كشفت صحيفة "فاينانشال تايمز" عن محادثات بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين لإصلاح ما أفسدته سنوات من القطيعة والحرب بالوكالة في المنطقة.
وذكرت الصحيفة البريطانية تفاصيل في تقرير مفصل ترجمه "الموقع بوست"، أن مسؤولين سعوديين وإيرانيين رفيعي المستوى أجروا محادثات مباشرة في محاولة لإصلاح العلاقات بين الخصمين الإقليميين، بعد خمس سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية، وفقًا لثلاثة مسؤولين اطلعوا على المناقشات.
ويُعتقد أن المفاوضات، التي جرت في بغداد خلال الشهر الجاري، هي أول مناقشات سياسية مهمة بين البلدين منذ عام 2016، وتأتي في الوقت الذي يسعى فيه جو بايدن إلى إحياء الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع القوى العالمية في عام 2015 وتهدئة التوتر الإقليمي.
وتحرص السعودية على إنهاء حربها في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران، الذين كثفوا هجماتهم على المدن السعودية والبنية التحتية النفطية، حيث أطلق الحوثيون عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة المفخخة على المملكة هذا العام.
كما اتخذ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خطوات يبدو أنها تميل نحو كسب ود إدارة بايدن، والتي تعهدت بإعادة تقييم العلاقات مع المملكة وإنهاء الحرب المستمرة منذ ست سنوات في اليمن.
وقال أحد المسؤولين إن الجولة الأولى من المحادثات السعودية الإيرانية جرت في بغداد في 9 أبريل/نيسان، وتضمنت مناقشات حول هجمات الحوثيين وكانت إيجابية. وأضاف المسؤول أن الوفد السعودي كان بقيادة خالد بن علي الحميدان رئيس المخابرات، مضيفا أنه كان من المقرر عقد جولة أخرى من المحادثات الأسبوع المقبل.
ويسهل العملية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي أجرى محادثات مع الأمير محمد بن سلمان في الرياض الشهر الماضي. وقال المسؤول: "إنها تتحرك بشكل أسرع لأن المحادثات الأمريكية [المتعلقة بالاتفاق النووي] تتحرك بشكل أسرع و[بسبب] هجمات الحوثيين".
ونفى مسؤول سعودي كبير إجراء أي محادثات مع إيران، فيما لم تعلق الحكومتان العراقية والإيرانية. لكن مسؤولا عراقيا كبيرا ودبلوماسيا أجنبيا أكدا المحادثات. وأضاف المسؤول العراقي أن بغداد سهلت أيضا "قنوات اتصال" بين إيران ومصر، وإيران والأردن.
وقال المسؤول "رئيس الوزراء حريص كل الحرص على لعب دور شخصي في تحويل العراق إلى جسر بين هذه القوى المتعادية في المنطقة"، وأكد أنه "من مصلحة العراق أن يلعب هذا الدور، كلما زادت المواجهة في المنطقة، زاد اللعب هنا.. وهذه المحادثات كانت تجري".
وتراجعت العلاقات بين المملكة السعودية، التي تعتبر نفسها زعيمة العالم الإسلامي السني، وإيران، أكبر قوة شيعية في المنطقة، تراجعت في يناير 2016 عقب نهب سفارة المملكة في طهران.
وكانت النيران قد اشتعلت في السفارة بعد أن أعدمت السعودية الشيخ نمر النمر، رجل الدين الشيعي البارز، ثم قطع الخصمان، اللذان يتهم كل منهما الآخر بزعزعة استقرار المنطقة، العلاقات الدبلوماسية على إثرها.
وتصاعد التوتر أكثر في عام 2018، بعد انسحاب الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات شديدة على الجمهورية الإسلامية.
وكان الأمير محمد بن سلمان من أشد المؤيدين لحملة الضغط القصوى التي شنها ترامب على طهران، لكن ضعف السعودية تكشف بعد هجوم صاروخي وطائرات مسيرة في سبتمبر 2019 والذي أدى إلى توقف نصف إنتاج المملكة من النفط الخام بشكل مؤقت.
ورغم إعلان الحوثيين مسؤوليتهم عن الهجوم، إلا أن المسؤولين الأمريكيين والسعوديون حملوا إيران المسؤولية.
وتتهم واشنطن والرياض إيران صراحة بتهريب الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة إلى الحوثيين، في معركة لتقوية حركة دينية تسيطر على صنعاء العاصمة اليمنية وشمال اليمن منذ أوائل عام 2015.
العراق، الذي يعد موطنا للحركات المسلحة القوية المدعومة من إيران، علِق أيضًا في التوتر الإقليمي، لا سيما عندما أمر ترامب باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في بغداد في يناير 2020.
وقد دفع ذلك الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية إلى شفا حرب، حيث كان العراق، الذي يستضيف حوالي 2500 جندي أمريكي، ساحة معركة محتملة حيث كانت بغداد محصورة بين واشنطن وطهران.
وأقامت إيران علاقات أمنية وسياسية وتجارية قوية مع جارتها منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين عام 2003.
وتعد المحادثات السعودية الإيرانية علامة على أن انتخاب بايدن، الذي قال إنه سيعود للانضمام إلى الاتفاق النووي لعام 2015 ويرفع العديد من العقوبات المفروضة على إيران إذا عادت طهران إلى الامتثال للاتفاق، قد بدأ في تغيير الديناميكيات الإقليمية.
الدول الموقعة والمتبقية على الاتفاقية النووية -إيران، الاتحاد الأوروبي، ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة، روسيا والصين- تجري محادثات في فيينا لتمهيد الطريق أمام الولايات المتحدة للانضمام مرة أخرى.
وفي يناير كانون الثاني، أنهت الرياض حظراً إقليمياً استمر أكثر من ثلاث سنوات على قطر، وفرض جزئياً بسبب صلات الدوحة بطهران. ويُنظر إلى هذه الخطوة على نطاق واسع على أنها جزء من جهود الأمير بن سلمان لاكتساب المصداقية لدى إدارة بايدن.
وقالت الرياض، التي عارضت الاتفاق النووي، إنها لن تعرقل المحادثات النووية، لكنها تريد أن تشارك القوى الإقليمية في أي مناقشات تتعلق بأي اتفاق جديد وتصر على ضرورة معالجة برنامج إيران الصاروخي والأنشطة الإقليمية.
"الكاظمي لديه روابط جيدة مع النظام الإيراني". وقال مسؤول آخر مطلع على المحادثات "الجديد هو أن الكاظمي يلعب هذا الدور مع السعودية"، "إنه لأمر جيد أن يلعب العراق هذا الدور، لكن هذه الأيام هي الأولى."
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي تنتهي ولايته الأخيرة في أغسطس، قد أشار في وقت سابق إلى أنه يريد تهدئة الأعمال العدائية مع الخصوم العرب.
* يمكن الرجوع للمادة الأصل : هنا
* ترجمة خاصة بالموقع بوست