[ غوغل وآبل.. من يسيطر على تقنية الواقع المعزز؟ ]
سلكت شركة مايكروسوفت طريق النظّارات الكبيرة التي توضع على الرأس لتغيير واقع المُستخدم، فهي أطلقت نظّارات "هولو لينس" (HoloLens) مع حزمة برمجية لتطوير تطبيقات لها. آبل في المُقابل أطلقت حزمة برمجية حملت اسم "أيه آر كيت" (ARKit)، وهي حزمة تسمح للمُطوّرين بكتابة تطبيقات لتعزيز واقع المُستخدم على أجهزته الذكية، وتحديدًا العاملة بنظام "آي أو إس 11" (iOS 11) وما بعده.
غوغل بدورها سلكت أكثر من طريق بدءًا بمشروع النظّارة الذي لم يكن واضح المعالم، لتتبعه فيما بعد بمشروع "تانغو" (Project Tango) الذي تقوم من خلاله بتطوير أجهزة مُزوّدة بمستشعرات خاصّة لرصد بُعد العناصر وإنشاء نسخة رقمية منها. لكنها راجعت نفسها وعادت لنفس فكر آبل القائم على إطلاق حزمة برمجية للواقع المُعزّز، وهذا نتج عنه حزمة "أيه آر كور" (ARCore)، التي يُمكن تحميل وتجربة النسخة الاستعراضية منها.
رحلة الواقع المُعزّز
بدأت خطوات غوغل في مجال تعزيز واقع المُستخدم منذ عام 2010 تقريبًا، فهي استعرضت نظّارتها الذكية في 2012، وهذا يعني أنها بدأت العمل عليها قبل عامين على أقل تقدير لكي تكون جاهزة كمُنتج. وبالتالي يُمكن القول بوثوق إنها تمتلك باعًا طويلًا وخبرة في هذا المجال.
خلال رحلتها الطويلة، تجاهلت شركة غوغل -بقصد أو بدون قصد- الانتشار الكبير لنظام أندرويد حول العالم، فهو موجود على أكثر من 2 مليار جهاز مُختلف(1)، وهذا أمر لا يُمكن أن يفوتها، إلا أنه جرى بنسبة كبيرة تجنّبًا للمشاكل، فهي رغبت بتطوير حزمة الواقع المُعزّز في معزل عنه قبل أن تقوم بتوفيره لجميع الأجهزة العاملة بأندرويد 7، بما في ذلك هواتف "بكسل" (Pixel) أو "غلاكسي إس 8" (Galaxy S8) من سامسونغ، ذاكرة أن الشريحة الأوّلية المُستهدفة تصل سعتها لـ 100 مليون جهاز(2).
وقبل الوصول لهذه المرحلة، فضّلت الشركة إطلاق أجهزة خاصّة بالواقع المُعزّز ذاكرة أنها مزوّدة بمُستشعرات خاصّة لرصد الوسط المُحيط من خلال الأشعّة تحت الحمراء لتحويل تلك البيانات لمُجسّمات ثلاثية الأبعاد رقمية يُمكن للحاسب فيما بعد الرسم عليها دون مشاكل مع إخفاء الخارطة الرقمية، لتبقى تلك العناصر ظاهرة على شاشة الجهاز؛ الهاتف، النظّارة، الحاسب اللوحي.
ذلك التوجّه كان له تأثير إيجابي وتعزيز لخبرة الشركة في هذا المجال، لكن إطلاق آبل لحزمة برمجية فقط لتعزيز الواقع كان له الأثر الكبير في قرار غوغل على ما يبدو، فهي لم تنتظر أكثر من ثلاثة أشهر لتُعلن عن حزمتها الجديدة في الظهور للمستخدمين، القديمة داخل مُختبرات غوغل بكل تأكيد، فمثل تلك التقنيات والإتقان لا يُمكن أن تكون وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة لجهود طويلة مبذولة داخل الشركة استمرّت لفترة زمنية طويلة.
حزمة "أيه آر كور"
كشفت غوغل بشكل مُفاجئ عن حزمتها البرمجية الخاصّة بالواقع المُعزّز، مع طرح نسختها الاستعراضية الأولى كذلك لمشاهدة قدراتها العالية من جهة، ومُستقبل الأجهزة الذكية العاملة بنظام أندرويد من جهة أُخرى.
"أيه آر كور" هي حزمة فيها أدوات جاهزة لأي مُبرمج من أجل تعزيز واقع المُستخدم بعد تشغيل الكاميرا الخلفية، أو الأمامية(3)(4). أول ما تقوم به تلك الحزمة هو رصد العناصر الموجودة داخل المشهد مُحاولة وضع نقاط تركيز مُختلفة، فعند رصد سطح أملس، تقوم فورًا بتحويله لخارطة رقمية ثلاثية الأبعاد، وتُكرّر نفس الأمر عند رصد خزانة أو تلفاز، فهي قادرة على وضع نقاط افتراضية على المشهد دون أن يراها المُستخدم، مع رصد أبعادها كذلك وموقعها الجغرافي داخل تلك الخارطة الافتراضية.
ولم تكتفي الشركة بذلك مُعلنة عن أدوات تسمح للمُطوّر بإنشاء مُجسّمات ونماذج ثلاثية الأبعاد ورسمها وتحريكها لاستيرادها فيما بعد داخل المشروع وإتاحتها للمُستخدم(5). وبناءً على ذلك، يُمكن للمستخدم تشغيل تطبيق للواقع المُعزّز على أندرويد لتظهر له بعض البيانات على المشهد الذي توجّه الكاميرا إليه. أو يُمكن إضافة عناصر إلى طاولة أو إلى طريق عام بشكل يدوي، وهذا يختلف على حسب المُبرمج وفكرة التطبيق.
استعراضات بسيطة أوّلية شاركتها غوغل تمثّلت بتطبيق يسمح للمستخدم معاينة العمارة الخاصّة بأي بناء، فهو يقوم بتشغيل الكاميرا وتوجيهها نحو الحائط مع اختيار نوع الطلاء أو الأحجار التي يرغب باستخدامها، لتقوم الحزمة بتطبيق ما اختاره على نفس الحائط ليبدو وكأنه حقيقي. تطبيق آخر يقوم بتعليم المُستخدم طريقة تحضير القهوة بواسطة واحدة من الآلات، فكل ما يحتاجه صاحب الآلة هو تشغيل الكاميرا ورفع الهاتف ليقوم التطبيق بالتعرّف عليها ومن ثم عرض تعليمات التشغيل بشكل حي ومُباشر، أي من خلال عرض يد على الشاشة تتحرّك على أزرار تلك الآلة(6).
استخدام آخر لمُحبي السفر يكمن في التجوال في الشوارع دون الحاجة للتواجد في تلك الأماكن، وهذا من خلال خاصيّة "ستريت فيو" (Street View) في خرائط غوغل. ولا يجب نسيان الألعاب المُختلفة التي تقوم بإنشاء حلبة سباق مثلًا على سطح طاولة المُستخدم، وهي حلبة يُمكن التجوّل فيها أثناء السباق مع الاقتراب والابتعاد أيضًا، بحيث تكبر وتصغر العناصر بناء على حركة المُستخدم ذاته، وهذه الغاية الأساسية من فكرة تعزيز الواقع، فالواقع على حاله، لكن عناصر أُخرى ستُضاف إليه لتعزيزه يُمكن التفاعل معها لتبدو واقعية أكثر.
ولم تُهمل الشركة موضوع الإضاءة(3)(4)، ومن أجل ذلك تقوم الحزمة بالتقاط نسبة الضوء الموجودة في الوسط المُحيط لمحاكاتها في العناصر المُعزّزة أولًا، وفي إسقاط الظلال ثانيًا، فوضع كوب افتراضي على الطاولة سينتج عنه ظل على يساره لو كانت الإضاءة وسطوعها من الزاوية اليُمنى في الأعلى. وهذا يعني تعزيز واقع المُستخدم لتبدو تلك العناصر وكأنها حقيقية 100%.
باختصار، لا تختلف حزمة "أيه آر كيت" أبدًا عن أي حزمة برمجية أُخرى داخل نظام أندرويد، أو غيره من أنظمة التشغيل، فالمُطوّر عوضًا عن كتابة وحدة لمعالجة الاتصال بشبكات "واي-فاي" وأنواعها المُختلفة، توفّر غوغل حزمة برمجية خاصّة لمعالجة الاتصال، وعوضًا عن كتابة آلاف التعليمات البرمجية، يُمكن للمبرمج استخدام الحزمة والاتصال بالإنترنت بسطرين فقط لا غير. نفس الأمر في حزمة تعزيز الواقع، فهي تقوم بالاستفادة من تقنيات الكاميرا والمُستشعرات الأُخرى داخل الجهاز، وتترك الإبداع لمُخيّلة المُطوّر.
تعزيز المُستقبل
هناك عوامل كثيرة خلف نجاح التقنيات والأجهزة التقنية المُختلفة، ومتجر التطبيقات واحد من تلك العوامل بكل تأكيد. مع وصول الواقع المُعزّز لنظام أندرويد، فهذا يعني أن متجر "غوغل بلاي" (Google Play) سيكون بكل تأكيد المكان الذي يُمكن البحث فيه عن تطبيقات لتعزيز الواقع، الأمر الذي سيُعيد للمتجر بريقه من جديد بعدما تراجع مُعدّل تحميل الألعاب والتطبيقات من المتاجر العالمية نتيجة لانتشار مفهوم تطبيقات الويب التي تعمل داخل المُتصفّح(7). وهذا أمر لم تُهمله غوغل، ولا آبل أيضًا، فالشركة تعمل في الوقت الراهن لتوفير مكتبات تسمح لمُطوّري تطبيقات الويب بإنشاء تطبيقات الواقع المُعزّز للعمل داخل المُتصفّح كذلك، وهذه خطوة كبيرة في المُستقبل، إلا أن دعم المُتصفّحات لتلك المكتبات والمعايير قد يتطلّب مزيدًا من الوقت(8).
الخُلاصة من حزمة غوغل الجديدة تكمن في أن التعامل مع التطبيقات والألعاب سيختلف بشكل شبه كامل في المُستقبل. فبعدما كانت الجداول والأسطح ثُنائية وثلاثية الأبعاد هي المكان الأمثل لتطوير تطبيقات الأجهزة الذكية، سيتحوّل مُحيط المُستخدم لذلك المكان، بحيث يُمكن الاستفادة من الطاولة أو الرفوف الموجودة في منزل المُستخدم لوضع بعض العناصر والعودة إليها في أي وقت بكل بساطة.
أما تلك الدراسات التي تتحدّث عن حالة الخمول التي تسبّبت بها الهواتف الذكية، فهي بحاجة لمُراجعة عقب إطلاق تطبيقات الواقع المُعزّز وانتشارها، فلعبة مثل "بوكيمون غو" (Pokemon Go) ساهمت في إخراج الملايين من بيوتهم للبحث عن الشخصيات والتقاطها(9)، وتلك البداية فقط. لعبة مثل "سب وي سيرف" (Subway Surf)، التي يركض فيها بطل اللعبة، يُمكن أن تتحوّل لشيء حقيقي بحيث يحتاج المستخدم للحركة نحو الأمام والانعطاف لتفادي الحواجز، وهي نموذج جيّد لشكل الألعاب عند وصول النظّارات الذكية التي تعتمد على الواقع المُعزّز كذلك.