ما يمر به العالم العربي اليوم من أحداث دامية، يجعل الكثر من المواطنين يحجمون عن المطالبة بالتغيير، طالما أن هذا التغيير لن يجلب لهم سوى المزيد من الخراب والدمار، كما هو حاصل اليوم في أكثر من نقطة ساخنة في الوطن العربي، حيث كانت العديد من الشعوب التي انتفضت ضد حكامها، تأمل في أن تكون احتجاجاتها السلمية بوابة نحو تغيير أفضل، إلا أن ما يحدث اليوم جعل هذه الشعوب تتقاعس عن المطالبة بالتغيير، بل وأكثر من ذلك تتمنى العودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل الاحتجاجات التي سادت هذه البلدان عام 2011.
الأمر لا علاقة له بسوء، أو حسن الأنظمة التي نجت من تداعيات الاحتجاجات الشعبية، أو «الزلازل» التي وقعت في أكثر من مكان، بل بمفهوم التغيير لدى هذه الشعوب، ولدى الأنظمة على حد سواء، فالشعوب تخرج في الأغلب من أجل تحسين أوضاعها، فيما الأنظمة تقمع شعوبها من أجل البقاء في السلطة لمدة أطول.
وربما وجد الناس أنفسهم في وضع الحائر بين مواصلة الضغط لتحسين أوضاعهم أو الصمت على ما هم فيه، خوفاً من أن يروا أياماً سوداء كالحة، كالتي نراها اليوم في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن، حيث لا يزال الدم يسيل كل يوم، وتتبخر الآمال في عودة الاستقرار إلى هذه البلدان، رغم اختلاف الأسباب التي ثار الناس من أجل التغيير فيها، بين بلد غني مثل ليبيا، وآخر فقير مثل اليمن.
الإحجام عن السير في المطالبة بالتغيير يمكن فهمه من زاوية الخوف من المستقبل، فالذين ثاروا ضد أنظمتهم، ودفعوا أثماناً ليست هينة في سبيل ذلك، لم يجنوا من وراء ذلك سوى قبض الريح، وذلك لا يعود إلى عدالة القضايا التي وضعوها أثناء الاحتجاجات التي خرجت إلى الشوارع، بل إلى الأسلوب القمعي الذي اتبعته هذه الأنظمة لوأد هذه الاحتجاجات وعدم السماح بانتشار هذه الظاهرة، لأن ذلك يهدد مصير الأنظمة ذاتها، ولا يبقي لها فرصة في مواصلة الاحتجاجات والرفض.
لقد جربت الأنظمة القمع مرة ثانية ضد شعوبها، ونجحت في تحويل مسار السلام إلى مسار للدم والقتل، كما هو حاصل اليوم في سوريا وليبيا، واليمن، التي لم يغادرها صالح إلا شكلاً، بعدما منحته المبادرة الخليجية فرصة للبقاء فاعلاً سياسياً عبر المبادرة الخليجية العام 2011، وجعلته واحداً من قنوات التخريب ضد السلطة الجديدة التي مثلها الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي جرى انتخابه عام 2012.
مع ذلك، فإن الأنظمة القمعية لم تعد وحدها من عرقل مسار التغييرات في البلدان العربية، بل أيضاً غياب البدائل النموذجية التي ملأت غياب بعض الأنظمة، مثلما حدث في مصر واليمن، حيث قدمت جماعة «الإخوان المسلمين» التي استملت السلطة في الأولى وتشاركت مع آخرين في الثانية، نموذجاً سيئاً دفع الناس إلى التخلي عنها والبحث عن بديل أفضل.
* الخليج الإماراتية