جميع المؤشرات القادمة من سويسرا تقول إن «جنيف اليمن» الثاني، الذي اختتم أعمال جولته الأولى أمس، سيكون مصيره مصير نظيره الأول.. الفشل التام بعيدًا عن إيجاد مخرج حقيقي للأزمة اليمنية، طالما استمر الحوثيون في التعاطي مع المفاوضات السياسية بطريقة ذرّ الرماد في العيون. يثبت المتمردون يومًا بعد الآخر أنهم ميليشيا أكثر منهم حزبا أو جماعة قادرة على التصرف بمسؤولية، مستمرين بالمماطلة أكثر من رغبتهم الجادة في إيقاف الحرب التي تسببوا بها، وهم يؤكدون من جديد أنهم لا يعرفون سوى لغة السلاح والحرب لا لغة السلام والمفاوضات.
الأزمة اليمنية لن تنتهي قريبًا ما دام أحد أضلع العملية السياسية، وهي الأمم المتحدة، ليس في يدها إلا الجزرة تمدّها للحوثيين، وكلما التهم المتمردون الجزر سارعت لمدّهم بالمزيد، وبعيدًا عن قرار مجلس الأمن 2216 الذي التفّت الأمم المتحدة عليه، وساعدت المتمردين في عدم تنفيذه، فإن المفاوضات التي عقدت في جنيف شهدت الكثير من الخروقات، لعل أهمها التصريحات الفضائية التي يطلقها أعضاء وفد الحوثي من أمام باب قاعة المفاوضات، على الرغم من تأكيد مسؤولي المنظمة أن ذلك غير مقبول، ويُعدّ انتهاكًا لمبادئ التفاوض، وهو ما يشير إلى عدم احترامهم لمبدأ الامتناع عن التصاريح الإعلامية، فإذا أضفنا عدم التزامهم بوقف إطلاق النار الذي اخترقوه مئات المرات في أيام الهدنة الأولى، وتأكيدهم الاستمرار في القتال، كل هذا يعني أن وجودهم في جنيف ليس إلا لمكاسب إعلامية، واستغلال المفاوضات لكسب مزيد من الوقت، وبالمقابل فإن صمت الأمم المتحدة على خروقاتهم هذه، واعتبار أنها لا تستطيع وصفها بالأفعال الممنهجة، كل هذا يدفع إلى عدم رؤية أي بارقة أمل لقبول الحوثيين بالحل السلمي، وهو ما لا تريد الأمم المتحدة الاقتناع به حتى الآن.
يحرص التحالف، الذي تقوده السعودية، على إنجاح المفاوضات قدر الإمكان، مع التزامه العسكري بحماية حدود المملكة ومنع الحوثيين من تغيير واقع العمليات على الأرض، لاحظوا أن التحالف هو الطرف الأقوى سياسيًا وعسكريًا، ومع ذلك فهو الأشد حرصًا على إنجاح المفاوضات على عكس الطرف الأضعف، الذي يتضح عدم التزامه بالهدنة من الساعات الأولى، وكذلك إضاعة الوقت والمماطلة والمناورة، دون النظر إلى المعاناة التي تتكبدها مناطق يمنية، خاصة تلك الخاضعة لسيطرتهم، كما مدينة تعز التي تعيش كارثة إنسانية لعدم وصول المواد الإغاثية إليها، بسبب تعنت الميليشيات الحوثية.
لا أحد يختلف على أن الحل السياسي هو المخرج للأزمة في اليمن، لكن هذا الحل سيكون فارغًا باستمرار الحوثيين في عدم التزامهم بالقرارات السياسية، وإصرارهم على القتال وترك بلادهم تنزف، مستندين في سياستهم هذه إلى موقف الأمم المتحدة ومبعوث أمينها العام إسماعيل ولد الشيخ، الذي يخطو على خطى سلفه جمال بن عمر، الذي فشل في منع انهيار العملية السياسية على مدى أربع سنوات. المنظمة الأممية نفسها التي رعت انقلاب الحوثيين وبشرت به، لا تزال تفتح الباب تلو الآخر لهم تحت ذريعة الحل السياسي، بينما الحوثيون في كل مرة لا يقتنصون الفرصة التي تمنحها لهم الأمم المتحدة، فمتى ستتوقف المنظمة الدولية عن إرسال هداياها إلى الحوثيين؟!