وضعوا كريستيانوا في دكّة الاحتياط، كان المشهد مُزعجًا؛ لم يكن الأمر مجرد تكتيكٍ فني رياضي؛ بل حركةٍ كاشفةٍ عن نظرتهم إلينا. محاولة ترهيب فارغة، ف كريستيانوا هو رمز القوة العالية لديهم. حاولوا أن يبثوا وهمًا أنهم لا يحتاجون حشد كل قواهم في مبارزتنا، هذا نوع من الكِبر مهما غلفوه بحيل التكتيك. يُمكنكم أن تستعرضوا بهذه الحركة مع منتخبات أخرى، أما حين تكونون أمام العربي فلا. حساسيتنا للكرامة عالية، ضعاف كنّا أو أقوياء. ويجدر بكم التهذيب حين تلعبون معنا.
مضى الشوط الأول، وحين رأوا أنهم سيتعرضون لهزيمة قاسية؛ قرروا المواجهة بكامل قواهم. لكننا أحبطنا مخططهم في الشوط الثاني وبمثل الجدارة. نزل كريستيانوا وعاد خائبًا، هذا هو مصير الرموز المُحنطة. مسيرة ربع قرن تتحطم أمام القوة المغربية الصاعدة. كل الحضارات لديها منحنى للصعود والهبوط. الأمم كجماعات والأشخاص كأفراد. ومن ملاعب قطر هذا العام؛ بداية الهبوط لأساطير الغرب.
هذه لحظات انقلابُ تاريخي في موازين القوة. أيها الأروبيون: سواء كنتم أمام منتخب عربي متواضع القوة أو أمام قادة وفاتحين مثل أبطال المغرب. الدرس الأول للأوروبي منذ اليوم: توقفوا عن استعراض قوتكم أمامنا. في كل الميادين، من الطائرات بدون طيار وهي تقصف في بلداننا إلى بارجاتكم في الخليج وهي تسرق نفطنا صولًا لكريستيانوا وهو يمط شفتيه على دكّة الاحتياط.
يحاول الأوربيون ترميز عناصرهم الناجحة في كل الميادين. ويستثمروا سطوتهم على كل مجالات الحياة؛ كي يصدروا إلينا رموزهم باعتبارهم أبطالًا خارقين. فيما هم بشر مثلنا، فقط حظوا بفرص للتدريب والتأهيل. وحين نحظى ولو بنصف فرصهم، وفي أول مواجهة حقيقية بيننا وبينهم؛ تسقط أوهامهم بالنبوغ. يواجههم العربي مسلحًا بالموهبة والشرف، أخلاقه ممتزجة بدمه. أكثر شخص منحرف بيننا هو أكثر نبلًا من أبطالهم المشوهين. أبطالنا ليسوا رموزا تمتاز بالموهبة؛ بل ونماذج أخلاقية جديرة بالإتباع.
لو أن هناك عدالة في تقييم عبقرية البشر، لكان " ياسين بونو" حارس منتخب المغرب، رمزية عالمية تتجاوز أسطورة كريستيانوا المتهاوية. بثوا صور أبطال المغرب في كل مكان، علقوها في شوارع كل العواصم العربية. لا تدعوا هذا المونديال يمر إلا وقد تمكنتم من اجبار جماهير العالم أن يتخذوا من أبطالكم رموزا ويعلقوها على جدران كل البيوت الأوروبية. امتحنوا مدى نظافتهم في اللعب، استعدادهم لاتخاذ أبطالنا رموزا لهم أو فلتنكشف عنصريتهم أمام البشرية جمعاء.
اشتدوا يا رفاق، وتماسكوا أمام النصر، لا تكتفوا بمجرد دحر الأسبان والبرتغال، ارفعوا من جدارتكم بالنصر، وصولا للحظة الظفر النهائية. استعيدا حس الملوك في أرواحكم، تلك الموثوقية العالية بأنكم أبطال؛ دونما حاجة لشهادة الغرباء. وحين تعودون بالكأس، ستكون لحظة فارقة؛ سنقف لنتفاوض مع العالم ونستعيد مساحة كافية بنا في مسرح الكوكب.
فوز المنتخب المغربي، حدثًا يتجاوز ميدان الرياضة؛ سيلهم منتخبات عربية أخرى في مواجهات السنوات القادمة وهكذا ستكون الرياضة مدخلا لنهضة عربية قادمة. هكذا تبدأ فتوحات الأمم وطوالعهم الخيّرة. من جزيئة عابرة، ثم تتمدد في كل المجالات. هواننا ليس حتمية وتفوقهم ليس حقيقة نهائية. الأوروبي ليس الأنسان الأخير ونبوءة " فوكوياما" مجرد تخريفات عقل فلسفي موتور بالوهم. ثقوا بعودة دورة الأمجاد العربي في الغد؛ فما من شيء مستحيل أمام استيقاظ ثقة الإنسان العربي بجدارته. ذلك الإحساس العارم بالوهج والقوة الداخلية وبدلا من كريستيانوا، سيرفع التلاميذ العرب صور" ياسين بونو" فوق ثيابهم وملصقات كتبهم المدرسية. بعدها سنمضي جميعنا بشر أسياد على هذا الكوكب. يتعلمون منا ونتعلم منهم، نتبادل الخبرات، الفكرة والتجربة، بعيدا عن ادعاءتهم بأنهم أساتذة العالم. سنتحرر من ضعفنا أمامهم ونحررهم من أوهامهم وتلك فضيلة كبرى. فضيلتك القادمة أيها العربي، شموخ بلا كبر ونصر بلا غرور.