"لقد أراد الجميع هروباً فرديًا وفوزًا فرديًا، ومكاسب خاصة، فكانت المأساة جماعية، ولا تزال شاهدة على أمة سلمت أمرها للغير فأرهقوها طعياناً وكفراً".
تلك جملة واحدة أختزلت كارثة وطن بأكمله، وهكذا لخص صديقي أحمد الشلفي، الشاعر والكاتب والصحفي البارز، مأساة اليمن حين تجاذبتها المصالح الفردية الضيقة، فهوى الجميع في قعرٍ سحيق.
انتهيتُ اليوم من مرافقة صديقي العزيز أحمد الشلفي، وهو يقودنا في رحلة من جنتيه، الأولى تعز، والثانية اليمن الكبير، لخصها باختصار في كتابه الأنيق "الرحيل عن الجنة"، الصادر عن دار روزا للنشر في عام 2020، وهو كتابُ يحوي 36 مقالة قصيرة بأسلوب قصصي شيق.
سرد أحمد ذكرياته، ومشواره الإبداعي والإعلامي، بطريقة تجعلك لا تتوقف عن القراءة.
إنه بحق سرد شيق، وما يجعله أكثر إثارة، أنني عشت مع أحمد معظم تلك الأحداث، وعاصرت جل الشخصيات الواردة في الكتاب، من إعلاميين وسياسيين في صنعاء، باستثناء ما رواه عن بعض الشخصيات التي ورد ذكرها في مرحلة "استوطانه" في تعز.
توقعتَ أن ينسى موقف لأحمد ولي مع الرئس الراحل علي عبد الله صالح، رحمه الله، أو جلساتنا الممتدة مع الصحفيين والسياسيين، أو نقاشاتنا المستمرة في السياسة والأدب، زهاء عقدين من الزمن.
كتب أحمد عن الذكريات، والمواقف، والخذلان، والإحباط، والنجاحات الصغيرة، التي تراكمت وصنعت منه شخصًا استثنائيًا، ونموذجًا ناجحًا لابن القرية البسيط، الذي صار "مزعجاً للسلطات"، وملهما للكثير في الوقت ذاته.
لا أستطيع أن أكون متجردًا، وأنا أقرأ أحمد، لأنه حين كتب قصته كتبني بطريقة أو بأخرى، وإن اختلفت البدايات، ولكننا في نهاية المطاف أتينا من قرى بسيطة ونائية، ووجدنا لأنفسنا مكاناً في الصدارة، وهو حال كثير من الأصدقاء المشتركين الذين ورد ذكرهم في القصة.
هناك الكثير يا أحمد لم تكتبه ويستحق الكتابة، ولولا أنك أشرت في فصلك الأخير أن هذا الكتاب يعد المحاولة الأولى، لكنتُ اقترحت عليك أن تكتب أكثر وتخوض في تفاصيل أهم، لأن هناك الكثير يمكن أن يروى، ويمكن أن يستفاد منها، أنا فخور بهذا العمل يا صديقي، وممتن أنك أهديتني هذا الكتاب في زيارتي الأخيرة للدوحة الشهر الماضي.
شكرا يا أحمد أنك جمعتني في هذه الرحلة مع أصدقاء وزملاء وزميلات من الوسط الإعلامي، والثقافي، والأدبي، والسياسي، ومجتمع رجال المال والأعمال في فترة حرجة، من تاريخ اليمن الحديث والمعاصر.
لقد أحييتَ بهذا العمل مواقفًا وقصصًا وأشخاصاً كادت أن تأتي عليهم مشاغلي اليومية.
*نقلا عن صفحة الكاتب في فيسبوك.