«تصدع التحالف».. «انهيار التحالف».. «طلاق دائم».. «نهاية شهر العسل».. هكذا كانت العناوين العريضة لصحف وقنوات إعلامية طوال العامين الماضيين عن العلاقات السعودية الأميركية، وهو التنبؤ، الذي لم يصدق حتى الآن، بقرب انتهاء تحالف استمر 70 عامًا، هذه العلاقات مرّت بها أزمات أشد وأخطر، كحظر تصدير النفط عام 1973، ومع ذلك بقي صامدًا في وجه الأعاصير. صحيح يختلف البلدان في طريقة معالجة أزمات المنطقة، وأن التحالف الاستراتيجي بينهما تعرض لشيء من الضرر والتوتر في الفترة الماضية، وليس سرًا أن مقدار التباين بين سياسات واشنطن والرياض أضحى فوق الطاولة بعد أن كان يتم، غالبًا، تحت الطاولة، إلا أن الحليفين الرئيسيين لا يزالان بحاجة إلى بعضهما بعضا. مثلاً الولايات المتحدة تقدّم دعمًا استخباراتيًا بالغ الأهمية للسعودية للحفاظ على أمنها الإقليمي، في حين أن السعودية تقوم بدور كبير في محاربة الجماعات الإرهابية التي تستهدف الرياض كما تستهدف واشنطن، ناهيك عن أنها تعتبر ثاني أكبر مزود نفط للولايات المتحدة، حيث يصل إلى الموانئ الأميركية أكثر من مليون برميل نفط سعودي يوميًا، ووفق قاعدة المصالح لا غنى للبلدين عن بعضهما بعضا، حتى وإن طرقت الخلافات أحيانًا باب الحليفين، فالأهداف ثابتة والتفاصيل متغيرة، والخلاف السعودي الأميركي لا يمكن إنكاره، وفي الوقت نفسه ليس بالحجم الذي يراد تصويره، وكأن العلاقة بين البلدين على وشك الانهيار. الحقيقة أن العلاقات بينهما متينة وصلبة، حتى وإن كان هناك شعور بالقلق.
يزور الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، الولايات المتحدة لتأسيس قواعد جديدة لهذا التحالف تتناسب مع المتغيرات التي يشهدها العالم، وعلى قدر الأهمية الكبرى التي تعرفها جيدًا الرياض لاستمرار تحالفها الوثيق مع أقوى دولة في العالم، فإن المؤسسات الأميركية الكبرى، ولا أقول فقط البيت الأبيض، تعي أيضًا أنه ليس بمقدورها الحفاظ على أمنها واستقرارها بمعزل عن أهم دولة في المنطقة تحارب الإرهاب، وأبرز دولة بمقدورها الحفاظ على توازن القوى بعقلانية تامة، دع عنك التقارير والتكهنات والأقاويل، التي تمضغ كلاما لتنعت التحالف بين البلدين وكأنه سينتهي غدًا، إذا لم يكن انتهى فعلاً، فالعلاقات أفضل بكثير مما يتم ترويجه، وخادم الحرمين الشريفين زار واشنطن في سبتمبر (أيلول) الماضي كأول زيارة رسمية له منذ توليه الحكم، وسافر الرئيس الأميركي للسعودية أكثر من أي بلد آخر في الشرق الأوسط، وولي ولي العهد السعودي يزور واشنطن للمرة الثالثة في نحو عام، والتعاون في محاربة الإرهاب لا تشوبه شائبة، لذلك ليس من المعقول السماح للخلاف في المواقف أن يعرقل قوة الشراكة الاستراتيجية.
لا أحد يدّعي الكمال، والسعوديون بكل تأكيد لا يزعمون ذلك، ولديهم، كما لدى غيرهم، أخطاء، وإذا أراد أحد التركيز وتسليط الضوء عليها، فإنه قادر على ذلك ولا يستطيع أن يمنعه أحد، الأكيد أن نقاط الالتقاء أكثر بكثير، ويمكن الركون عليها لتعزيز تحالف تاريخي لا مفر من تقويته، حتى لو أصابه بعض الضرر في تفاصيله، ناهيك عن محاولة السعوديين الحثيثة لتصحيح أخطائهم يومًا بعد الآخر، ولعل اللافت أن المسؤولين السعوديين أنفسهم يعترفون بأن نجاح «رؤية 2030»، التي تعتبر هدفًا بالغ الأهمية في هذه الزيارة، يعتمد على سدّ أي ثغرات فيها وذلك عبر الشراكات، ولا شك أن للشركات الأميركية الكبرى القدرة على ذلك.
يمكن أن يلخص النقاش الذي لا يتوقف عن التحالف السعودي الأميركي ومدى صلابته، ما قاله آرون ديفيد نائب مدير معهد ويلسون، عندما سألته هل تعتقد أنه يمكن للولايات المتحدة أن تنسحب من المنطقة، وتعيد النظر في تحالفها مع السعودية؟ فرد بأن ذلك مستحيل، ليس لأن واشنطن لا تريد، ولكن لأنها لا تستطيع، فمصالحها في أسخن بقعة في العالم (الشرق الأوسط) تجبرها على الاستمرار.
المصالح وحدها، لا العلاقات الشخصية، هي من تؤسس لتحالف أقوى وأبقى، هذه أهم القواعد الجديدة لإعادة بناء التحالف السعودي الأميركي في مرحلته المقبلة.
نقلا عن الشرق الأوسط