف إلى انخفاض في النزوح وانخفاض بنسبة 60 في المائة في الخسائر المدنية. وهذا وحده يمثل فائدة إنسانية كبيرة.
وقالا إن إعادة فتح مطار صنعاء أدى إلى تحسين قدرة المنظمات الإنسانية غير الحكومية على استيراد الموارد الغذائية والصحية الأساسية، كما أدى وقف الأعمال العدائية إلى زيادة وصول المساعدات إلى الأشخاص النازحين داخليًا. ووفرت زيادة واردات الوقود القليل من الإغاثة الاقتصادية للمدنيين، حيث ارتفعت أسعار الوقود العالمية وأسعار السلع الأساسية بسبب الصراع في أوكرانيا. ومع ذلك، ساعد استئناف استيراد الوقود على ضمان الوصول المستقر إلى المياه النظيفة الأساسية والرعاية الصحية والكهرباء وخدمات النقل.
وتابعا على الرغم من أن الهدنة أوجدت مساحة عملياتية أكبر للجهات الفاعلة الإنسانية، إلا أن فوائدها قد تكون مبالغًا فيها. فعلى الرغم من تراجع الأعمال العدائية، قُتل ما معدله 44 مدنياً خلال كل شهر من الهدنة بسبب الألغام الأرضية والعبوات الناسفة والذخائر غير المنفجرة واستمرار العنف في مناطق النزاع الرئيسية.
وبشأن الجنوب أفادا بأن جنوب اليمن شهد انخفاضًا في المساعدات الغذائية حيث أوقفت الحكومتان السعودية والإماراتية، المسؤولتان تقليديًا عن ميزانية المساعدات الإقليمية، جميع المساهمات في العمليات الإنسانية. وكشفت دراسة استقصائية أجرتها الأمم المتحدة في جنوب اليمن أن العديد من النازحين لديهم انطباعات سلبية عن فترة الهدنة، حيث رأوا أن الظروف لم تتحسن إلى حد كبير. وشكّل استمرار العنف السياسي والقبلي وقضايا حقوق الإنسان والحكم العالقة نتائج متباينة للهدنة بالنسبة للمدنيين في المنطقة. كما أن استمرار الاشتباكات المسلحة بين قوات الحوثي وقوات الحكومة وما يترتب على ذلك من مخاطر على المدنيين شكل التصورات المحلية لفوائد الهدنة.
الوضع الإنساني الحالي
ووفقا للتقرير فإنه على الرغم من "الحوادث المثيرة للقلق"، لم ينزلق الصراع اليمني مرة أخرى إلى حرب كاملة. ومع ذلك، يواجه ملايين المدنيين الآن خطر تجدد القتال وخطر الضربات الجوية والقصف البري والهجمات الصاروخية. ونظرًا لأن كل جانب من جوانب الصراع يسعى للسيطرة والاستفادة من الاقتصاد الهش، فقد تحركت الحكومة الشرعية لمزيد من تقييد تدفق الوقود وتجميد أصول الشركات التي تستورد الوقود في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. ويمكن أن يهدد الصراع الاقتصادي المتبادل بإطلاق دوامة جديدة من التصعيد العسكري. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون على محطات النفط والموانئ البحرية التابعة للحكومة في المحافظات الجنوبية قد أجبرت على إغلاق الصادرات وهددت بإطلاق دوامة جديدة في الأعمال العدائية النشطة.
وتشير الأرقام الأولية إلى أن الأوضاع الأمنية والإنسانية قد بدأت في التدهور. فقد ارتفع عدد الضحايا من الأطفال بمعدل 42.5 في المائة منذ سبتمبر. وعلى سبيل المثال، تشكل التصعيد وإطلاق القذائف في تعز ولحج تهديدات جديدة للمدنيين، ويظهر تتبع النزوح السريع التابع للمنظمة الدولية للهجرة زيادة مقلقة بنسبة 191 في المائة في الأسر النازحة في أسبوع واحد فقط. ويمثل هذا أعلى معدل نزوح منذ تنفيذ الهدنة.
وقال يواجه ما يقرب من 40 في المائة من اليمنيين الآن انعدام الأمن الغذائي، فيما لا يزال تصاعد المنافسة الاقتصادية بين الأطراف المتحاربة واشتداد ظروف الجفاف مدفوعة بتغير المناخ يزيدان من حدة هذا الضعف. ومع اقتراب فصل الشتاء بسرعة، يقدر شركاء مجموعة المأوى أن 54000 أسرة نازحة ومستضعفة بحاجة إلى الدعم والحماية من درجات الحرارة شديدة الانخفاض. واعتبارًا من منتصف ديسمبر، تم تمويل 55.5 بالمائة فقط من خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2022، والتي سعت للحصول على 4.3 مليار دولار لمساعدة 17.9 مليون يمني. ودون استمرار الالتزامات من الجهات المانحة، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن من أن ملايين الأشخاص، معظمهم من النساء والأطفال، سوف يعانون من الجوع.
وأكدا أنه في جميع أنحاء البلاد، لا يزال عمال الإغاثة الإنسانية يواجهون تحديات في الوصول إلى الفئات السكانية الضعيفة بسبب العوائق البيروقراطية، بما في ذلك التدخل في العمليات الإنسانية ورفض تصاريح السفر أو التأخير. وأدى العنف ضد العاملين في المجال الإنساني من قبل الجماعات المسلحة التابعة للحكومة الشرعية إلى إعاقة وصول المساعدات الإنسانية في محافظة لحج، حيث يدور القتال والنزوح النشط. وفي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، تعيق سياسات المحرم التي تتطلب من الإناث أن تكون مصحوبة بأوصياء ذكور حركة العاملات في مجال الإغاثة والوصول إلى النساء والفتيات المستضعفات. وقد أجبر التأثير المشترك لتحديات الوصول والتمويل غير الكافي منظمات الإغاثة على الحد من برامج المساعدات الحيوية أو إيقافها.
طريق إلى الأمام
وبحسب التقرير فإن الهدنة رغم أنها لم تكن مثالية، إلا أنها مكنت من تحقيق مستوى من الاستقرار داخل اليمن وقدمت لمحة عن مستقبل أكثر هدوءًا. ومع ذلك، فإن التحسينات الجوهرية في الظروف الإنسانية تعتمد على استمرار الدعم الدولي واستعداد الأطراف لتيسير وصول المساعدات الإنسانية والالتزام بحل سياسي.
وشدد تقرير المركز على بذل كل الجهود لحماية السكان المعرضين للخطر من تجدد الأعمال العدائية ولدعم جهود الاستجابة الإنسانية.
وقال "يجب على الحوثيين والحكومة الشرعية الاعتراف بمسؤوليتهم عن تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتعزيز الظروف الإنسانية المحسنة من خلال مفاوضات السلام. وفي حين أن تعاون قوات التحالف هو عنصر مهم في أي اتفاق مستقبلي، فإن السلام سيعتمد على تنازلات والتزامات الأطراف المحلية.
واستدرك "ينبغي مساءلة جميع أطراف النزاع من قبل المجتمع الدولي وفقًا لالتزاماتها بحماية المدنيين. على الرغم من أن التقدم في قضايا حقوق الإنسان والحوكمة سيستغرق وقتًا، إلا أنه يمكن تحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية أسرع عن طريق إزالة العوائق البيروقراطية والمسلحة أمام الجهات الفاعلة الإنسانية".
وختم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقريره بالقول "مع استمرار مناقشات القنوات الخلفية لدفع مفاوضات السلام التي تدعمها الأمم المتحدة، يجب على الأطراف إيجاد طريقة لبناء الثقة وتعزيز حل شامل للصراع.
*يمكن الرجوع للمادة الأصل : هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست