قال معهد "واشنطن" لسياسة الشرق الأدنى إن سيطرة جماعة الحوثي على محافظة مأرب الغنية بالنفط والتي تأوي قرابة مليوني نازح ستؤدي إلى إضعاف مصداقية جهود السلام المتعددة الأطراف وإضعافها.
وأضاف المعهد في تقرير له أعده الباحثان مايكل نايتس والكسندر ميلو أنه يتوجب على الولايات المتحدة تسهيل المزيد من الدعم السعودي والإماراتي النشط للدفاع عن المدينة.
وقال الباحثان إن قوات الحوثي أصبحت حالياً على مسافة لا تبعد أكثر من عشرة أميال عن مدينة مأرب اليمنية، التي تتعرض لهجوم جوي وبري من المتمردين منذ 14 شهراً، وإذا سقطت المدينة ومنشآت الطاقة المجاورة لها، ستواجه الحكومة اليمنية الهشة وعملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة والأمم المتحدة خطراً شديداً بالانهيار الكامل.
وأضافا "يستوجب هذا الخطر الوشيك اتخاذ خطوات قوية لمنع انتصار الحوثيين في مأرب، الأمر الذي من شأنه أن يقلب مجرى الحرب لصالحهم ويكافئ انتهاكاتهم المتكررة للترتيبات التي تقوم بها الأمم المتحدة لوقف التصعيد".
وأشارا إلى أن مأرب اكتسبت في هذه المرحلة من الحرب قيمة رمزية وإستراتيجية هائلة لعدة أسباب، منها أنها مصادر الطاقة والتي تضم المنطقة أكبر حقول للنفط والغاز الطبيعي في اليمن، إلى جانب المحطة الكبرى والأكثر ربحية لتعبئة وتوزيع غاز الطهي.
ولفتا إلى أنه عندما سيطر الحوثيون على صنعاء في عام 2015، طردوا حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي من العاصمة، ولا يتمتع المسؤولون الموالون له إلا بتواجد ضعيف في عدن التي تعدّ ثاني أكبر مدينة في اليمن. وهذا الوضع يجعل مأرب أكبر مدينة يسيطر عليها هادي - وهي ذات أهمية إستراتيجية نظراً لخط طيرانها المباشر وروابطها البرية مع المملكة العربية السعودية، حيث يقيم الرئيس اليمني حالياً. كما تستضيف مأرب ثلاثة من المقار العسكرية الإقليمية للحكومة ومكتب وزير الدفاع محمد المقدشي، الذي هو القائد الأعلى للقوات البرية.
واعتبرا مأرب منصة انطلاق للهجمات الحاسمة ضد الحوثيين وتقع مأرب عند تقاطع طرق رئيسي يربط المحافظات الجنوبية الممتدة على طول خليج عدن بصنعاء والسعودية. لذلك فإن الاستيلاء على المدينة قد يتيح للحوثيين شن تقدم سريع إلى داخل محافظة شبوة الغنية بالنفط ونحو المعبر الحدودي الرئيسي مع السعودية.
وذكرا أن مأرب مأوى للنازحين، حيث يقيم فيها حالياً نحو مليوني شخص، من بينهم أكثر من مليون نازح داخلياً. وإذا بدأ هؤلاء بالفرار من المدينة بصورة جماعية، فسوف يتسببون بأزمة لاجئين كبيرة في السعودية، والمحافظات الشرقية في اليمن، وسلطنة عُمان.
المعركة على مأرب
يقول المعهد الأمريكي إنه وعلى مدار الأربعة عشر شهراً الماضية، تقدّم الحوثيون إلى مسافة عشرة أميال من شمال غرب مأرب. ويمكن سماع أصوات المعارك داخل الأحياء المزدحمة، بينما تصاعدت الضربات الصاروخية للمتمردين على المدينة نفسها.
ولفت التقرير إلى أن خطة الهجوم الحوثية على مأرب بسيطةً وناجحة للغاية، وتضمنت ثلاثة عناصر، منها الهجمات البرية، حيث يعمد الحوثيون كل ثلاثة أشهر أو نحو ذلك على إعادة بناء قوتهم الهجومية عبر تجنيد الأطفال وغيرهم من المجندين غير المدربين، القصف المساند لمأرب اذ يشن الحوثيون عددا من الهجمات الدقيقة بالصواريخ والطائرات المسيّرة داخل المدينة.
وذكر أن مأرب أصبحت معرضة لمثل تلك الضربات منذ انسحاب الدفاعات الصاروخية الإماراتية والسعودية (حيث كان انسحاب السعودية في عام 2019، لحماية المملكة)، مع الإشارة إلى أن الطائرات المسيرة الحوثية تحلق باستمرار حول المدينة.
الخيارات المستقبلية للولايات المتحدة
يشير المعهد إلى أن الحكومة الأمريكية كانت محقةً في إدانة الزحف الحوثي على مأرب لتهديده عملية السلام وتسريعه وتيرة الحرب، وأصبحت المدينة ضعيفة حين سُمح للحوثيين بإعادة نشر عناصرهم تحت غطاء خفض التصعيد بوساطة الأمم المتحدة.
وأوضح أن الضعف المتصور لوضع الحكومة في مأرب قد يشجع المناورات الانفصالية في الجنوب والشرق، وقد يكون لذلك عواقب وخيمة على مساعي السلام الدبلوماسية وسلامة أراضي اليمن.
وأتبع أن هذه الأزمة لم تتسارع بسبب القرار الذي اتخذته إدارة بايدن في 12 شباط/فبراير بشطب الجناح العسكري للحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية، فالهجوم على مأرب بدأ منذ عدة أشهر وخطى أكبر خطواته خلال عهد إدارة ترامب.
وأردف أن الحوثيين يحتقرون الإدارة الأمريكية الجديدة ويشعرون أنه ليس لديهم ما يخسرونه برفضهم لخطة السلام التي اقترحها المبعوث الأمريكي الخاص تيم ليندركينغ، ولا بمضاعفة الهجوم على مأرب وضربات الصواريخ/الطائرات بدون طيار على السعودية. يجب على واشنطن وشركائها تغيير هذا الانطباع، وقريباً، لأن المدينة قد تسقط بسهولة عندما يحدث "نبض" الهجوم الحوثي التالي، ربما في غضون ثلاثة أشهر".
وأكد التقرير أن الإدانة الكلامية لن تكون كافية لردع الحوثيين، بل يجب أن تقترن الكلمات باحتمال ملموس بتكبد هزيمة عسكرية في مأرب وانتكاسات متعاقبة على الجبهات الأخرى.
وقال "وفقاً لذلك، يجب على الإدارة الأمريكية استخدام القنوات الأمريكية مع "المجلس الانتقالي الجنوبي" للتأكد من أن الانفصاليين لا يصرفون الانتباه عن جهود الدفاع عن مأرب من خلال اتخاذهم خطوات انتهازية في أماكن أخرى".
واستطرد "على واشنطن وشركائها أيضاً تشجيع السعودية والإمارات سرّاً على إعادة إدخال عدد قليل من وحدات المدفعية المتوسطة بتكتّم - وتحديداً مدافع "هاوتزر" ذاتية الدفع عيار 155 ملم وطائرات المراقبة بدون طيار والدفاعات الجوية قصيرة المدى. وعلى الرغم من أن أياً من هذين البلدين لا يتوق إلى إعادة نشر قواته البرية، إلا أن نقل هذه الوحدات بين القواعد الصحراوية خارج مأرب قد يترك تأثيراً حاسماً على المعركة".
واستدرك "يجب على واشنطن أن تفكر في تقديم معلومات استخباراتية تستهدف قادة الحوثيين المتواجدين في الخطوط الأمامية، وفي الحالات التي تعتبر فيها مثل هذه الضربات آمنة، وبذلك تصبح العناصر التي لا يستطيع الحوثيون استبدالها بسهولة أهدافاً في مرمى النيران".