على غير واقعة كذبة أبريل الشهيرة، يعيش اليمن كذبات أبريلية كثيرة، فأطراف الصراع في هذا القُطر لم يتركوا شيئاً إلا ودعموه بكذبة أو كذبات من صنيعتهم، فأحد أولئك الأطراف يدَّعي نُصرته لغزة والوقوف بجانبها دونما الالتفات للضفة الغربية- الجزء الآخر من فلسطين العزيزة، فيما آخر يدَّعي تخليص اليمن من إيران، ومن بوتقة المد الفارسي، وثالث يعلن الحُكم الذاتي لمنطقته آوياً إلى ركنٍ شديد، ورابع طالما تغنَّى بحقه - كما يدَّعي - في تقرير المصير، وصدَّع رؤوسنا بمليونياته التي تطالب بالخروج من عباءة الاحتلال! ولعل هذه الكلمة الأخيرة قد تجعلك تموت ضاحكاً وباكياً في آنٍ واحد!
أي أنهم جميعاً مُذبذبون، لا إلى هؤلاء، ولا إلى أولئك، فأحدهم مع محور المقاومة، والآخر مع محور الممانعة، والثالث مع محور المقاطعة، والرابع مع محور المساومة، والخامس مع محور المُداهنة، والسادس والسابع والثامن... وهؤلاء ربما هم في محور المقاوتة- جمع مُقوت، بائع القات، أغصان العذاب في اليمن- وغيرها من المسميات السياسية التي تحمل كل الغثاء في عالمنا العربي والإسلامي.
وهلم جرا من هذه الكذبات التي فاقت كذبة أبريل بمراحل وسنين ضوئية عديدة، وجعلت شعبنا تائهاً ضائعاً، بل وأحياناً كثيرةً فاغراً فاه، لا يدري مَنْ يُصدِّق، أو مع مَنْ يقف، أو إلى أين الاتجاه! فتجده قد فقد أهليته ويمنيته ووطنيته، يبحث عن وطنه، فتجده مُشاركاً في اغتياله وتدميره وتقزيمه وتشتيته، يبحث عن دولته، وللأسف الشديد كان مُعولاً في هدمها وإسقاطها وضياعها واندثارها، يبحث عن القانون والدستور، فإذا به هو نفسه مَنْ كفر بكل تلك التشريعات والنظم الحاكمة للبلد! وبعد كل هذا تجده في مواقف عديدة متناقضة ومتشابكة، تتناقله تلك الأطراف فيما بينها البين، وتتراجمه تلك الأهواء والأطماع والأهداف والمصالح الحزبية والفئوية والطائفية والمناطقية، و... و...، دونما تحديد بوصلته وتوجيهها لناحية وجهةٍ محددة، تتمثل باليمن الواحد والأوحد، يمن الـ22 من مايو، وطن كل اليمنيين.
وهذا الأمر قد يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي، فما نتابعه ونشاهده في هذه الأيام بأننا قادمون على موجة جنونٍ أخرى، تتبدَّئ معالمها من خلال طبول الحرب التي تُقرع، والساحات التي تتجهز، والتجييش لمختلف أطراف الصراع في أعلى درجاته، فيما لا هناك مقومات دولة، ولا وجود لاستراتيجية حرب، ولا خطط اقتصادية، ولا شيء من هذا القبيل، بل كل طرفٍ يُطبِّق حرفياً المثل اليمني: «من طَبَّل له رقص»، ولو على جثة شعبه وأهله وإخوانه.
في الأخير، إن الحقيقة الوحيدة الصادقة تتمثل في أن اليمن أصبح ساحة حربٍ كبيرة، تتناوشه كل الدول، وتتنازعه كل الأطماع، فها نحن تحت القصف الأميركي، والتدمير الإسرائيلي ليل نهار، دونما استفاقةٍ من ضمير، أو تحرُّكٍ من إنسانية، من أجل إنقاذ هذا الوطن الذي أصبح شعبه هو الضحية، وهو الأضحية، وهو البيدق الذي تدقه أطماع تلك الأطراف الداخلية وأهداف الأطراف الخارجية.
الله غالبٌ على أمره...