عودة المشايخ والسلاطين: ارتداد نحو الماضي أم استكمال للمسرحية؟
الاربعاء, 02 أبريل, 2025 - 12:33 صباحاً

يبدو أن المشهد السياسي في الجنوب واليمن ككل قرر أن يعيد بث مسلسل قديم لم يكن أحدٌ يطالب بإعادته، وهو مسلسل "عودة المشايخ والسلاطين". لكنه هذه المرة يأتي في نسخة مشوهة، عيدروسية زبيدية، هزلية، تعج بالفجائع، وتكشف عن تواطؤ أكثر تعقيدا من مجرد الحنين إلى الماضي.
والحق يقال لطالما ظلت اليمن تعاني من ثنائية خانقة: الأوليغارشية القبلية التي تستند إلى الامتيازات الوراثية والمشيخية، والسلالة الكهنوتية التي ترى نفسها وصية على الشعب بموجب "حقٍ إلهي" مختلق.شمالا.
 واليوم، نشهد اندماجا غير مقدس بين الطرفين: مشايخ وسلاطين يعودون إلى الساحة ليس باعتبارهم رموزا تاريخية بائدة، بل كأدوات جديدة ضمن لعبة قذرة، يتقاطع فيها الطربوش مع العمامة، والبرقع مع الشعار الأخضر، والولاء العشائري مع المشروع الإيراني.
صدقوني ما يثير السخرية والغيظ معا أن هذه العودة لم تأتي استجابة لمطالب شعبية، ولم تنبع من مراجعات نقدية، بل جاءت ضمن تسوية غامضة هدفها إعادة ترتيب الأوراق، وتحويل الجنوب إلى مساحة يمكن أن تعمل فيها أدوات المشروع الحوثي دون أن تُكتشف بسهولة.
نعم ، الحوثيون لا يريدون مواجهة مباشرة في الجنوب، بل يفضلون استخدام الوجوه التقليدية لإعادة صياغة الهيمنة بآليات مختلفة.
هل فهمتم ؟!

من هنا ليس هناك ما هو أخطر من أن يجد الناس أنفسهم فجأة في مواجهة مشروعين متوازيين: مشروع سلالي طائفي شمالا يتمدد بهدوء في ظل حالة الانقسام والضبابية، ومشروع إقطاعي جنوبا يعيد إنتاج الماضي ليغطي على المشروع الأول.
 هنا، يتضح أن إعادة المشايخ والسلاطين ليست إلا غطاء لإعادة الحوثيين بطرق غير مباشرة إلى الجنوب.

ولقد أثبتت الوقائع أن الحوثيين، رغم خطابهم الزائف عن "الثورة ضد المشيخية"، لا يمانعون استخدامها كأداة متى ما خدمت أجندتهم.
 ففي حين يتم استبعاد القوى الوطنية الحقيقية في الشمال والجنوب، يتم السماح بعودة شخصيات اقطاعية قبلية وأسرية كانت قد أُبعدت من المشهد لعقود. 
السؤال البسيط هنا: لماذا؟ ولمصلحة من؟
لكن أكثر ما يثير السخرية هو أن البعض يحاول تبرير هذه العودة باعتبارها "ضرورة وطنية" أو "محاولة لاستعادة التوازن"! عن أي توازن يتحدثون؟ هل يقصدون توازن القوى بين قوى الماضي والماضي الأقدم؟ أم أن الهدف هو إعادة الشعب إلى مرحلة ما قبل الدولة الجمهورية ماقبل سبتمبر و اكتوبر ليكون القرار في يد حفنة من المتنفذين العائدين من غياهب النسيان؟

في الحقيقة إن ما يجري اليوم ليس إلا عملية خداع جماعي، إذ يتم التلاعب بالمشاعر الوطنية لتبرير تحركات لا تخدم إلا أعداء اليمن.
 ففي الوقت الذي تعاني فيه القوى الوطنية في الداخل والخارج من التضييق والملاحقة والتهميش، يتم فتح الأبواب لمشاريع عفا عليها الزمن، فقط لأنها تحقق توازنا وهميا بين الكهنوت القبلي والكهنوت السلالي.

الحقيقة المرة الأهم التي يجب أن يدركها الجميع أن إعادة تدوير السادة والحبايب والمشايخ والسلاطين ليست إلا شئ من مخطط أكبر يهدف إلى تقويض أي إمكانية لقيام دولة يمنية مدنية حديثة.
 الجنوب ليس بحاجة إلى إعادة إنتاج الماضي، والشمال ليس بحاجة إلى ترسيخ هيمنة الإمامة.
 وما بين هذا وذاك، يجب على القوى الوطنية اليمنية أن تتنبه لهذه المسرحية العبثية، وأن تدرك أن معركتها الحقيقية ليست فقط ضد الحوثيين، بل ضد كل من يساهم في إعادتهم بطريقة خادعة، سواء تحت راية الدين أو راية العشيرة.

من هنا فإن هذا المخطط، مهما بدا محكما، لن يمر، لأن الشعب اليمني الذي خاض ثوراته ضد الطغيان سيعرف في النهاية كيف يميز الخديعة، وكيف يواجهها!

التعليقات