أمام الحكومة الشرعية في عدن مهام جسام وتحديات كبيرة، ولكي تحقق المهام الجسام وتتخطى التحديات الكبيرة عليها امتلاك المشروع والرؤيا الوطنية الثاقبة التي تلهمها السير في طريق النجاح وترشدها إليه.
وأهم المهام الكبيرة أمام الحكومة هو نجاحها في فرض المشروع الوطني الذي يعكس الصورة الحسنة للشرعية ويكون مساعداً لنجاحها في القضاء على الإنقلاب واسترداد الدولة والوطن من أيدي الانقلابيين ومن ثم الشروع في بنائه البناء الأمثل برؤى مخرجات الحوار الوطني.
نجاح الحكومة في استتباب الأمن في عدن وتسيير مؤسسات الدولة وإدارة الحكومة من هناك بدون عوائق أمنية أو خدمية وعكس صورة حسنة للشرعية وإيصال رواتب كل مؤسسات الدولة بشكل منتظم وإعطاء المواطن بصيص أمل في وجود الدولة، كل تلك العوامل ستعمل على جذب من هم في صف الانقلاب إلى صف الشرعية وسحب البساط من تحت قدم الانقلابيين حتى الوصول إلى القضاء النهائي عليه.
ولكي تحقق الحكومة تلك الأشياء عليها اتخاذ الآليات الكفيلة بنجاح تلك الرؤيا وذلك المشروع، ولا أظن أن الآليات الموجودة على أرض الواقع في عدن ستساعد الحكومة على النجاح في ظل عدم وجود أجهزة أمنية لا تأتمر بأمر الحكومة وقوات غير كافية في حفظ الأمن وهي القاعدة الأساسية للأرض الصلبة لأية حكومة في النجاح، خاصة وقد شهدنا تجاذبات منع الاحتفال بذكرى سبتمبر في العاصمة المؤقتة عدن وفي ظل رؤية بعض أبنائها ومؤسساتها أن الحكومة كيان دخيل على مدينتهم لا يأبهون لشرعيتها، مع حاجتهم إليها، والبدء بمواجهتها بإضراب مصافي عدن وتعطيل الكهرباء عن العمل، مما جعلها إشارة سيئة لاستقبال الحكومة بتلك الصورة.
إن أهم آلية النجاح في أداء الحكومة هو تشكيل لواء عسكري أمني مدعم بكافة الأسلحة والأجهزة اللوجستية الأخرى لمواجهة كافة احتمالات التمرد وعدم تنفيذ قرارات الحكومة أو تسيير أعمالها أو إعاقتها، لفرض الأمن ولفرض رؤى ومشاريع الحكومة في إدارة الدولة من هناك بمساعدة قوات التحالف اللامحدودة في ذلك وإلا لن يكون مصيرها سوى العودة إلى الرياض وفشلها في إدارة الدولة من هناك، مما سيقلل من هيبتها وتعويل المواطنين عليها وبالمقابل يقوي صف الانقلابيين ويسحب البساط من تحت الحكومة الشرعية.
لقد كانت أولى خطوات الانقلاب على الرئيس هادي هو تعويله على معسكرات الحماية الرئاسية التي كان لا يستطيع فرض سياسته وأوامره عليها وكانت تأتمر بأمر المخلوع حتى تم الانقلاب عليه وحبسه في منزله ومن ثم الانقلاب على الشرعية وكل مؤسسات الدولة المختلفة وتمدد الانقلاب إلى كافة أرجاء الوطن.
فلو أن الرئيس يومها كوّن ألوية حماية رئاسية تأتمر بأمره وتفرض أوامره لتسيير إدارة الدولة ما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.
ذلك هو التصور الوردي للتشكيلات العسكرية السابقة لأنظمة ما قبل الثورات والتعويل عليها في تسليم الأمر للرئاسات الجديدة لإدارة الدول هو نفس الخطأ الذي وقع فيه الرئيسان هادي ومرسي في اعتمادهما على أجهزة لم تبن لحماية الدول وإنما لحماية الأشخاص، وأدى حتماً إلى فشلهما والانقلاب عليهما.
في عام 2006 حينما نجحت حماس في الانتخابات البرلمانية وتكليف محمود عباس إسماعيل هنية بتشكيل حكومة وحدة وطنية، كان من نصيب حماس وزارة الداخلية وظل الوزير سعيد صيام حوالي خمسة أشهر لا يستطيع إنجاز شيء يذكر للأمن الداخلي وظل افتعال المشاكل الداخلية لإفشاله وإظهاره مظهر العجز حد وصول أنه كان يوجه أوامره للأجهزة الأمنية الفلسطينية ويتم السخرية منها وتُقطّع تلك التوجيهات خارج باب مكتبه، فما كان منه بعد ذلك إلا استعان بكتيبة من الجهاز الأمني لحماس بدأت تنفذ خطته الأمنية وأوامره بكل صرامة وصولاً إلى فرض الأمن بالقوة في كل قطاع غزة وبعد ذلك استقرت الأمور وهدأت المشاكل.
نفس الشيء وقع في تركيا مع رئيس الوزراء أردوجان بعد نجاح حزب العدالة والتنمية عام 2003 ظلت الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية تراوح مكانها دون التسليم الكامل لمؤسسات الدولة لسلطة منتخبة، فما كان منه إلا أن بدأ ببناء جهاز أمني جديد رويداً رويداً بعيداً عن تحكم العسكر وقوى النفوذ الخاصة في تركيا حتى فرض أمر السلطة الجديدة في كل مكان وصولاً إلى تشكيل مناعة قوية من الانقلابات العسكرية التي كان يقوم بها العسكر بين فترة وأخرى، وكان لهذا الجهاز الدور الأبرز في إفشال الانقلاب الأخير في تركيا.
على الحكومة في عدن أن تقوم بنفس الخطوات في بناء جهاز أمني وقوة حماية كافية لفرض سلطة الدولة في عدن بمشروع وطني واضح بعيداً عن قوى النفوذ الجهوية أو المناطقية العنصرية أو الحزبية كذلك..أما عدا هذه الخطوات فإن الحكومة لن يستقر لها قرار في عدن ولن تستطيع تسيير مؤسسات الدولة من هناك، وسيقود ذلك لا إلى فشل الانقلاب بل إلى فشل الحكومة أمام الانقلاب.