لا شك أني أحب فن التمثيل، لكن بشرط أن يظل بيني وبين الممثل اتفاق ضمني بأن ما يقوم به ليس سوى تمثيل، أما إذا ادعى أنها الحقيقة فسأضطر للتوقف عن المتابعة وسأعتبره مجرد كذاب لا فنان. هذا الأمر ينطبق تماما على الأخوة والأخوات أنصار الانقلاب الفاشي في صنعاء. فبعد أن كنا نظن أننا شعب بلا مواهب فنية تبين لنا أن لدينا آلاف الممثلين لكنهم أخطأوا طريقهم يوما ما، وبدلا من أن يذهبوا إلى المسرح ذهبوا إلى السياسة. المشكلة الوحيدة بيني وبينهم هي إصرارهم على أن ما يقومون به من أدوار هو الواقع نفسه وليس التمثيل. يقف أحدهم على خشبة المسرح ويوجه كلامه بانفعال شديد إلى جمهور الصالة قائلا لهم: أنتم عملاء، مرتزقة، ترضون على بلادكم أن يدوسها الغريب، ترضون للدم اليمني أن يسيح أنهااااااارا أنهاااااارا (على طريقة عبد الحليم في قارئة الفنجان) ثم ينزل بركبتيه على خشبة المسرح، وينظر إلى الأسفل وتفر من عينيه دمعتين بارعتين، والجمهور في غاية الانبهار والتعاطف، وفجأة يسحب مسدسه ويصوب باتجاه الجمهور ويرتكب مجزرة مروعة.
أخي الممثل أختي الممثلة، ليكن في علمك، الناس تحتقر الممثل الذي يعتقد أنه يعيش الواقع. أنت تزعم أنك تحب اليمن على وجه الحقيقة لا على سبيل التمثيل، وتأسى على دماء اليمنيين التي تراق على وجه الحقيقة لا على سبيل التمثيل، وترفض التدخل الأجنبي في شئونها على سبيل الحقيقة لا على سبيل التمثيل، وتتهم الآخرين بالارتزاق والعمالة لأنهم هربوا من بطشك إلى أقرب حمى يحميهم. لا بأس، سنصدقك هذه المرة على سبيل الحقيقة لا على سبيل التمثيل، لكن حتى الحقيقة لها قوانينها وأعرافها مثل الفنون التي تجيدها. فهل تسمح لنا أن نختبر مزاعمك على مسرح الحقيقة؟!.. ها نحن ذا نعرض عليك عرضا عادلا، لا يرده إلا ممثل حقير، ها نحن نقول لك: تعال نضع أيدينا في أيدي بعض، ونقف جبهة واحدة ضد التدخلات الأجنبية جميعا، سواء جاءت من السعودية أو جاءت من إيران. تعال نحقن دماءنا ونبني وطننا معا. أنا مستعد لنسيان ماضيك الإجرامي، مستعد للتغاضي عن ما نهبت وما خربت وما دمرت، فقط لي مطالب متواضعة وعادلة، وأتحداك أن تقول إنها ليست متواضعة أو عادلة، أتحداك..
مطالبي هي أن توافق على أن يكون اليمن وطنا لجميع اليمنيين، يقتسمون فيه السلطة والثروة والكرامة والحرية على قاعدة المساواة، الجميع فيه متساوون أمام القانون وأمام الفرص. وكل هذه المطالب مفصلة في وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل، أكبر وأعظم فعالية سياسية في تاريخ اليمن كله منذ الأزل، فهل أنت موافق؟!.. إذا قلت "أجل أنا موافق" وأعلنت ذلك على الملأ، فأعدك أن أكون أنا وآلاف اليمنيين معك في جبهة واحدة ضد من يناهض هذه الحقوق. وإن رفضت هذه المطالب بأي ذريعة من الذرائع فأنت مجرد ممثل تافه، لجأت لمهنة التمثيل لتقوم بدور المظلوم بعد أن خانتك شجاعتك في الاعتراف بحقيقة أهدافك..
أنت أيها الممثل التافه تريد أن تختطف اليمن واليمنيين، فتجعل من الأرض بقرة حلوبا ومن الشعب قيانا وعبيدا لك ولعشيرتك، وليس من حقهم أن يشتكوا أو يستنصروا أحدا.. أنت أيها الممثل التافه تريد أن تعيش على عرق البسطاء وحقوق الغالبية العظمى من أبناء بلدك. أنت أيها الممثل التافه لا تعارض التدخل الأجنبي في اليمن بدليل أنك وأجدادك وافقوا على تدخلات إيران والسعودية ومصر من قبل، وإنما تبحث عن خرقة تغطي بها عورتك.. أنت أيها الممثل التافه تغضب لطائفتك وقبيلتك وللامتيازات القذرة التي تريدها لك ولذريتك على حساب بقية اليمنيين. أنت أيها الممثل التافه عنصري جهوي حقير، ولأنك تعرف حقيقة نفسك وتخجل منها فإنك تقوم بدور الممثل الفاشل في مسرحية المظلوم الشريف الغيور على وطنه.. صدقني أنت وهي، أنتم ممثلون تافهون، أنتم تعرفون هذا وتعرفون أننا نعرف..!
* من صفحة الكاتب على فيس بك